الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

(وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)

كيف تعارض حسن فضلهما بقبح العصيان ثم ترفع عليهما صوتًا جهيرًا؟!

(وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)
خالد آل رحيم
الأربعاء ١٢ سبتمبر ٢٠١٨ - ١٦:٤٣ م
944

(وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تعالى- في حق الوالدين: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء:23-24)، وإن دلَّ ذلك فإنما يدل على عظمة حقهما، وعظمة إثم مَن عقهما أحدهما أو كلاهما.

(وَلَا تَنْهَرْهُمَا): قال العلماء: نهى عن الأذى لهما في حال الكبر وإن كان منهيًّا في كل حال؛ لأن حال الكبر يظهر فيها منهما ما يضجر ويؤذي وتكثر خدمتهما.

(وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا): أي لينًا لطيفًا أحسن ما تجد. قال سعيد بن المسيب: "قول العبد المتذلل للسيد الفظ".

(وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ): قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "وخفض الجناح عبارة عن السكون وترك التعصب والإيذاء".

وقد جاء رجل يستأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجهاد، فقال له: (أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ) (رواه مسلم).

وجاء رجل قتل امرأة إلى ابن عباس يسأله: "هل له مِن توبة؟

فقال له: أمك حية؟ قال: لا. قال: تب إلى الله -عز وجل-، وتقرب إليه ما استطعت.

فسئل ابن عباس: لمَ سألته عن حياة أمه؟ فقال: إني لا أعلم عملًا أقرب إلى الله -عز وجل- مِن بر الوالدة".

وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان رجلان مِن أصحاب رسول الله أبر مَن كان في هذه الأمة بأمهما: عثمان بن عفان، وحارثة بن النعمان؛ أما عثمان فإنه قال: ما قدرت أتأمل وجه أمي منذ أسلمت. وأما حارثة فكان يطعمها بيده ولم يستفهمها كلامًا قط تأمره به حتى يسأل مَن عندها بعد أن يخرج: ماذا قالت أمي؟!".

وكان حجر بن عدي يلتمس فراش أمه بيده فيتهم غلظ يده فينقلب عليه على ظهره، فإذا أمن أن يكون عليه شيء أضجعها.

وكان ظبيان بن علي مِن أبر الناس بأمه فباتت ليلة وفي صدرها شيء عليه، فقام على رجليه قائمًا يكره أن يوقظها، ويكره أن يقعد حتى إذا ضعف، جاء غلامان مِن غلمانه فما زال معتمدًا عليهما حتى استيقظت مِن قِبَل نفسها!

وكان محمد بن سيرين لا يكلِّم أمه بلسانه كلمة تخشعًا لها.

وكان محمد بن المنكدر يضع خده على الأرض ثم يقول لأمه: "ضعي قدمك عليه".

قال بشر الحافي: "الولد يقرب مِن أمه بحيث يسمع أمه أفضل مِن الذي يضرب بسيفه في سبيل الله، والنظر إليها أفضل مِن كل شيء".

وقال محمد بن محيريز: "مَن مشى بيْن يدي أبيه فقد عقه إلا أن يمشي فيميط الأذى عن طريقه، ومَن دعا أباه باسمه أو بكنيته فقد عقه إلا أن يقول يا أبتِ".

قال ابن الجوزي: "الويل كل الويل لعاق والديه، والخزي كل الخزي لمَن ماتا غضبانين عليه، أفٍ له، هل جزاء المحسن إلا الإحسان إليه، أتبع الآن تفريطك في حقهما أنينًا وزفيرًا".

(وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا): كم ليلة سهرا معك إلى الفجر يداريانك مدارة العاشق في الهجر، فإن مرضت أجريا دمعًا لم يجرِ، تالله لم يرضيا لتربيتك غير الكف والحجر سريرًا.

(وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا): أتحسن الإساءة في مقابلة الإحسان؟! أما تأنف الإنسانية للإنسان؟! كيف تعارض حسن فضلهما بقبح العصيان ثم ترفع عليهما صوتًا جهيرًا؟!

(وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا): تُحب أولادك طبعًا؛ فأحبب والديك شرعًا، وارع أصلًا أثمر لك فرعًا، واذكر لطفهما بك، وطيب المرعى أولاً وأخيرًا.

(وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا): تصدق عنهما إن كانا ميتين، وصلِّ لهما واقض عنهما الدين، واستغفر لهما، واستدم هاتين الكلمتين، وما تكلف إلا أمرًا يسيرًا (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة