الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

شبهات تتعلق بعقيدة الإمام أحمد

يدعي بعض المتكلمين أن عقيدة الإمام أحمد مبناها في باب الأسماء والصفات

شبهات تتعلق بعقيدة الإمام أحمد
محمد القاضي
السبت ٠٤ مايو ٢٠١٩ - ١٨:٥٨ م
695

شبهات تتعلق بعقيدة الإمام أحمد

كتبه/ محمد القاضي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

في الحقيقة لا يمكن لأحدٍ أن ينكر فضل الإمام أحمد ومكانته في القلوب، وأن كل الفرق تحاول أن تلتصق به وتزعم أن عقيدتها توافق عقيدته، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى نظرٍ وتحرير حتى نتبين الموافق مِن المخالف لعقيدة إمام أهل السُّنة والجماعة.

وبالنظر إلى الواقع المعاصر، فإن هناك بعض الدعاوى نريد أن نلقي نظرة سريعة عليها بما يقتضيه المقام؛ وإلا فهذا الشأن تُفرد له مجلدات ويُناقش في قاعات البحث العلمي، ولكن نحاول في إيجاز نرصد بعض النقاط:

يدعي بعض المتكلمين أن عقيدة الإمام أحمد مبناها في باب الأسماء والصفات: "التفويض"، والتفويض الذي يقصدونه هو تفويض المعنى والكيف مع آيات الصفات، فلا نتكلم في معانيها ونفوض أمر المعنى إلى الله كما نفوض أمر الكيفيات إليه سبحانه، وأنه أدرى بمراده -عز وجل-، وهؤلاء ينسبون هذا الاعتقاد للإمام أحمد بن حنبل متعلقين ببعض العبارات كمثل قوله -رحمه الله-: "لا كيف ولا معنى"، كما جاء عنه أنه سئل عن الأحاديث التي تُروى من نزول الله -تعالى- إلى السماء الدنيا، وأنه -سبحانه- يُرى في الآخرة، وأنه يضع قدمه على النار... وما أشبه هذه النصوص، فقال: "نؤمن بها ونصدق بها، ولا كيف ولا معنى، ولا نرد منها شيئًا، ونعلم أن ما جاء به رسول الله  حق إذا كان بأسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف الله -تبارك وتعالى- بأكثر مما وصف به نفسه بلا حدٍّ ولا غاية، ليس كمثله شيء"، فيزعمون أن مراد الإمام تفويض الكيف والمعنى، بمعنى لا نعلم عن معنى آيات الصفات وكيفيتها شيًئا!

وهذا الزعم مِن المتكلمين مردود عليه مِن عدة وجوه:

الوجه الأول: لابد مِن الجمع بين أقوال الإمام في المواضع المختلفة، فقد قال حنبل: "قلت لأبي عبد الله: ينزل الله -تعالى- إلى سماء الدنيا؟ قال: نعم. قلت: نزوله بعلمه أو بماذا؟ قال لي: اسكت عن هذا، مالك ولهذا، أتقن الحديث على ما روي بلا كيف ولا حدٍّ، إلا بما جاءت به الآثار وبما جاء به الكتاب، فقال الله -عز وجل-: (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ) (النحل:74)، ينزل كيف يشاء بعلمه وقدرته وعظمته، أحاط بكل شيءٍ علمًا، لا يبلغ قدره واصف، ولا ينأى عنه هارب".

فهذه الرواية عن الإمام توضح مراده مِن قوله بلا كيف ولا معنى، فنفى معرفة الكيفية وأن نتكلم في المعنى الباطل الذي هو تشبيه الله بخلقه، وأنه يشبه كذا أو مثل كذا...

قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في شرحه للمعة الاعتقاد عند تعليقه على هذه الرواية المنسوبة للإمام أحمد -رحمه الله-: "لا كيف ولا معنى"، وقد ساقها ابن قدامة -رحمه الله- في لمعة الاعتقاد: <وقوله: "ولا معنى": أي لا نثبت لها معنى يخالف ظاهرها كما فعله أهل التأويل، وليس مراده نفي المعنى الصحيح الموافق لظاهرها الذي فسرها به السلف، فإن هذا ثابت، ويدل على هذا قوله ولا نرد شيئًا منها، ونصفه بما وصف به نفسه، ولا نزيل عنه صفة مِن صفاته لشناعة شنعت، ولا نعلم كيف كنه ذلك، فإن نفيه لرد شيء منها ونفيه لعلم كيفيتها، دليل على إثبات المعنى المراد منها" (انتهى).

فالموضع المجمل يوضحه الموضع المفصل.

الوجه الثاني: أن هناك مواضع في الآيات تحتمل التأويل، ولكن هناك فرق بيْن تأويل أهل السُّنة والجماعة والفِرَق الكلامية في أنهم قد يتأولون بعض النصوص لاحتمالية السياق لذلك، لكنهم لا يتخذون ذلك تكأة لنفي الصفات، كما في قوله -تعالى-: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) (البقرة:115)، فمعنى الآية على الراجح: وجهة الله، أي قبلته، وأنها ليستْ مِن آيات الصفات، ولكنهم لا ينفون صفة الوجه الثابتة لله مِن نصوصٍ أخرى كثيرة.

الوجه الثالث: أن هذا النقل فيه نظر مِن جهة حنبل بن إسحاق -تلميذ الإمام-، أنه بالرغم مِن كونه ثقة، لكنه يغرب أحيانًا، قال الحافظ الذهبي -رحمه الله-: "له مسائل كثيرة عن أحمد، ويتفرد ويغرب" (السير، 3/ 52).

ونقل العليمي عن أبي بكر الخلال قوله: "قد جاء حنبل عن أحمد بمسائل أجاد فيها الرواية، وأغرب بشيءٍ يسيرٍ، وإذا نظرت في مسائله شبهتها في حسنها وإشباعها وجودتها بمسائل الأثرم. قلتُ: فإن صح هذا الخبر عن حنبل، فيكون قد أغرب به على أبي عبد الله -رحمه الله- فإن المحفوظ عنه إمرار النص على وجهه، والتصديق وعدم التأويل"(المنهج الأحمد، 1/ 245). (نقلًا عن موقع أهل الحديث بتصرفٍ كبيرٍ).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة