الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

اللهم إني أسألك حبك

إذا امتلأت القلوب بمحبة الله -تعالى-؛ هان عليها الغالي والنفيس طلبًا لمرضاته

اللهم إني أسألك حبك
محمد خلف
الأحد ٠٤ أغسطس ٢٠١٩ - ١٩:٣٠ م
905

اللهم إني أسألك حبك

كتبه/ محمد خلف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن الله -تعالى- كثيرًا ما يذكر في كتابه الكريم نعمه ومننه على عباده "البر منهم والفاجر"؛ لتقرير أنه الرب الخالق الرزاق، وأنه المستحق وحده للعبودية، وأنه العليم القدير كما أخبر -تعالى- في سورة النحل المسمَّاة بـ"سورة النعم" بعد ما ذكر نعمه على عباده التي أولها وأعظمها: "الوحي" الذي سمَّاه الله -سبحانه- بالروح، إشارة لحياة القلوب به؛ ولأنه سبب سعادة العباد في معاشهم ومعادهم، ومرورًا بعظمته وقدرته على خلق السموات والأرض، وقدرته على خلق الإنسان مِن ماءٍ مهينٍ، وفي هذه إشارة إلى إعادته بعد موته؛ لأن القادر على الخلق مِن هذا الشي المهين لا شك أنه قادر على إعادته مرة أخرى بعد الموت كما قال -تعالى-: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (يس:79).

وعدّ -تعالى- مِن نعمه: تسخير الأنعام، وما أودع فيها مِن منافع للناس، وزينة، وتيسير لهم في معاشهم، وذكر -تعالى- نزول الماء مِن السماء ليشرب منه الناس والأنعام، وتخرج به الزوع والثمار يأكل منه البشر والأنعام، ومن تسخير الليل والنهار، والشمس والقمر، وتسخير البحار، وغيره، ثم قال -تعالى- بعد كل ذلك: (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (لنحل:17).

قال السعدي: "(أَفَمَنْ يَخْلُقُ): جميع المخلوقات وهو الفعال لما يريد (كَمَنْ لَا يَخْلُقُ): شيئًا لا قليلًا ولا كثيرًا، (أَفَلَا تَذَكَّرُونَ): فتعرفون أن المنفرد بالخلق أحق بالعبادة كلها، فكما أنه واحد في خلقه وتدبيره، فإنه واحد في إلهيته وتوحيده وعبادته".

وكذا مِن آثار النعم: أن تقبل القلوب على ربها شاكرة له، وتسعى في إرضائه وطاعته، مجتنبة معصيته مثنية عليه بنعمه، مستشعرة التقصير مهما عملت في مقابلة نعمه التي لا تُعد ولا تحصى، كما قال -تعالى-: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) (النحل:18).

وكذا تحب هذا الرب الكريم المنان، الغني الرحيم الودود، فإن النفوس جُبلت على محبة مَن يحسن إليها، ومَن أعظم إحسانًا إليها مِن الله؟! فله تعالى وحده الحمد، فما عندنا مِن نعمٍ هو محض فضل مِن الله كما قال -تعالى-: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) (النحل:53).

وكان مِن دعائه -صلى الله عليه وسلم-: (وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وكان يقول أيضًا: (وأسألُكَ لذَّةَ النظرِ إلى وجهِكَ، والشوْقَ إلى لقائِكَ في غيرِ ضراءَ مُضِرَّةٍ ، ولا فتنةٍ مُضِلَّةٍ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).

وقال أحدهم في الثناء على ربه -تعالى-: "والله ما طابت الدنيا إلا بمحبتك، ولا الآخرة إلا بعفوك، ولا الجنة إلا برؤيتك".

فإذا امتلأت القلوب بمحبة الله -تعالى-؛ هان عليها الغالي والنفيس طلبًا لمرضاته، وكذا سيثمر ذلك -بإذن الله- الرضا بقضائه وقدره، وبأمره ونهيه؛ لمعرفة العبد بتمام رحمة وعلم ورأفة الله بعباده، وأنه هو اللطيف الخبير، ولا شك أن هذه منزلة رفيعة تُدرك بالصبر والمجاهدة والدعاء، كما في الحديث: (وَأَسْأَلُكَ الرِّضَى بَعْدَ الْقَضَاءِ) (رواه النسائي، وصححه الألباني)، وقبل ذلك بمعرفة الله -تعالى- بأسمائه وصفاته وكماله، وتمام قدرته وعلمه، وهكذا في سائر أسمائه وصفاته.

وأعظم ما يعينك على معرفة هذا: قراءة القرآن بتدبرٍ وإقبال، كما قال -تعالى-: (الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) (الفرقان:??).

قال السعدي: "(الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا): يعني بذلك نفسه الكريمة، فهو الذي يعلم أوصافه وعظمته وجلاله،

وكذا سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- المخبر عن ربه سبحانه وبحمده".

وللاستزادة في الكلام عن محبة الله، ينظر كتاب "موارد الظمآن في محبة الرحمن" للشيخ الحبيب، سيد حسين العفاني -حفظه الله وشفاه وعافاه-.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة