الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

عيد الشهادة بالعقوق!

وأول مَن فكَّر في عيد للأم في العالم العربي: كان الصحفي المصري الراحل علي أمين

عيد الشهادة بالعقوق!
خالد فوزي حمزة
الخميس ٢١ مارس ٢٠١٩ - ١٨:٢٣ م
874

عيد الشهادة بالعقوق!

كتبه/ خالد فوزي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ففي كل عام وفي شهر (مارس) الإفرنجي، أتفاجأ كغيري بإعلاناتٍ عما يُسمَّى: (عيد الأم)، وهي بدعة غربية، وإن كان يومها يختلف بين بلدٍ وأخرى، ولها أصل ديني عندهم، فمصطلح: "الأم الكنسي" يُراد به أم الإله -تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا!-، فقد ذكرت موسوعة ويكيبيديا أن في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، يرتبط عيد الأم بقوةٍ مع الصلاة لمريم العذراء، وفي العديد مِن الكنائس الشرقية الكاثوليكية والأرثوذكسية الشرقية، وتقام صلاة خاصة على شرف العذراء مريم، وبغض النظر عن صحة ذلك من عدمه؛ إلا أن يوم الأم (Mother's Day) هو احتفال ظهر حديثًا في مطلع القرن العشرين، يُحتفل به في بعض الدول؛ لتكريم الأمهات والأمومة، ورابطة الأم بأبنائها، وتأثير الأمهات على المجتمع.  

ظهر ذلك برغبةٍ مِن المفكرين الغربيين والأوروبيين بعد أن وجدوا الأبناء في مجتمعاتهم يهملون أمهاتهم، ولا يؤدون الرعاية الكاملة لهن؛ فأرادوا أن يجعلوا يومًا في السَّنة ليذكروا الأبناء بأمهاتهم!

ويختلف تاريخه يوم الأم مِن دولة لأخرى؛ فمثلًا: في العالم العربي يكون اليوم الأول مِن فصل الربيع"أي يوم 21 مِن شهر مارس"، وفي بلدان أخرى: في فبراير أو إبريل أو مايو، ففي الولايات المتحدة يكون الاحتفال في الأحد الثاني من شهر مايو من كل عام.

واستمدت معظم المدن عيد الأم من الأعياد التي ظهرت في الولايات المتحدة، كما اعتمدته المدن والثقافات الأخرى، وعيد الأم له معانٍ عديدةٍ مرتبطة بأحداثٍ مختلفةٍ؛ سواء كانت تاريخية أو دينية أو أسطورية، ويُحتفل به في تواريخ متعدد.

وأول مَن فكَّر في عيد للأم في العالم العربي: كان الصحفي المصري الراحل "علي أمين" -مؤسس جريدة أخبار اليوم مع أخيه مصطفى أمين-، حيث طرح علي أمين -في مقاله اليومي (فكرة)- فكرة الاحتفال بعيد الأم قائلًا: "لماذا لا نتفق على يومٍ مِن أيام السنة نطلق عليه "يوم الأم"، ونجعله عيدًا قوميًّا في بلادنا وبلاد الشرق".

ثم حدث أن قامت إحدى الأمهات بزيارة للراحل مصطفى أمين في مكتبه وقصت عليه قصتها، وكيف أنها ترمَّلت وأولادها صغار، ولم تتزوج، وكرَّست حياتها مِن أجل أولادها، وظلت ترعاهم حتى تخرجوا في الجامعة، وتزوجوا، واستقلوا بحياتهم، وانصرفوا عنها تمامًا، فكتب مصطفى أمين وعلي أمين في عمودهما الشهير "فكرة" يقترحان تخصيص يوم للأم يكون بمثابة يوم لرد الجميل وتذكير بفضلها، وكان أن انهالت الخطابات عليهما تشجع الفكرة، واقترح البعض أن يخصص أسبوع للأم وليس مجرد يوم واحد! ورفض آخرون الفكرة بحجة أن كل أيام السنة للأم، وليس يومًا واحدًا فقط، لكن أغلبية القراء وافقوا على فكرة تخصيص يوم واحد، وبعدها تقرر أن يكون يوم 21 مارس ليكون عيدًا للأم، وهو أول أيام فصل الربيع؛ ليكون رمزًا للتفتح والصفاء والمشاعر الجميلة.

وأما في الشرع: ففي فتاوى العلماء أن الأصل أن العيد اسم لما يعود مِن الاجتماع على وجهٍ معتادٍ؛ إما بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع أو نحو ذلك، فالعيد يجمع أمورًا، منها: يوم عائد كيوم عيد الفطر، ويوم الجمعة، ومنها: الاجتماع في ذلك اليوم، ومنها: الأعمال التي يقام بها في ذلك اليوم من عباداتٍ وعاداتٍ، فما كان من ذلك يُقصد به التنسك والتقرب أو التعظيم كسبًا للأجر، أو كان فيه تشبه بأهل الجاهلية أو نحوهم من طوائف الكفار؛ فهو بدعة محدثة ممنوعة، داخلة في عموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) (متفق عليه).

مثال ذلك: الاحتفال بعيد المولد، وعيد الأم، والعيد الوطني؛ لما في الأول مِن إحداث عبادة لم يأذن بها الله، وكما في ذلك من التشبه بالنصارى، ونحوهم من الكفرة؛ ولما في الثاني والثالث مِن التشبه بالكفار.

وإذا انضم في عيد الأم أنه نسبة إلى احتفالهم "أم الرب" -تعالى الله عن ذلك-، فهو أشد أن ينهى عنه، وأما ما كان المقصود منه تنظيم الأعمال -مثلًا- لمصلحة الأمة، وضبط أمورها كأسبوع المرور، وتنظيم مواعيد الدراسة والاجتماع بالموظفين للعمل، ونحو ذلك مما لا يفضي إلى التقرب به والعبادة، والتعظيم بالأصالة؛ فهو من الأمور العادية التي لا حرج فيها، وقد تُبتلى المسلمة كالمعلمات بمَن يهدي إليها في هذا اليوم، فإذا أبانت الحكم، وترتبت مفسدة على عدم قبولها كبغضٍ ونفرةٍ ونحو ذلك، فلها القبول، وإلا تمتنع؛ لبيان عدم الرضا به، وحث الناس على هجره والابتعاد عنه، ونحو ذلك.

إن يوم الأم هو شهادة بالعقوق سائر الأيام!

فهذه البدعة لم تأتِ إلينا إلا مِن المجتمعات التي انتشر فيها العقوق، ولم تجد فيه الأمهات والآباء مِن ملجأ غير دور الرعاية، حيث البعد والقطيعة والألم، فظنوا أن إكرامها في يومٍ يمحو إثمَ عقوقِها في بقية السَّنة!

وصلى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة