الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

التوازن... ودور الداعي

فالمعركة طويلة، ولك دور فيها، فهل يصح الهروب والتنصل مِن دورك، ومِن التكليف الذي أنت منوط به؟!

التوازن... ودور الداعي
رجب أبو بسيسة
السبت ١٤ سبتمبر ٢٠١٩ - ١٩:٠١ م
818

التوازن... ودور الداعي

كتبه/ رجب أبو بسيسة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعدم التوازن عند بعض العاملين لدين الله أصبح أمرًا واضحًا، ومقلقًا جدًّا في نفس الوقت، فالكل الآن يتحدث عن حجم التحديات والعقبات التي تعترض طريق العمل لله، والكل أصبح يوقن أن العبور إلى الاستقرار أمرٌ بعيدُ المنال إلا أن يشاء الله أمرًا آخر.

وحتى نكون على بصيرة مِن أمرنا، فلن نستطيع أن نَعْبُر إلى المستقبل ونصنع فيه شيئًا إلا بالشخص المتوازن بعد التوفيق مِن الله -تعالى-.

والناس في هذا المضمار كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ، لَا يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً) (متفق عليه). أي: كما أنك لا تكاد تجد في الإبل المائة ناقة تصلح أن تكون راحلة تتحمل مشاق السفر والارتحال، كذلك الناس لا تكاد تجد في كثيرٍ منهم مَن يتحمل الأعباء والأمور العظيمة.

ونحن نريد هذه الشخصية، الشخصية الراحلة، المتوازنة علميًّا، وأخلاقيًّا، وسلوكيًّا، وحركيًّا، ودعويًّا، مع إعدادها إيمانيًّا وفكريًّا.

وما أجملَ كلامَ عبد الكريم زيدان في أصول الدعوة عندما قال: "وعدةُ الداعية: فهمٌ دقيق، وإيمانٌ عميق، واتصال وثيق".

وحتى تستشعر خطورة الأمر، وتتأكد أن هناك خللًا زاد عن الحد مع عدم يقظة لذلك عند كثيرٍ مِن شبابنا، دعني أسألك:

- ما هو وضعك التعبدي والعلمي والدعوي؟!

- ما أخبار وردك اليومي وعباداتك الشخصية؟!

- ما أخبار اطلاعك اليومي وقراءتك، وأيُّ كتاب تقرأ الآن؟!

أظن أن الإجابة مقلقة وتجعلنا نفكر كثيرًا.

السؤال الأكثر إلحاحًا: كيف نواصل السير بدون توازن؟!

فالتوازن هو وقود الحركة للمستقبل، والموفق مَن وفقه الله، والشاب المصلح والاهتمام به هو البُعد الإستراتيجي للدعوة، وللعمل الإسلامي في المستقبل.

وتأمل حال النبي -صلى الله عليه وسلم- في المرحلة المكية؛ لتعرف طبيعة الطريق، فمع صعوبة الأوضاع، وتأزم الموقف في مكة إلا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرسل مجموعة من أصحابه للحبشة بعيدًا عن ضغط الواقع؛ لأن المستقبل يحتاج الكثير (وللعلم: ليس كل مَن ذهب للحبشة كان فقيرًا أو مستضعفًا؛ بل كان منهم مَن له منعة وقوة ومال: كجعفر، وعثمان، وغيرهما -رضي الله عنهما-).

والسؤال المحرج الآن: ما دورك؟!

لأن البعض ترك دوره الحقيقي الموكل إليه، وانشغل بأشياء أخرى ثانوية غير مفيدة، وأصبحنا نرى مسئوليات مهملة وأدوارًا شاغرة لا يقوم بها أحد، كانت في يوم من الأيام لها ثمرة ملموسة.

لقد أصبح شغلنا الشاغل متابعة التحليلات السياسية، والانشغال بكل جديد، والمبالغة في المباحات، والترخص فيها لحد الترف، ومِن ثَمَّ يسقط الكثير في تبعات ذلك من التقصير في طلب العلم، والبعد عن طريق الدعوة.

وإن كنتُ لا أقصد بهذا الكلام عدم المتابعة، أو التهاون في الأمور المهمة، قطعًا؛ بل أقصد التوازن، فإذا رأيت خللًا في المشهد السياسي؛ فعليك أن تقدم النصح والتوجيه ثم تعود لدورك الأساسي، كذلك إذا انشغلت بأمر مهم فلا تنسى ما هو أهم منه (دورك العلمي والدعوي).

تَوَازَنْ إن كنت تحب الدعوة.

توازن إن كنت تريد التمكين.

توازن إن كنت تريد الاستمرار.

فالمعركة طويلة، ولك دور فيها، فهل يصح الهروب والتنصل مِن دورك، ومِن التكليف الذي أنت منوط به؟!

فليكن شعار المسلم في حياته: "التوازن والوسطية" في كل شيء، فقد وصف الله -تعالى- الأمة الإسلامية بأنها أمة الوسط فقال: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة:143).

ولربما يسأل شاب: ماذا أصنع؟!

أقول له: البداية مِن عندك.

نأسف على الإزعاج؛ لكنها الحقيقة، وما حملني على ذلك إلا حبي للشباب، وحرصي على دعوتي.

فاللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا مِن الظلمات إلى النور.

ولنا أمل.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

ربما يهمك أيضاً