الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

إحياء مشروع رودس (ربط مصر بإفريقيا) (1)

مصر لم يُعرف عنها عبر تاريخها الطويل أنها دولة استعمارية تستنزف خيرات الشعوب

إحياء مشروع رودس (ربط مصر بإفريقيا) (1)
علاء بكر
السبت ٠٢ مارس ٢٠١٩ - ١٧:٣٥ م
786

إحياء مشروع رودس (ربط مصر بإفريقيا) (1)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فرغم أن إفريقيا مِن قارات العالم القديم؛ إلا أنها ما زالت تزخر بثرواتٍ وفيرةٍ، ومصادر للطاقة الحفرية والمتجددة لا تتوافر في غيرها مِن القارات، وهي في حاجة ماسة إلى استفادة وانتفاع شعوبها المحرومة مِن هذه الخيرات.

وقد عانت القارة -وما زالت تعاني- مِن التأخر العلمي والتقني والاقتصادي، إلى جانب وعورة تضاريسها وصعوبة التنقل عبر أراضيها، مع قلة الإمكانيات والقدرات، في الوقت التي تحتاج فيه إلى جهودٍ كبيرةٍ وسريعة؛ لتحقيق التقدم المرجو في المجالات الزراعية والصناعية، والتعدين والطاقة، وهي بالطبع لا تستطيع القيام بذلك دون مساعدة مِن الدول الأكثر تقدمًا، وخبرة أعلى في الإمكانيات والقدرات في تلك المجالات.

ولقد شهدت العقود الأخيرة ضعف تطلع الدول الأوروبية إلى إفريقيا بالصورة التي كانت عليها يوم كانت الدول الإفريقية مِن مستعمراتها، في الوقت الذي اكتفت فيه بعض دول أوروبا الغربية بربط الدول الإفريقية التي كانت مِن مستعمراتها السابقة قبل استقلالها بثقافتها واقتصادها، وإن اختلفت الأوضاع حاليًا بتطلع الغرب مِن جديد إلى إفريقيا والتدخل فيها، خاصة بعد تغلغل نفوذ الصين داخل القارة بشكلٍ ملحوظٍ.

ومما هو معلوم: أنه كان لمصر نفوذٌ وتواجدٌ كبيرٌ في إفريقيا، جعل لها مكانة متميزة لدى العديد مِن الدول الإفريقية، وترجع الجذور التاريخية لهذا التواجد في العصر الحديث إلى عهد "أبناء محمد علي" حيث بلغ النفوذ المصري في القارة ذروته في عهد "الخديوي إسماعيل" الذي ضمَّ السودان إلى حكم مصر، ووصل إلى منابع النيل في أوغندا وما حولها، فكان المصريون مِن أوائل المتواصلين مع قبائل إفريقيا وشعوبها.

وقد حمل هذا التوغل المصري لأهل هذه البلاد وقبائلها -خاصة في السودان الشقيق وفي الممالك الإسلامية التي كانت متواجدة هناك مِن قبل ذلك- الكثير مِن مظاهر الخير والتقدم؛ لذا رحَّبت هذه القبائل بوصول المصريين إليها، ولكن الدول الأوروبية الاستعمارية سرعان ما أضعفتْ هذا التواجد وضيَّقت عليه لتنفرد باحتلال دول إفريقيا الواحدة تلو الأخرى، ومارست طوال مدة استعمارها لهذه الدول أقسى أنواع الاضطهاد، والقهر والإذلال، والتمييز العنصري، وبصورةٍ بشعةٍ لأصحاب الأرض الأصليين! واستولت على خيراتها وثرواتها لنفسها، فحملت المواد الأولية منها، واستخدمت أياديها العاملة لخدمتها، وحوَّلتها إلى أسواقٍ لتصريف منتجاتها، وتركتْ -قبل إجبارها على الخروج وتحرر الدول الإفريقية مِن احتلالها- ماضيًا أسود لا يُنسَى!

وفي عهد عبد الناصر امتد نشاط مصر المناصِر لحركات التحرر إلى كل أرجاء إفريقيا، وهي تناضل مِن أجل الاستقلال والتحرر في الخمسينيات والستينيات مِن القرن العشرين الميلادي، وما زالت العديد مِن الدول الإفريقية تدين لمصر بذلك.

واليوم ونحن نعيش عهدًا مِن حرص دول العالم الثالث -وفي مقدمتها الدول الإفريقية- على التنمية والنهوض، والأخذ بأسباب التقدم في كافة مجالات الحياة؛ تأتي إفريقيا في مقدمة مناطق العالم الجديرة بالاهتمام والالتفات إليها والتعامل معها لتحقيق المصالح المشتركة، وتقديم المساهمة الفعالة القائمة على التضامن الجاد والتكاتف القوي، في ظل شراكة بعيدة عن الاستعلاء على الآخرين، خالية مِن الأطماع الاستعمارية، واستغلال حاجة الشعوب وافتقارها.

ولا شك أن مصر أولى مِن غيرها بتحقيق هذه الشراكة مع الدول الإفريقية، خاصة:

- أن مصر وإن كانت دولة مِن الدول النامية، لكن لها سبق وريادة على الدول الإفريقية يجعلها قادرة على تقديم الخبرات والخدمات الفعَّالة لكثيرٍ مِن الدول الإفريقية التي تفتقد وتحتاج إلى مثل هذه الخبرات والخدمات المصرية وبشدة، كما أن مصر يمكنها التعاون وبصورةٍ جيدةٍ مع الدول الإفريقية التي لها باع مِن التقدم والرقى بما يعود على مصر وعلى هذه الدول بالخير والتقدم، ومصر كدولةٍ إفريقيةٍ لها تاريخها ومكانتها أولى بذلك مِن أي دولةٍ أخرى مِن خارج القارة.

- أن مصر لم يُعرف عنها عبر تاريخها الطويل أنها دولة استعمارية تستنزف خيرات الشعوب أو تستعلي عليها، بل هي مِن أكثر الدول التي عانتْ مِن الغزو والاعتداء على أراضيها، وعانت مِن ذلك كل المعاناة، ولم تخرج الجيوش المصرية لأراضي دول حولها إلا في فتراتٍ قليلةٍ مِن تاريخها، سبقها عدوان أو استفزاز مِن جيوش هذه الدول دفعها دفعًا إلى دفع خطرها وتوقي مواصلة اعتداءاتها بدخول أرضها وكسر جيوشها وإخضاع شعوبها، والجزاء هنا مِن جنس العمل.

- أن لمصر في عصرنا الحديث مكانة سامية في نفوس الأفارقة لجوانب عديدة، منها: مساندة مصر للكثير مِن حركات التحرر في إفريقيا ماديًّا ومعنويًّا، وتلقي الكثيرين مِن زعماء إفريقيا وقادتها ورجال النخبة فيها لتعليمهم في القاهرة، واستقبال القاهرة لكثيرٍ مِن المناضلين واللاجئين السياسيين خلال حروب التحرر والاستقلال، ووقوف مصر إلى جانب العديد مِن هذه الدول في أزماتها ومحنها.

- إن مصر بوابة إفريقية الشرقية إلى قارة آسيا وشبه الجزيرة العربية، ودول شرق أوروبا، وشرق البحر الأبيض المتوسط، كما أنها قي مقدمة دول الشطر العربي الإفريقي الذي يشغل كل شمال إفريقيا المطل على البحر الأبيض المتوسط، ويمتد كذلك إلى غرب وشرق وعمق القارة الإفريقية.

- هذا إلى جانب وجود الأزهر الشريف، ودوره في نشر الإسلام وتعليمه في إفريقيا مِن خلال المنح والبعثات الدراسية والتعليمية.

وتحقيق الآمال المرجوة للقارة الإفريقية لا يتحقق إلا مِن خلال أعمال ضخمةٍ وكبيرةٍ على مستوى القارة، يشترك فيه أكبر عددٍ مِن شعوبه، وتتكاتف مع بعضها البعض مِن خلاله، وتتكامل عن طريقه فيما بينها.

 وينبغي على مصر -وهي أهل لذلك- أن تقود القارة السمراء إلى آفاقٍ عاليةٍ مِن التعاون والتكامل والتكاتف فيما بينها، مِن خلال مشاريع كبيرة ضخمة تحقق للقارة الوحدة الاقتصادية والسياسية الحقيقية والفعالة، بما يعود على جميع شعوبها بالرفاهية والرخاء، ويجعل مِن القارة قوة عالمية اقتصادية وسياسية مؤثِّرة في الحسابات الدولية، ويجنبها الخضوع للغرب وابتزازه.

ومِن أمثلة هذه المشاريع الكبيرة الفعالة: ربط دول القارة بعضها ببعض بما يحقق تكاملها الاقتصادي، وهذه الفكرة ليست جديدة على إفريقيا؛ إذ سعت إليها دول أوروبا الاستعمارية مِن قبل أثناء احتلالها للقارة وسعيها إلى تحقيق أكبر استفادة اقتصادية منها، إذ شهد النصف الثاني مِن القرن التاسع عشر الميلادي تبني الدول الغربية الاستعمارية "وفي مقدمتها إنجلترا وفرنسا" لمشاريع ربط مستعمراتها التي تسيطر عليها بعضها ببعض؛ للاستفادة الاقتصادية القصوى منها.

ومِن أشهر هذه المشاريع تاريخيًّا: مشروع (رودس)، الذي وضعه (سيسل جون رودس)؛ لدعم نفوذ إنجلترا في السيطرة على جزءٍ كبيرٍ مِن القارة يمتد مِن (الكيب) في جنوب إفريقيا إلى (القاهرة) في شمالها عن طريق مد خط سكة حديد تابع للتاج البريطاني يقطع ممتلكات إنجلترا في القارة رأسيًّا عبر مستعمراتها في جنوب إفريقيا، وإقليم إفريقيا الوسطى الجنوبية، وأوغندا، والسودان ومصر.

وما أحوج القارة اليوم إلى مثل هذا المشروع الاقتصادي الكبير وما شابهه للربط بين دولها، لا كمشاريع تخدم الدول الغربية الاستعمارية، ولكن كمشاريع اقتصادية واعدة تخدم دول وشعوب إفريقيا في المقام الأول.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة