الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

(وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ)

نحن في هذا الزمان في عصر غربة الإسلام

(وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ)
صبحي فتحي الشلمة
الاثنين ١٠ يونيو ٢٠١٩ - ١٨:٣٥ م
821

(وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ)

كتبه/ صبحي فتحي الشلمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمهما ارتفع الباطل وكثر أنصاره، وضعف الحق وقل تابعوه، لابد مِن غلبة الحق وأهله، روى البخاري بسنده عن خباب -رضي الله عنه- قال: : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً، وَهُوَ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ وَقَدْ لَقِينَا مِنَ المُشْرِكِينَ شِدَّةً، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ، فَقَعَدَ وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: (لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الحَدِيدِ، مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ المِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ).

وتحقق موعود النبي -صلى الله عليه وسلم- وما بين التعذيب وشفاء الصدر ورؤية النصر إلا أعوام قليلة؛ ففي أول غزوة ومع أول لقاء شفى الله صدور قوم مؤمنين مِن عدوهم، واستشعروا معانى النصر بعد الهزيمة، والعزة بعد الذل والهوان، والرفعة بعد الوضيعة، وها هو لواء الحق يرتفع في بدر مبشرًا بمرحلة جديده مِن العزة والكرامة، وتتوالى مواقف شفاء الصدور وأولها في بدر؛ فهذا موقف مع عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عندما جهر بالقران في جوف الكعبة واجتمع عليه قوم مِن قريش، منهم أبو جهل الذي صفعه بيده صفعة شديدة؛ يأتي ذلكم الضعيف في أقرب غزوة، وفي أول لقاء مع هؤلاء الذين عذبوه في غزوة بدر ويشفي الله صدره مِن أعدائه، ويقتل هو أبا جهل ويحز رأسه بسيفه.

وموقف مع بلال بن رباح في غزوة بدر مع أمية بن خلف: وكان يعذبه في مكة ويضع على صدره الحجر في عز الظهيرة على الرمل الحار، ففي بدر أسر عبد الرحمن بن عوف أمية بن خلف وابنه، قال عبد الرحمن: "فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي -وكان هو الذي يعذب بلالًا بمكة على ترك الإسلام- فلما رآه قال: رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوتُ إن نجا، قال: قلت: أي بلال أسيري، قال: لا نجوت إن نجا. ثم قال: صرخ بأعلى صوته: يا أنصار الله! رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا، فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة فأنا أذب عنه، قال: فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع، وصاح أمية صيحة ما سمعت بمثلها قط، قال: قلت: انجُ بنفسك ولا نجاء بك، فوالله ما أغني عنك شيئًا، قال: فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما. قال: فكان عبد الرحمن يقول: يرحم الله بلالًا فجعني بأدراعي وبأسيريّ".

وفي غزوة بدر أيضًا التي كان فيها عدد المسلمين ثلث عدد الكفار ولا عدة ولا عتاد لهم قبل المعركة بيوم، وفي موضع المعركة مشى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه نفر مِن أولئك المستضعفين المعذبين المطرودين المطاردين من أصحابه الذين أوذوا في سبيل الله في مكة، فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يوم بدر: إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَانَ يُرِينَا مَصَارِعَ أَهْلِ بَدْرٍ، بِالْأَمْسِ، يَقُولُ: (هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللهُ)، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا أَخْطَئُوا الْحُدُودَ الَّتِي حَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَجُعِلُوا فِي بِئْرٍ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: (يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ وَيَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ حَقًّا؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي اللهُ حَقًّا)، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ تُكَلِّمُ أَجْسَادًا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا؟ قَالَ: (مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرُدُّوا عَلَيَّ شَيْئًا) (رواه مسلم).

ولو أخذنا نتتبع ذلك على مدار حياة النبي والصحابة وتاريخ أمة الإسلام؛ لوجدنا ذلك واضحًا جليًّا؛ أن الباطل قد يعلو أحيانًا، ولكن العاقبة للمتقين.

ونحن في هذا الزمان في عصر غربة الإسلام، وبما أنه سيعود غريبًا كما بدأ -وهو بدأ بالقلة ثم انتشر-، فسيرجع قليلًا أيضًا ثم ينتشر بعد قلته وضعفه كما حصل في المرة الأولى، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

والحمد لله أولًا وآخرًا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة