الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

رحمته -صلى الله عليه وسلم- بالملائكة

فالملائكة عالم آخر غير عالم الجن والإنس، وقد نالتهم رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم

رحمته -صلى الله عليه وسلم- بالملائكة
إيهاب شاهين
الأحد ٠٦ يناير ٢٠١٩ - ١٨:٠٢ م
701

رحمته -صلى الله عليه وسلم- بالملائكة

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالملائكة عالم آخر غير عالم الجن والإنس، وقد نالتهم رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهم داخلون تحت قوله -تبارك وتعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:7)، وفي هذه الأسطر القليلة سوف نسلِّط الضوء على بعض معاني الرحمة التي نالت هذا العالم الغيبي الكبير، رحمة النبي الأمين -صلى الله عليه وسلم-.

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَتَانِي جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَام- فَقَالَ لِي: أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْبَابِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي فِي الْبَيْتِ يُقْطَعُ، فَيَصِيرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ، فَلْيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مَنْبُوذَتَيْنِ تُوطَآَنِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَلْيُخْرَجْ)، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

وقال -عليه الصلاة والسلام-: (إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ) (متفق عليه)، والمقصود بذلك التماثيل المنحوتة التي يُضاهى بها خلق الله، وليس المقصود الصور الفوتوغرافية؛ إلا إذا كانت تشتمل على محرم، فإن ذلك يحرم، كأن تكون صورة لامرأةٍ تظهر عورتها -مثلًا- وما شابه ذلك.

وعن زيد بن خالد عن أبي طلحة مرفوعًا قال: (لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَلَا تَمَاثِيلُ) (متفق عليه)؛ ولذلك المرء يشفق على كثيرٍ مِن الشباب الآن؛ الذين يسيرون بالكلاب في الطرقات للمباهاة، ولا يكادون يفارقونها، فإنهم يفقدون مِن الأجور ما الله به عليم، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلا مَاشِيَةٍ وَلا أَرْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ) (رواه مسلم).

ومِن رحمته -صلى الله عليه وسلم-: أنه كان يحرص على ألا تتأذى الملائكة بشيءٍ وإن كان حلال المأكل، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فهم يتأذون مِن الرائحة الكريهة، والأقذار والأوساخ، فعن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) (رواه مسلم).

ومعلوم أن البصل والكراث والثوم حلال المأكل، ومع ذلك حرص -صلى الله عليه وسلم- على ألا يقربن المسجد أحدٌ طعم هذه المأكولات الحلال، رحمة بالملائكة الكرام؛ فما بالك بمَن تنبعث الروائح الكريهة المحرمة مِن أفواههم؛ ليس بمآكل حلال، بل بالمحرمات: كالخمر والمخدرات والدخان مما يؤذي الملائكة وبني آدم؟!

 وانظر إلى هذا الأدب الرفيع الذي دلنا عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- عند قراءة القرآن، فعن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي -رضي الله عنه- قال: "أُمِرْنَا بِالسِّوَاكِ. وَقَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي أَتَاهُ الْمَلَكُ فَقَامَ خَلْفَهُ يَسْتَمِعُ الْقُرْآنَ وَيَدْنُو، فَلَا يَزَالُ يَسْتَمِعُ وَيَدْنُو حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ، فَلَا يَقْرَأُ آيَةً إِلَّا كَانَتْ فِي جَوْفِ الْمَلَكِ" (رواه البيهقي في السنن الكبرى، وقال الألباني: إسناده جيد)، فحثنا على أن تكون رائحة أفواهنا عند قرآن القرآن طيبة؛ لأن الملك يضع فاه على في القارئ يأخذ القرآن.

نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن البصق عن اليمين أثناء الصلاة؛ لأن المصلي إذا قام يصلي يقف عن يمينه ملك، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلاَةِ، فَلاَ يَبْصُقْ أَمَامَهُ، فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ، وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا، وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَيَدْفِنُهَا) (رواه البخاري).

والمقصود: أنه إذا كان يصلي خارج المسجد وجاءته النخامة، وكان يساره فارغًا، فليبصق عن يساره ويدفنها؛ لئلا يؤذي أحدًا، أما البصاق في المسجد فإنه لا يجوز.

كذلك علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أردنا الخروج من الصلاة أن نسلم عن أيماننا وشمائلنا، فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ).

قال النووي -رحمه الله-: "وَيَنْوِي الْمُنْفَرِدُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى: الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَالسَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ، وَبِالثَّانِيَةِ: السَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ" (المجموع).

وهذا السلام يدعو فيه المصلي للملائكة بالرحمة، فيقول: "السلام عليكم ورحمة الله".

فهذه بعض مظاهر رحمته -صلى الله عليه وسلم- بالملائكة الكرام.

والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً