الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

(إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ)

في الجنة كوى إذا أراد أحد مِن أهلها أن ينظر إلى عدوه في النار اطلع فيها، فازداد شكرًا

(إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ)
خالد آل رحيم
الاثنين ٠٢ سبتمبر ٢٠١٩ - ١٩:١٠ م
892

)إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ(

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تعالى-: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ . قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ . يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ . أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ. قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ . فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ . قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ . وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ . أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ . إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ) (الصافات:50-61).

حوار قصير جدًّا، لكنه يحمل معانٍ كبيرة، وكبيرة جدًّا، وهذا الحوار دار بين رجل وأصحابه مِن أهل الجنة  يتحدثون فيه عن صاحبه في الدنيا -كما ذكر بعض المفسرين-، وذلك بعد انقضاء الأمر ودخول أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، وتأمل هذا الحوار بين أولئك الذين دخلوا الجنة وصاروا يتذاكرون الدنيا وما فيها، وصار يسأل بعضهم بعضًا وهم يتنعمون في الجنة: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ).

قال السعدي -رحمه الله-: "دل ذلك على أنهم يتساءلون بكل ما يلتذون بالتحدث به والمسائل التي وقع فيها النزاع والإشكال".

قال المتنبي:

ومـا بـقـيت مــن الـلـذات إلا             أحاديث الكرام على الشراب

وخلال حديثهم مع بعضهم البعض، قال قائل منهم متذكرًا صديقه في الدنيا الذي كان يحاوره: (إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ).

 يقول صاحب الجنة لإخوانه: هذه قصتي، وهذا خبري أنا وقريني، ما زلت أنا مؤمنًا مصدِّقًا، وهو ما زال مكذبًا منكرًا للبعث حتى متنا ثم بعثنا، فوصلت أنا إلى ما ترون من النعيم الذي أخبرتنا به الرسل، وهو لا شك أنه قد وصل إلى العذاب (تفسير السعدي).

ثم ذكر الحوار الذي كان يدور بينهما حيث إن صاحبه كان يُنكر عليه إيمانه بالغيب مستهزئًا به قائلاً له: (أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ . أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ).

قال السعدي -رحمه الله-: "أي: مجازون بأعمالنا؟ أي: كيف تصدق بهذا الأمر البعيد الذي في غاية الاستغراب وهو أننا إذا تمزقنا فصرنا ترابًا وعظامًا، أننا نبعث ونعاد ثم نحاسب ونجازى بأعمالنا؟!

وبعد انقضاء الدنيا والخلود في الآخرة أراد أن يطلع عليه أين مصيره؟ فقال لأصحابه: (هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ . فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ).

قال السعدي -رحمه الله-: "والظاهر مِن حال أهل الجنة وسرور بعضهم ببعض، وموافقة بعضهم بعضًا، أنهم أجابوه لما قال، وذهبوا تبعًا له؛ للاطلاع على قرينه".

قال ابن كثير -رحمه الله-: "وقال قتادة: ذكر لنا أنه اطلع فرأى جماجم القوم تغلي. وذكر لنا أن كعب الأحبار قال: في الجنة كوى إذا أراد أحد مِن أهلها أن ينظر إلى عدوه في النار اطلع فيها، فازداد شكرًا.

وهنا أقسم بالله أنه كاد أن يرديه لولا نعمة الله تعالى عليه، ولولا هذه النعمة لكان من المحضرين معه في النار: (تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ . وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ)، ثم ذكره متهكمًا عليه: (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ . إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)، وذكره بالفوز ليس فوزًا عاديًا وإنما فوزًا عظيمًا: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

ثم نصح الجميع أن يعملوا لمثل هذا فقال: (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ).

فيا لها مِن قصة قصيرة، لكنها عظيمة!

وهي رساله لكل مَن له صاحب يحيد به عن الطريق، ويزين له الدنيا: انتبه، فقد قال -تعالى-: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (الزخرف:67).

قال السعدي -رحمه الله-: "لأن خلتهم ومحبتهم في الدنيا لغير اللّه، فانقلبت يوم القيامة عداوة. (إِلَّا الْمُتَّقِينَ) فإن محبتهم تدوم، وتتصل بدوام مَن كانت المحبة لأجله".

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ) (رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني)، وقال: (إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) (متفق عليه).

 فلينتقِ كل صاحب صاحبه، ولا يعمل إلا ما يرضي الله -تعالى- حتى لا يندم في يومٍ لا ينفع فيه الندم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة