الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

رحلة إلى النار!

النار حسرة أبدية، وألم لا ينتهي ودموع لا تجف، وعذاب يفتت الأكباد

رحلة إلى النار!
سعيد صابر
الاثنين ٠٤ مارس ٢٠١٩ - ١٧:١٦ م
1172

رحلة إلى النار!

كتبه/ سعيد صابر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنحن الآن على حافة جهنم؛ لنرى أهوالها وبشاعة عذابها، ونسمع سويًّا عويل وصراخ أهلها، ولعلنا بعد الوقوف على مشاهد الحسرة والعذاب في سواء الجحيم أن نعتبر، والسعيد مَن وُعظ بغيره.

أول ملمح يعترضنا في رحلتنا إلى النار: سعة النار وعمق قعرها، وفظاعة منظرها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أُرِيتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَاليَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ) (متفق عليه)، وقال: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

فيا له من سقوط يستمر 70 عامًا؛ فأي عمق هذا؟!

الملمح الثاني: أن نتعرف على وقود النار، ومادة اشتعالها -وما هي إلا الحجارة ولحوم البشر-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا) (التحريم:6).

وإذا كانت نار الدنيا تمزق اللحوم، وتحرق وتدمر الأجساد، وزيارة لأقسام الحريق هنا أو هناك تشيِّب الرؤوس، فما ظنك بنارٍ فضِّلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءًا كلهن مثل حرها؟!  

ناهيك عن أن هذه النار لا تخبو ولا تنطفأ مع تطاول الزمان، ومرور الأيام والأعوام، بل هي في ازدياد؛ ولذلك لا يجد البؤساء والتعساء فيها طعمًا للراحة.

هذا، ولما كان الجلد موضع الإحساس بألم الحرق، فإن الله يبدِّل الكفار بجلودٍ أخرى؛ ليبقى شقاء الألم على ما هو عليه: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) (النساء:56).

وحتى لا ترق لهؤلاء الأشقياء الذين يرزحون تحت وطأة العذاب في سلخانات جهنم لابد أن تنظر إلى جرائمهم، وأعظمها وأفظعها الشرك الأسود؛ ناهيك عن التفنن في تعذيب البشر، وسلوا محاكم التفتيش المعاصِرة في بورما وسوريا، وغيرهما.

مِن معالم رحلتنا إلى النار: الوقوف على مشاهد الحسرة هناك، وكم مِن مشهدٍ يجسِّد حسرتهم واعتصارهم ندمًا، قال -تعالى-: (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الأنعام:27)، وقال: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا . يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) (الفرقان:27-29).

وإذا كان الناس في الدنيا يقولون: إن الدم لا يكون ماءً، ففي الآخرة يصبح الدم ماءً، ولذلك يضحي المرء بأبنائه وزوجته وأحبابه في سبيل نجاته، وأنى له النجاة؟! (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ . وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ . وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ) (المعارج:11-14).

النار حسرة أبدية، وألم لا ينتهي ودموع لا تجف، وعذاب يفتت الأكباد، وغمسة واحدة فيها تنسي وتنسف كل نعيم، ويقاسي أهلها مع حرِّ النار صهد العطش الذي يُسلَّط على أهلها، قال الله -تعالى-: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا . وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا) (مريم:85-86)، أي: عطاشًا.

وتستمر بهم حالة العطش والظمأ وجفاف الحلق حتى ترفع الحجب فيشرفون على أهل الجنة وهم يرتون مِن عيونها وأنهارها، فعندها يتضاعف ويشتد عذابهم، ويزداد لهيب عطشهم، ثم يطمعون في قطرة ماء، ولكن هيهات هيهات، قال الله -تعالى- في معرض بيان أمنية أهل النار: (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ) (الأعراف:50).  

وأعظم وأفظع مِن ذلك برمته حجابهم عن الله وبُعدهم عنه، وكم مِن آية ذكر الله فيها عذاب البُعد، كقوله -تعالى-: (أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ) (هود:60)، وقال: (فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (المؤمنون:41).

كانت هذه رحلة خاطفة إلى جهنم؛ فليعمل كلٌّ منا عمل رجل لا ينجيه منها إلا عمله، وليتوكل توكل رجلٍ لا يصيبه إلا ما كتب له.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

آن الرحيل!
866 ٢٦ يونيو ٢٠١٩
رحلة إلى الجنة!
658 ٠٧ مايو ٢٠١٩
كن منصفًا لا منسفًا!
751 ٠١ يناير ٢٠١٩
وحل الغفلة
1049 ٣١ مايو ٢٠١٧
مناجاة
2254 ١٩ مايو ٢٠١٤
الانقلاب!
1820 ٠٨ نوفمبر ٢٠١٣