الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

البخاري وصحيحه الجامع -4

عدالة البخاري

البخاري وصحيحه الجامع -4
شحات رجب بقوش
الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠١٩ - ٠٩:٥٣ ص
610

البخاري وصحيحه الجامع -4

عدالة البخاري

كتبه/ شحات رجب بقوش

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد عاش البخاري في عصر الرواية الذهبي، وعاصر النقاد الجهابذة، فكان يتقي الشبهات حتى لا يطعن في عدالته فيضيع ما جمعه من حديث، ومِن أجل تحقيق ذلك كان يترك بعص المباحات اتقاءً للشبهات، قال وراقه (محمد بن أبي حاتم): "سمعته يقول: ما توليت شراء شيء قط، ولا بيعه، كنت آمر إنسانًا فيشتري لي! قيل له: ولمَ؟ قال: لما فيه من الزيادة والنقصان".

فصان نفسه عن المباح؛ خوفًا مِن أن ينتقص فتسقط مروياته -رحمه الله-.

وقد يخسر مالًا من أجل الحفاظ على عدالته: يحكي الشيخ عبد السلام المباركفوري: أن الإمام البخاري ركب البحر مرة في أيام طلبه، وكان معه ألف دينار، فجاءه رجل من أصحاب السفينة، وأظهر له حبه ومودته، وأصبح يقاربه ويجالسه، فلما رأى الامام حبه وولاءه، مال إليه، وبلغ الأمر أنه بعد المجالسات أخبره عن الدنانير الموجودة عنده.

وذات يوم قام صاحبه من النوم؛ فأصبح يبكي ويُعْوِل، ويمزق ثيابه، ويلطم وجهه ورأسه، فلما رأى الناس حالته تلك أخذتهم الدهشة والحيرة، وأخذوا يسألونه عن السبب، وألحوا عليه في السؤال، فقال لهم: كانت عندي صرة فيها ألف دينار وقد ضاعت!

فأصبح الناس يفتشون ركاب السفينة واحدًا واحدًا، وحينئذٍ أخرج البخاري صرة دنانيره خِفْية وألقاها في البحر، ووصل المفتشون إليه وفتشوه أيضًا فلم يظفروا بشيء، كما لم يجدوا شيئًا عند باقي ركاب السفينة، فرجعوا إلى الرجل المدعي، ولاموه، ووبخوه توبيخًا شديدًا.

ولما نزل الناس من السفينة جاء الرجل الى الإمام البخاري وسأله عما فعل بصرة الدنانير؟

فقال: ألقيتها في البحر! قال: كيف صبرت على ضياع هذا المال العظيم؟

فقال له الامام: أتدري أنني أفنيت حياتي كلها في جمع حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعرف العالم ثقتي، فكيف كان ينبغي لي أن أجعل نفسي عرضة لتهمة السرقة؟ وهل الدرة الثمينة (الثقة والعدالة) التي حصلت عليها في حياتي أضيعها من أجل دراهم معدودة؟! (سيرة الإمام البخاري، 1/122-123).

لقد اشترى سمعته بمال عظيم من أجل ما يحمله من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وكان يخشى مِن مظالم الناس حتى لو كانت صغيرة: قال وكان يركب إلى الرمي كثيرًا، فما أعلم أني رأيته في طول ما صحبته أخطأ سهمه الهدف إلا مرتين، بل كان يصيب في كل ذلك ولا يسبق. قال: وركبنا يومًا إلى الرمي ونحن بفربر، فخرجنا إلى الدرب الذي يؤدي إلى الفرضة فجعلنا نرمي فأصاب سهم أبي عبد الله وتد القنطرة التي على النهر فانشق الوتد، فلما رأى ذلك نزل عن دابته فأخرج السهم من الوتد وترك الرمي، وقال لنا: ارجعوا فرجعنا، فقال لي: يا أبا جعفر، لي إليك حاجة -وهو يتنفس الصعداء-. فقلت: نعم. قال: تذهب إلى صاحب القنطرة فتقول: إنا أخللنا بالوتد فنحب أن تأذن لنا في إقامة بدله أو تأخذ ثمنه وتجعلنا في حلٍّ مما كان منا، وكان صاحب القنطرة حميد بن الأخضر فقال لي: أبلِغ أبا عبد الله السلام، وقل له: أنت في حلٍّ مما كان منك، فإن جميع ملكي لك الفداء، فأبلغته الرسالة فتهلل وجهه، وأظهر سرورًا كثيرًا، وقرأ ذلك اليوم للغرباء خمسمائة حديث، وتصدق بثلاثمائة درهم (فتح الباري 1/480).

وكان البخاري -رحمه الله- لا يفعل شيئًا إلا بنية، وهذا يجعله ورعًا: قال وراق البخاري: "رأيته استلقى ونحن بفربر في تصنيف كتاب التفسير، وكان أتعب نفسه في ذلك اليوم في التخريج، فقلت له: إني سمعتك تقول ما أتيت شيئًا بغير علم، فما الفائدة في الاستلقاء. قال: أتعبت نفسي اليوم، وهذا ثغر خشيت أن يحدث حدث من أمر العدو، فأحببت أن أستريح وآخذ أهبة، فإن غافصنا العدو كان بنا حراك" (المرجع السابق).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة