الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

هلَّا قصصت علينا؟!

أن قصة يوسف -عليه السلام- لم تكن معروفة للعرب قبل نزول القرآن

هلَّا قصصت علينا؟!
خالد آل رحيم
الاثنين ٠٣ فبراير ٢٠٢٠ - ١٩:٠٧ م
587

هلَّا قصصت علينا؟!

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يمرون بأحلك فترات في حياتهم ودعوتهم، فقد كانوا مستضعفين مطاردين ومهجرين؛ حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذاته لم يسلم من الأذى؛ ولذلك لما اشتد الأذى بالصحابة قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو قصصت علينا"، فأنزل الله -تعالى-: (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) (يوسف:1-3).

ونزلت هذه السورة بعد سورة هود مباشرة وترتيبها حسب النزول رقم (53) على قول الجمهور

وهي أطول قصة في القرآن، وآياتها إحدى عشر ومائة آية بلا خلاف.

وسميت باسم نبي الله يوسف؛ لأنها تحكى قصته، ويوسف اسم عبري.

وقد سُئل أبو الحسن الأقطع عن يوسف فقال: "الأسف في اللغة الحزن، والأسيف العبد، واجتمعا في يوسف -عليه السلام- فتسمى بها".

وهي سورة مكية بالإجماع.

مما تتميز به هذه السورة ونستفيده من آياتها:

أولًا: شدة البلاء، والتلازم بين الشدة والفرج، وبيان الثبات على المنهج مهما لقي المسلم من صعاب وحسن الظن بالله، وأثر ذلك في حياة الداعي والمدعو، وطلاب العلم والمصلحين، وكذلك ما حوته السورة من دروس أخلاقية وتربوية، وما حوته من سياسة شرعية وبيان منهج الحق، وأنه لا بد أن يظهر ويعلو مهما طال الزمن، وسبل ومقومات النصر والتمكين، فرؤيا يوسف كانت وعمرة 12 عام، وتحققت بعد 40 عامًا، ومن عظمة السورة وسر اختيارها أنها ما مِن محنة فيها إلا وكانت عاقبتها إلى خير، وما من شدة إلا وآلت إلى الرخاء.

= أُلقي يوسف في الجب ونجا

= بيع بثمن بخس؛ فإذا الذي اشتراه يستضيفه في منزله ويكرمه.

= راودته التي هو في بيتها، فإذا به ينجو ويستعصم.

= دخل السجن وعاش في دياجير ظلمته وخرج منه ملكًا.

= أراد أخوته إهلاكه فظفر بهم وصاروا بين يديه.

= فرقوا بينه وبين أخيه ثم كان اللقاء بعد زمن بعيد.

= فارقه أبوه واشتد حزنه وبكاه حتى عمى ثم لقيه وارتد الوالد بصيرًا.

= جاء الله به من البدو وأحله بمصر على سرير الملك.

= غضب هو وأبوه على باقي إخوته ثم رضيا عنهم.

= ثم كان الختام سعيدًا كما كان البدء، حيث سجد له أبواه وإخوته في النهاية كما رآها في البداية!

ثانيًا: أن قصة يوسف -عليه السلام- لم تكن معروفة للعرب قبل نزول القرآن، بخلاف قصص الأنبياء: كهود، وصالح، وشعيب، وإبراهيم، ولوط -عليهم السلام-.

ثالثًا: نزول السورة قبل اختلاط النبي -صلى الله عليه وسلم- باليهود في المدينة، وهم الذين يعرفون قصة يوسف من خلال التوراة، وقد ذُكرت في سفر التكوين من الإصحاح (37) حتى الإصحاح (50)، وهذه معجزة من معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم-.

رابعًا: المولى -تعالى- يخبر نبيه ابتداءً أن هذا القرآن معجز، وكل ما سيرد في هذه القصة معجزة، وأنك مهما ابتليت ومهما عاندك المعاندون وكذبك المكذبون فأنت معك كتاب مبين لا يستطيع أحد الإتيان بمثله، بل بحرف من مثله، وهذه إشارة للتمسك بالقرآن؛ لأنه سبيل التمكين الوحيد هو والسنة المطهرة. 

فالطريق الواضح البيِّن الذي لا لبس فيه هو طريق القرآن والسنة، فهو طريق التمكين مهما كان هذا الطريق ممتلئ بالعوائق والابتلاءات، وهذا ما ذُكر في آخر السورة لما قال -تعالى-: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (يوسف:110).

خامسًا: العلاقة بين المحنة والرؤيا.

(1) المحنة:

ترتبط سورة يوسف وقت نزولها على النبي -صلى الله عليه وسلم- وما جاء فيها بعنصرين مهمين، وهما: المحنة التي لاقها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتذكيره بالمحنة التي وجدها يوسف -عليه السلام-، وكأن الله -تعالى- يقول لنبيه: اصبر، فيوسف كاد له إخوته وألقوه في الجب، وباعوه بثمن بخس، وصار رقيقًا يُباع ويُشترى بعيدًا عن أبويه، ثم لقي محنة امرأة العزيز، والنسوة والشهوة والفتنة، ثم محنة السجن ومِن بعده محنة الملك والرخاء والسلطة، ثم محنة ملاقاته لإخوته الذين فعلوا به كل ذلك، ومثلها التي في طريقك يا محمد، فستَلقى كما لقي يوسف؛ من فقدان الوالدين، والعيش وحيدًا فقيرًا، ومعاداة أقرب أهلك لك، والكيد لك بالتعدي قولًا وعملًا، بل والتخطيط لقتلك، وأخذ مالك ودارك؛ فلابد أن تصبر لتحقيق رؤياك كما تحققت رؤيا يوسف -عليه السلام-.

(2) الرؤيا:

والرابط الثاني -أو العنصر الثاني- هو: الرؤيا التي رآها يوسف -عليه السلام- وقصها على أبيه، وانتهت السورة بتفسيرها، وكذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، رَأَيْتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ) (رواه البخاري). (سَبْخَةً): الأرض المالحة التي لا تنبت إلا بعض الشجر. (بَيْنَ لاَبَتَيْنِ): هما حرتان: الأرض ذات الحجارة السوداء.

ومِن حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهْلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ) (متفق عليه).

وكأن الله -تعالى- يقول لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: اصبر، وليكن يوسف مثلاً لك، فقد ابتلي بلاءً شديدًا، وأُخرج من دياره ليواجه هذه الابتلاءات ثم يمكَّن له في النهاية، وتتحقق رؤياه، وكذلك أنت سيُخرجك قومك من مكة إلى دار أخرى تكون بداية للنصر والتمكين.

فمحنة يوسف بدأت برؤيا، وانتهت بتفسيرها وتمكينه، ومحنة النبي -صلى الله عليه وسلم- بدأت وبُشر بأنها ستنتهي برؤيا كذلك، ورؤيا الأنبياء حق.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة