الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

جريمة استغلال النفوذ بين الواقع والقانون -1-3

المشرع المصري طوَّر مِن النموذج القانوني لجريمة استغلال النفوذ

جريمة استغلال النفوذ بين الواقع والقانون -1-3
محمد صلاح خليفة
السبت ١٣ يوليو ٢٠١٩ - ١٨:٥٦ م
731

جريمة استغلال النفوذ بين الواقع والقانون (1-3)

كتبه/ محمد صلاح خليفة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فتعد جريمة استغلال النفوذ مِن الجرائم الماسة بالوظيفة العامة، والمنصوص عليها بقانون العقوبات المصري، وقد استهدف المشرع الجنائي من تجريم صورة استغلال النفوذ، التوسع في مدلول الرشوة ليشمل استعمال النفوذ، سواء كان حقيقيًّا أم مزعومًا؛ لتعلق هذه الصورة بنزاهة الوظيفة العامة.    

وقد سار المشرع المصري في تجريمه لصورة استغلال النفوذ كأحد الصور الخاصة لجريمة الرشوة، على نهج المشرِّع الفرنسي، والذي اضطر تحت ضغط الرأي العام، لتجريم استغلال النفوذ سواء كان حقيقيًّا أم مزعومًا، حين وقعت بعض الفضائح المدوية، مِن بعض أعضاء البرلمان الفرنسي، والتي كان منها ما عُرف بقضايا النياشين، حينما اتخذ عضو مِن أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي مِن منزله مكتبًا للسمسرة لمنح النياشين؛ إذ كان يَعد ضحاياه باستغلال نفوذه، ليحصلوا على هذه النياشين لقاء مبلغ من المال.

إلا أن المشرع المصري طوَّر مِن النموذج القانوني لجريمة استغلال النفوذ، حيث أن التجريم في بادئ الأمر كان مقتصرًا على عملية الاتجار بالنفوذ مِن ذوي الصفة النيابية وحدهم دون غيرهم، متأثرًا كما ذكرنا بالسياق التاريخي لمسلك المشرع الفرنسي، ليشمل بعد ذلك -وبموجب القانون رقم 96 لسنة 1953- كل مَن استغل نفوذه، سواء كان مِن ذوي الصفة النيابية أم فردًا عاديًا أم موظفًا عموميًّا.

وقد قصد المشرع المصري بتجريمه استغلال النفوذ: حماية مصلحة الجماعة التي يهدرها أو يعرضها للخطر، استغلال المجرم لنفوذه استغلالًا حقيقيًّا؛ إذ يترتب على مسلكه هذا إخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين أمام المرافق العامة والجهات الحكومية، أو ما كان استغلالًا مزعومًا غير حقيقي مستغلًا ثقة الأفراد فيه، كصاحب صفة نيابية، أو موظف عمومي للحصول دون وجه حق على أموالهم، حتى ولو كان هذا الزعم قوليًّا لم يقترن بوسائل احتيالية، تمكِّن المجرم من إيهام الغير بوجود هذا النفوذ.

وجاء النموذج القانوني لجريمة استغلال النفوذ منصوصًا عليه، بحكم المادة 106 مكررًا مِن قانون العقوبات، بأن " كل مَن طلب لنفسه أو لغيره أو قَبِل أو أخذ وعدًا أو عطية لاستعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم للحصول أو لمحاولة الحصول مِن أية سلطة عامة على أعمال أو أوامر أو أحكام أو قرارات أو نياشين أو التزام أو ترخيص أو اتفاق توريد أو مقاولة أو على وظيفة أو خدمة أو أية مزية مِن أي نوع؛ يُعد في حكم المرتشي، ويعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 104 مِن هذا القانون إن كان موظفًا عموميًّا، وبالحبس والغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد عن خمسمائة جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط في الأحوال الأخرى، ويعتبر في حكم السلطة العامة كل جهة خاضعة لإشرافها".

ولجريمة استغلال النفوذ ركنان: مادي ومعنوي، وهناك صور كثيرة واقعية منتشرة في مجتمعنا، قد لا ينتبه الكثير إلى وقوعهم تحت طائلة القانون حال ارتكابها، وهذا ما يتم تناوله في المقالين اللاحقين -بمشيئة الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com