الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

عِبَر مِن قصص الأنبياء (15)

فعلى الدعاة وأتباع الأنبياء اليوم التصدي بكل قوة لهذا الفساد الأخلاقي الذي يستلزم فساد العقيدة

عِبَر مِن قصص الأنبياء (15)
أسامة شحادة
الثلاثاء ٠٤ ديسمبر ٢٠١٨ - ١٦:٥٤ م
831

عِبَر مِن قصص الأنبياء (15)

كتبه/ أسامة شحادة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أ- لوط -عليه السلام-:

لوط -عليه الصلاة والسلام- كان أحد المؤمنين بنبوّة إبراهيم -عليه الصلاة-؛ لقوله -تعالى-: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (العنكبوت:26)، ثم اصطفاه الله -عز وجل- وجعله نبيًّا ورسولًا، وبعثه إلى قوم منطقة سدوم الذين فشت فيهم الفاحشة الشنيعة، قال -تعالى-: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ . إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) (الأعراف:80-81).

فهذه الفاحشة -وهي إتيان الذكران والشذوذ الجنسي- لم تعرفها البشرية قبلهم، وقد كرر القرآن الكريم هذه الحقيقة التاريخية في قوله -جل وعلا-: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ . أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) (العنكبوت:28-29).

وبالتأكيد فإن ذلك بدأ فيهم بشكلٍ محدودٍ ثم انتشر بينهم وأصبح سِمة عامة، ويقع بشكلٍ علنيٍ ومباشر، ولا يتحرجون منه، قال -تعالى- عن حالهم البغيض: (وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ)، وقوله -تعالى-: (أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) (النمل:54).

ومما يدلل على مجاهرتهم بالفاحشة: وقاحتهم في مطالبة نبي الله لوط -عليه السلام- بتسليمه ضيوفه لفعل الفاحشة بهم! (وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) (هود:78)، وقال -تعالى-: (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ) (القمر:37)، بل بلغتْ وقاحتهم أن عاتبوا لوطًا -عليه السلام- على نهيه لهم عن الفاحشة بضيوفه: (قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ) (الحجر:70).

وقد عاقب الله -تعالى- قوم لوط وأهلكهم؛ بسبب إصرارهم على كفرهم وعلى فاحشتهم: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ . إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ) (القمر:33-34)، وقال -تعالى-: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ . فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) (الحجر:73-74).

وبرغم إهلاك الله -عز وجل- وعذابه لقوم لوطٍ على كفرهم وفحشهم وشذوذهم؛ إلا أن أقوامًا كثرًا قلدوهم في الفاحشة؛ فأصابتهم الكوارث والعقوبات الربانية، ولعل مِن تلك النماذج: قرية "بومبي Pompeii" الإيطالية قرب مدينة "نيبلس"، والتي اشتهرت في التاريخ بفحشها، فسلّط الله عليها بركانًا قتل كل سكانها، وبقيت جثثهم عبرة للناس حتى اكتشفتْ مِن عقودٍ قريبةٍ.

وكأن التاريخ يعيد نفسه في هذا الزمان، حيث عادت فاحشة الشذوذ للانتشار والمجاهرة، والعلنية والجماعية بعد الثورة الجنسية في الغرب قليلاً قليلًا، فحتى عام 1996م كان الشذوذ في الغرب لا يزال لا يملك القوة والجرأة للظهور العلني، ولكن شياطين الإنس والجن بقوا يعملون بجد في الباطل حتى أصبحتْ هذه الفاحشة في الغرب علنية وقانونية و(شرعية)، وأصبح لها دعاة ومؤسسات يعملون ليل نهار لفرض قانونيتها وشرعيتها على كافة سكان الأرض، وعلى كافة الأديان، بقوة التشريع الدولي عبْر قوانين ومواثيق الأمم المتحدة التي لا تلزم أحدًا في قضايا الحقوق العادلة كقضية فلسطين، بينما قضايا الشذوذ والإباحية والردة تلقى كل دعم وفرض وإلزام!

فعلى الدعاة وأتباع الأنبياء اليوم التصدي بكل قوة لهذا الفساد الأخلاقي الذي يستلزم فساد العقيدة، وأنواعًا كثيرة مِن الفساد، منها: خطف الأطفال ونشر الدعارة ليصل إلى الشهوات المريضة، وقد وصف ذلك ربنا، فقال في شأن فساد قوم لوط المصاحب لفاحشتهم: (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ)، وذلك حتى تنعم البشرية جمعاء بالأمن والأمان.  

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً