الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

ضرورة المتابعة التربوية

المتابعة هي العمود الفقري للعملية التربوية وبدونها تهدر الطاقات، وتقتل الكفاءات دون أن نشعر

ضرورة المتابعة التربوية
رجب أبو بسيسة
الاثنين ٢٣ مارس ٢٠٢٠ - ٠٩:٣٩ ص
1326

ضرورة المتابعة التربوية

كتبه/ رجب أبو بسيسة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلا بد أن يعلم كلُّ واحدٍ فينا: أن التربية عملية شاقة، وتحتاج إلى طول نفسٍ وصبرٍ واستمراريةٍ، وأهم ما في العملية التربوية: المتابعة؛ فهي مِن أهم أركانها، إن لم تكن الركن الأهم فيها.

وهذه المتابعة -متابعة النشء والشباب-: مبناها على قوة الملاحظة، ومعرفة نقاط القوة ونقاط الضعف عند الشاب، ومِن ثَمَّ توجيهه إلى تجاوز أو علاج نقاط الضعف، واستثمار نقاط القوة في التغلب على تحديات الواقع، وحسن اختيار الصحبة الصالحة، والبُعد عن صحبة السوء، ومواجهة الشهوات، وحل مشكلات المراحل العمرية التي يمر بها، مع المحافظة على الصحبة الصالحة، وإيجاد بيئة نافعة يكتمل فيها نموه بشكلٍ متزنٍ، ويزداد فيها إيمانه، وتحصينه ضد الانحرافات الفكرية والسلوكية، ودعوات التغريب التي ينعق أصحابها ليل نهار على أتباعهم، وتستهويهم لطمس الهوية، وقتل روح الانتماء والاعتزاز بالأمة!

إن معرفة نقاط الضعف ونقاط القوة، وطريقة تفكير الطالب وميوله ورغباته تعد الخطوة الأولى، ثم يأتي الدور الأهم بعد ذلك، وهو: الارتقاء والتطوير، والتهذيب والتزكية، وهو الأمر الذي نفتقده في المحاضن التربوية!

فالمتابعة هي العمود الفقري للعملية التربوية وبدونها تهدر الطاقات، وتقتل الكفاءات دون أن نشعر، وفرق جوهري بين النصح والوعظ في اللقاءات والمحاضرات وبين الاهتمام بتحويل مضمونها إلى سلوك إيجابي داخل المحاضن، بل وخارجها، وهذا هو المقصود الأعظم من التربية.

والمتأمل جيدًا لواقع العمل التربوي الآن؛ يجد أننا ينقصنا الكثير من الإجراءات التربوية لتفعيل المتابعة المطلوبة حتى تؤتي ثمارها؛ ولذلك يلزم القائم على عملية التربية عدم الاكتفاء بالتقييم والتشخيص؛ لأن التقييم وسيلة، وليس غاية في حد ذاته.

فالتربية التي تقوم على اللقاء الأسبوعي العابر، أو المحاضرات العامة بلا متابعة وبناء، وتقويم مستمر، غالبًا ما تكون مخرجاتها متذبذبة، وهشة وضعيفة؛ فالمجالسة والمعايشة ليست مقصودة لذاتها، بل هي وسيلة فاعلة للبناء والتقويم، وإن لم تكن كذلك فلا تعدو أن تكون مجرد ارتباط عاطفي فقط، وهذا يكون بلا فائدة، وتكون مفسدته حينئذٍ أكبر مِن نفعه.

إن وضع الأهداف للأنشطة وضبط العلاقة بين المربي والطالب يجب أن يكون واضحًا في ذهن المربي، فيعلم ماذا يريد بكل وضوح، ويضع الخطط المتدرجة التي تساعد الطالب بشكلٍ واضحٍ في بناء الشخصية التكاملية؛ فهمًا وعلمًا، وسلوكًا ودعوة إلى الله -تعالى-.

المتابعة تحتاج إلى تفقدٍ وملاحظةٍ دقيقةٍ للتغيرات الإيجابية، وكذلك السلبية، وكلما كان المربي ماهرًا في الملاحظة المبكرة ساهم ذلك في الإصلاح والتغيير للأفضل؛ لأن كل معضلة حلها يكون في البداية أيسر، أما إهمال الأمور الصغيرة مع مرور الوقت يجعلها تتحول إلى أشياء معقدة ومشاكل صعبة، وحينها تحتاج إلى مجهود مضاعف للحل، وقد تتعقد أكثر فيصعب حلها.

وليس المقصود بالمتابعة التدخل الدقيق في تفاصيل حياة الطالب، أو الانتباه لكل هفوة تصدر منه، بل المقصود أن ينتبه المربي للأمور والتقلبات مبكرًا حتى يسهل عليه تدارك الخلل مبكرًا.

وأيضًا: لا بد في المتابعة مِن أن نفرِّق بين الغفلة والتغافل، فالتغافل مهم وضروري ومطلوب؛ لا سيما في الأمور اليسيرة والتي يمكن أن تعالج بالنصيحة العامة، أما الغفلة فهي عيب خطير في التربية، ولا تليق بالمربي الذي يسعى لتغيير الواقع، وإصلاح المجتمع؛ أن يغفل عن طلابه.

وأخيرًا: المتابعة عبادة وقُربة عظيمة، ولها أثر كبير في اكتشاف الطاقات، وإيجاد أفراد ولَبِنات صالحة؛ لتشييد صرح الأمة مِن جديدٍ.

ولنا أمل.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً