الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

عِبَر من قصص الأنبياء (32)

وقضية ابتلاء وامتحان البشر هي سنة الله -عز وجل- فيهم

عِبَر من قصص الأنبياء (32)
أسامة شحادة
الاثنين ٢٩ أبريل ٢٠١٩ - ١٠:٤٠ ص
691

عِبَر من قصص الأنبياء (32)

كتبه/ أسامة شحادة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ب- أيوب -عليه السلام-:

تدور غالب قصة أيوب -عليه السلام- في القرآن الكريم على ما تعرض له مِن ابتلاء وامتحان، قابله بالصبر والرضا والمزيد مِن العبودية لله -عز وجل-: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ . ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ . وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ . وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب) (ص:41-44).

وقضية ابتلاء وامتحان البشر هي سنة الله -عز وجل- فيهم: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء:35)، ولذلك كان أكثر الناس ابتلاءً هم الأنبياء ثم الصالحون؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- لما سأله سعد بن أبي وقاص: أي الناس أشد بلاءً؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: (الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) (رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني).

وفي قصة أيوب -عليه السلام- عَرض لمنهج الأنبياء في التعامل مع الابتلاء والشر، فهو أولاً يتأدب مع ربه فينسب الشر والنصب والعذاب للشيطان، فهو يعلم أن الله -عز وجل- هو خالق الكل الخير والشر (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) (الفلق:2)، وهو -سبحانه- الذي قدّر أن يُبتلى أيوب -عليه السلام- ويقع عليه الضر بواسطة الشيطان (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) (النساء:78).

وثانيًا: أيوب -عليه السلام- يعرف أن هذا ابتلاء مِن ربه، وأن فيه خيرًا له، وأن كشف هذا الابتلاء يكون بمزيدٍ مِن التذلل والعبودية لربه -سبحانه-؛ ولذلك نادى ربه ودعاه، فاستجاب له ربه فكشف ضره ومدحه وأثنى عليه بوصفه (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب).

وثالثًا: كان هذا الموقف الصابر والراضي مِن أيوب -عليه السلام- على بلائه؛ لأنه يعرف ويؤمن بأن هذه الحياة الدنيا ليست نهاية المطاف، بل هناك حياة أخرى في الآخرة تعوّضه وتكافئه بأضعاف ما لاقاه مِن نصبٍ وعذابٍ.

وفي واقعنا المعاصر ومع العولمة التي تجتاح أرجاء الأرض، وتفرض مفاهيم الحداثة الغربية على الناس، فإن فئات مِن شباب المسلمين وقعوا في فخ (مشكلة الشر)، وتسببت لهم بالوقوع في متاهة الإلحاد والكفر بالله -عز وجل-.

و(مشكلة الشر) هي مشكلة علمانية غربية ناتجة عن إنكار عالم الغيب والاقتصار على عالم المادة والمغالاة في ذلك حتى وصلت إلى نفي وجود الحقيقة، وترتب على ذلك نفي وجود معنى وغاية للحياة! وأصبح الجري وراء اللذة والسعادة هو البوصلة، وعند ذلك لم يعد للابتلاء والامتحان دور وفائدة!

بينما الواقع يصادم هذه المفاهيم العلمانية الباطلة، فمِن سمّ الحيات يستخرج الدواء، ومِن ألم الولادة تخرج بسمة المواليد للحياة، ومِن الأنهار الجارية تخرج الفيضانات، فليس كل ابتلاء شرًّا، ولا كل جمال خيرًا! ولولا المشقة والابتلاء ما نبغ النوابغ، وتطورت حركة الحياة، ولا عرفت البشرية القدوات التي تنير لها الطريق.

وحياتنا الدنيا ليست نهاية المطاف، بل هناك حياة أخروية يثاب فيها أهل الخير والصلاح، ويعوضون فيها على ما لاقوه مِن مشاق (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) (الإنسان:12)، فمَن لزم منهج الأنبياء نجا مِن قلق واكتئاب العصر الحاضر، ونَعِم بجنات الخلد في المستقبل.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً