الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

(فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)

وظلم النفس يدخل فيه كل أنواع الذنوب والمعاصي

(فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)
محمود عبد الحفيظ البرتاوي
الأحد ٢٤ مارس ٢٠١٩ - ١٩:٠٧ م
801

)فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)

كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن مِن رحمة الله -تعالى- بخلقه وعباده، أن حرَّم عليهم الظلم بكل أنواعه، وجعله مِن أسباب هلاك الأمم والأفراد، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) (يونس:13)، وقال: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:45).

وما ذاك إلا لما يترتب على الظلم مِن كثرة الفساد، ووقوع الضغائن والأحقاد؛ فكم مِن دماءٍ أريقت، وبيوت خربت، وأُسر شردت، وعداواتٍ توارثت وتعاقبت، وكم تسببت المظالم في قطيعة للأرحام، وهمٍّ وغمٍّ لمظلومين وأبرياء بالليل والنهار!

قال -تعالى- في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا) (رواه مسلم).

وإن كان الظلم محرمًا وقبيحًا في كل وقتٍ؛ إلا أنه يزداد قبحًا وسوءًا في الأزمنة الفاضلة.

وإن شهر رجب أحد الأشهر الحرم الأربعة التي لها حرمة عظيمة عند الله -عز وجل-، قال -تعالى-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة:36).

قال العلامة السعدي -رحمه الله-: "(مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ): وهي رجب الفرد، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وسُميت حُرمًا لزيادة حرمتها، وتحريم القتال فيها.

(فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ): يحتمل أن الضمير يعود إلى الاثنى عشر شهرًا، وأن الله -تعالى- بيَّن أنه جعلها مقادير للعباد، وأن تعمر بطاعته، ويشكر الله -تعالى- على مِنَّتِهِ بها، وتقييضها لمصالح العباد، فلتحذروا مِن ظلم أنفسكم فيها. ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحرم، وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها، خصوصًا مع النهي عن الظلم كل وقت، لزيادة تحريمها، وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها" (تفسير السعدي).

وظلم النفس يدخل فيه كل أنواع الذنوب والمعاصي، والتي أقبحها الشرك بالله، ثم ما كان بين العبد وبين الخلق من المظالم، ثم ما كان بينه وبين ربه -تعالى-.

- فمِن ظلم النفس المحرَّم: ارتكاب ما نهى الله عنه وحرمه؛ فكل عاص ظالم لنفسه مبين حيث عرَّض نفسه لسخط الله وعقوبته (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (يونس:44).

- ومِن ظلم النفس: منع أسباب الهداية عنها، وترك تنعيمها وتهذيبها بالوحي الشريف والاستضاءة بنوره "كتابًا وسنة".

- ومِن ظلم النفس: إهمال تزكيتها بطاعة الله واتباع الرسول، وتدسيتها، قال -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس:9-10).  

وإن العبد إن لم يقلع عن ظلم النفس ويرجع إلى الله في هذا الزمان الذي حرَّمه الله؛ فمتى يعود إذًا؟!

ومما يعين العبد على الاستقامة على طاعة الله وعدم ظلمه لنفسه أن يستحضر قول الله -تعالى-: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (الأنعام:21)، وقوله: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران:57)، وقوله: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (الشعراء:227).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com