السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

لماذا نرفض التراث الصوفي للحلاج؟ (2)

للحلاج طامات وأوابد، بل يجعل نفسه ثالث الكافرين

لماذا نرفض التراث الصوفي للحلاج؟ (2)
خالد فوزي حمزة
الثلاثاء ٢٣ أبريل ٢٠١٩ - ١٩:١٦ م
1059

لماذا نرفض التراث الصوفي للحلاج؟ (2)

كتبه/ خالد فوزي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد تناولتُ في المقال السابق شيئًا مِن الكلام على الصوفي المشهور: "الحسين بن منصور الحلاج"، وأتناول هنا بعض ما رمي به وما اُعتذر به عنه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "الحلاج قُتل على الزندقة التي ثبتت عليه بإقراره وبغير إقراره؛ والأمر الذي ثبت عليه بما يوجب القتل باتفاق المسلمين. ومَن قال: إنه قتل بغير حق؛ فهو إما منافق ملحد، وإما جاهل ضال. والذي قتل به ما استفاض عنه مِن أنواع الكفر وبعضه يوجب قتله؛ فضلًا عن جميعه.

ولم يكن من أولياء الله المتقين، بل كان له عبادات ورياضات ومجاهدات، بعضها شيطاني وبعضها نفساني، وبعضها موافق للشريعة من وجهٍ دون وجهٍ؛ فلبس الحق بالباطل. وكان قد ذهب إلى بلاد الهند وتعلم أنواعًا من السحر، وصنف كتابًا في السحر معروفًا وهو موجود إلى اليوم، وكان له أقوال شيطانية ومخاريق بهتانية".

وقال: "ولو عاش افتتن به كثير من الجهال؛ لأنه كان صاحب خزعبلات بهتانية وأحوال شيطانية؛ ولهذا إنما يعظمه مَن يعظم الأحوال الشيطانية والنفسانية والبهتانية. وأما أولياء الله العالمون بحال الحلاج فليس منهم واحد يعظمه؛ ولهذا لم يذكره القشيري في مشايخ رسالته وإن كان قد ذكر من كلامه كلمات استحسنها. وكان الشيخ أبو يعقوب النهرجوري قد زوجه بابنته، فلما اطلع على زندقته نزعها منه. وكان عمرو بن عثمان يذكر أنه كافر ويقول: كنت معه فسمع قارئًا يقرأ القرآن فقال: أقدر أن أصنِّف مثل هذا القرآن. أو نحو هذا مِن الكلام!" اهـ.

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه: بسط ذكره في تاريخه أبو عبد الرحمن السلمي في "طبقات الصوفية"، وأن كثيرًا مِن المشايخ ذموه وأنكروا عليه ولم يعدوه مِن مشايخ الطريق، وأكثرهم حط عليه. وممَن ذمه وحط عليه أبو القاسم الجنيد، ولم يقتل في حياة الجنيد، بل قتل بعد موت الجنيد.

ففي الجملة: اتفق المسلمون على ضلال الكثير مما يقوله، وأنه كان مِن أوائل مَن دعا إلى مذهب وحدة الوجود الصوفي ذي النزعات الفلسفية الخطيرة.

وما يُنقل عنه ليس من مناوئيه، بل مِن نفس كتبه المنسوبة له، أو ما وصل إلينا منها، وقد أورد ابن النديم أسماء (46) كتابًا له غريبة الأسماء والأوضاع، منها: (طاسين الأزل، والجوهر الأكبر، والشجرة النورية)، و(الظل الممدود والماء المسكوب والحياة الباقية)، و(قرآن القرآن والفرقان)، و(السياسة والخلفاء والأمراء)، و(علم البقاء والفناء)، و(مدح النبي والمثل الأعلى)، و(القيامة والقيامات)، و(هو هو)، و(كيف كان وكيف يكون؟)، و(الكبريت الاحمر)، و(الوجود الأول)، و(الوجود الثاني)، و(اليقين)، و(التوحيد)، وغيرها.

وللحلاج طامات وأوابد، بل يجعل نفسه ثالث الكافرين: (إبليس وفرعون)، فهو يقول: "تناظرتُ مع إِبليس وفِرْعَوْن في الفُتُوَّةِ، فقال إبليس: إن سجدتُ، سَقَطَ عَنِى اسم الفتوَّة! وقال فرعون: إن آمنتُ بِرسوِلهِ، سقطتُ مِن منزلة الفتَّوةْ! وقُلْتُ أَنا: إنْ رجعتُ عن دعواي وقولي، سقطتُ مِن بِساطِ الفتَّوةِ! وقال إبليس: "أنا خير مِنْهُ" حيْنَ لم يُراء غَيره غَيْرًا، وقال فرعون: "ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِن إِلَهٍ غيري" حيْنَ لم يَعْرِف في قَوْمِهِ مَن يميز بين الحقّ والباطل، وقُلْتُ أنا: "إن لم تعرفوُهُ فاعرفوا آثارَهُ، وأنا ذلك الأثر وأَنا الحقّ، لأَني ما زِلتُ أَبَدًا بالحِق حَقًّا!

فصاحبيَّ وأُستَاذيَّ: إبليس وفرعون، وإبليس هُدِدَ بالنارِ، وما رَجَعَ عَن دعواه، وفرعون أُغْرِقَ في اليم، وما رجع عن دعواه، ولم يقر بالواسِطَةِ البتّة، وإن قُتِلْتُ أو صُلِبْتُ أو قُطِعَتْ يداي ورجلاي ما رجعتُ عن دعواي!" اهـ.

فما ظنكم بمَن جعل صاحبيه وأستاذيه: إبليس وفرعون؟!

ومهما اعتذر عنه فهو باطل، وإنما يعتذر مَن يعتذر عنه بأحد أمرين:

الأول: أنه تاب عند الموت.

والثاني: أن كلامه مرموزات للصوفية لا يفهم معانيها إلا هم، أو صدرت في حال السكر والعجب، أي: مرموزات في الثناء على رأسي الكفر: إبليس وفرعون، ولكن هكذا الصوفية يلهجون بالغوامض حتى لا يكاد يفهم عنهم شيء، ويوجهونه متى شاءوا بما يريدونه.

ومِن ألطف ما ذُكر في هذا الصدد ما نقله الصفدي عن بعض الشعراء، وهو يتهتك بالصوفية وقولهم بالوحدة، إذ يقول:

مـتُ فـي عشقي ومـعـشـوقي أنا                    فــفــؤادي مـن فـراقي فـي عنا

غـبـت عــني فـمـتى أجــمـعــنـي                    أنا من وجـدي مـني فـي ضَـنى

أيها السامع تدري ما الذي قلته؟                    والــــلـــه مــــــا أدري أنــــــا!

قال شيخ الإسلام: "فالحلاج كان مِن الدجاجلة بلا ريب؛ ولكن إذا قيل: هل تاب قبل الموت أم لا؟ قال: الله أعلم؛ فلا يقول ما ليس له به علم؛ ولكن ظهر عنه مِن الأقوال والأعمال ما أوجب كفره وقتله باتفاق المسلمين. والله أعلم به".

وقال: "أما كون الحلاج عند الموت تاب فيما بينه وبين الله أو لم يتب؛ فهذا غيب يعلمه الله منه، وأما كونه إنما كان يتكلم بهذا عند الاصطلام فليس كذلك؛ بل كان يصنف الكتب ويقوله وهو حاضر ويقظان، وقد تقدم أن غيبة العقل تكون عذرًا في رفع القلم، وكذلك الشبهة التي ترفع معها قيام الحجة؛ قد تكون عذرًا في الظاهر. فهذا لو فرض: لم يجز أن يُقال: قُتل ظلمًا، ولا يقال إنه موافق له على اعتقاده، ولا يشهد بما لا يعلم؛ فكيف إذا كان الأمر بخلاف ذلك، وغاية المسلم المؤمن إذا عذر الحلاج أن يدعي فيه الاصطلام والشبهة. وأما أن يوافقه على ما قتل عليه؛ فهذا حال أهل الزندقة والإلحاد، وكذلك مَن لم يجوِّز قتل مثله؛ فهو مارق مِن دين الإسلام".

وصلى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com