الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

من قضايا المرأة المسلمة

إن الناظر بعين الإنصاف يعلم أن الإسلام جاء بتعاليم سمحة تنظر بعين الرحمة وتراعي حاجة المرأة إلى زوج يشدَّ مِن عضُدها

من قضايا المرأة المسلمة
محمد عاطف التراس
الأحد ٠٧ يونيو ٢٠٢٠ - ٢٣:١٦ م
904

من قضايا المرأة المسلمة

كتبه/ محمد عاطف التراس

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد كان مِن أمري أني إذا قرأتُ نصًّا مِن نصوص السنة النبوية أُنزِّله على واقعنا المعاصر؛ لأقفَ على أدبيات مجتمع الصحابة وما ساد بينهم من تعاليم الإسلام التي عالجت القضايا الشائكة في الحياة الأُسرية خاصةً، وحياة المسلمين عامةً، وأقول في نفسي: لو جُمِعت هذه النصوص النبوية النقدية لصور الفساد المجتمعي المعاصِر لكانت دراسة جادة نافعة نسترشد بها في حياتنا، ونستلهم منها الحلول الناجعة لمشاكلنا. ولا أدري هل جمعها كاتب أم لا؟

وكان مِن أهم هذه الأحاديث النبوية، حديثٌ يعالج قضية مِن أهم قضايا المجتمع المسلم المعاصر؛ خاصة أنها تتعلق بالمرأة التي طُلِّقتْ أو مات عنها زوجها، وصارت كما يُقال: لحمًا على وضمٍ -هذه كلمة سيدنا عمر بن الخطاب يريد بها أن النساء لا يستطعن دفعًا كلحم جزور ملقًى على خشبة الجزار، وانظر: مجمع الأمثال للميداني 1/19)-، يُكتب عليها أن تعيش بلا زواج بقية عمرها؛ لأنها لن يتقدَّم لزواجها إلا رجل يريد زوجة ثانية، أو رجل كبير السن عنها، ولن تجد رجلًا مكافئًا لها، فتضطر أن تخرج إلى سوق العمل مِن أجل أن تكسب قوتها وقوت أطفالها!

ذاك الحديثُ هو حديثُ سُبَيعةَ الأسلمية المخرَّج في الصحيحينِ من غير وجه، أنها تُوفي عنها زوجُها سعدُ بنُ خَولةَ وهي حامل، فلم تَنشبْ -لم تلبث- أن وضعتْ حملها بعد وفاته، فلما تَعلَّتْ -طهرت من نفاسها- من نفاسها تَجمَّلتْ للخُطَّاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بَعكَك، فقال لها: ما لي أراكِ مُتجمِّلةً لعلكِ تُرجِّينَ النكاح؟ والله ما أنتِ بناكحٍ حتى يمرَّ عليكِ أربعةُ أشهرٍ وعشرٌ. قالت سُبيعةُ: فلما قال لي ذلك جمعتُ عليَّ ثيابي حين أمسيتُ، فأتيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألتُه عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللتُ حين وضعتُ حملي، وأمرني بالتزويج إنْ بدا لي.

وفي قصة سُبيعة هذه من الفوائد ما فيها، وقد نصَّ الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري على جملة من الفوائد أختصرها بتصرُّف في نقاط، وهي:

- أن الصحابة كانوا يفتون في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما فعل أبو السنابل بإنكاره على سبيعة.

- أن المفتي إذا كان له ميل إلى الشيء لا ينبغي له أن يفتي فيه؛ لئلا يحملَه الميل إليه على ترجيح ما هو مرجوح، كما وقع لأبي السنابل حيث أفتى سُبيعة أنها لا تحل بالوضع؛ لكونه كان خطبَها فمنعتْه، وكان يُؤمِّل أن ترضى به زوجًا.

- وفيه ما كان في سُبيعة من الشهامة والفطنة والسعي في طلب العلم؛ حيث تردَّدتْ فيما أفتاها به حتى حملها ذلك على استيضاح الحكم من الشارع، وهكذا ينبغي لمن ارتاب في فتوى المفتي أو حكم الحاكم في مواضع الاجتهاد، أن يبحث عن النص في تلك المسألة. 

ولعل ما وقع من أبي السنابل من ذلك هو السر في إطلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كذب في الفتوى المذكورة، كما أخرجه أحمد من حديث ابن مسعود.

- أن لفظ: "الخطأ" في اللغة العربية قد يُطلق عليه: "الكذب"، وهو في كلام أهل الحجاز كثير، ومنه ما جاء في حديث البخاري في فتح مكة لما قال سعد بن عبادة: "يا أبا سفيان، اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة... ". وفيه: لما مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأبي سفيان قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال: ما قال؟ قال: كذا وكذا. فقال: (كَذَبَ سَعْدٌ، وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الكَعْبَةَ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الكَعْبَةُ).

- وفيه الرجوع في الوقائع إلى الأعلم ومباشرة المرأة السؤالَ عما ينزل بها، ولو كان مما يستحيي النساء من مثله، لكن خروجها من منزلها ليلًا يكون أستر لها كما فعلت سُبيعة.

- وفيه أن الحامل تنقضي عدتها بالوضع على أي صفة كان من مضغة أو من علقة سواء استبان خلق الآدمي أم لا؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- رتَّب الحِلَّ على الوضع من غير تفصيل. ومنه قوله -تعالى-: (وَأُولاتُ الأَحمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعنَ حَملَهُنَّ) (الطلاق:4).

- وفيه جواز تجمُّل المرأة بعد انقضاء عدَّتها لمن يخطبها؛ لقول أبي السنابل لها: "ما لي أراكِ مُتجمِّلةً لعلكِ تُرجِّينَ النكاح؟"، وليس في الحديث دليل على جواز كشف الوجه والكفين؛ أما الرواية التي فيها الخضاب فيقال فيها: إن أبا السنابل كان إنما رآها لخطبتها، فجاز لها ذلك.

- وذكر الكرماني أنه وقع في بعض طرق حديث سبيعة أن زوجها مات "وهي حاملة"، وفي معظمها "حامل"، وهو الأشهر؛ لأن الحمل مِن صفات النساء، فلا يحتاج إلى علامة التأنيث. ووجه الأول: أنه أريد بأنها ذات حمل بالفعل، كما قيل في قوله -تعالى-: (تَذهَلُ كلُّ مُرضِعةٍ) (الحج:2)، فلو أريد أن الإرضاع من شأنها لقيل: "كلُّ مُرضِعٍ".

- وفيه أن الثيِّب لا تُزوج إلا برضاها ولا إجبار لأحد عليها؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- لسُبيعة: (إِنْ بَدَا لَكِ).

دعونا ننتقل إلى الغاية التي دفعتني إلى كتابة هذه الكلمات فنقول: إن المرأة المتمثِّلة في شخص السيدة "سُبيعة" في مجتمعنا الآن تُطلق أو يموت عنها زوجها، لتبقى سائر عمرها بلا زواج من أجل تربية الأولاد والتفرغ لمصلحتهم، وإذا عُرض عليها الزواج ترقُبها أعين المجتمع، كأنها تريد الفاحشة، ويستنكرون صنيعها.

وفي هذه النظرة المجتمعية من رواسب الجاهلية ما فيها؛ ففي بعض قبائل الهند كانت الزوجة تحرق نفسها مع الزوج حتى لا تصيبها لعنة الترمل، كما يقضى بذلك الدين البرهمي. والهندوس يعدون ترمل المرأة كفارة لذنوبها، فلا يحل لها الزواج ثانيًا (انظر: موسوعة أحسن الكلام في الفتاوى والأحكام، للشيخ عطية صقر، 5/352).

ولعل نظرة عجلى في واقعنا المعاصر على بعض الزوجات اللاتي مات عنهن أزواجهن أو فارقهن، نعلم أن المرأة مهما بلغت مِن العلم والشجاعة ما بلغت لن تقوى على أداء دور الرجل في حياة الأبناء، فكم مِن أسرة كانت مستقيمة الأولاد في حياة الأب، فلما غاب الأب عنهم انحرفت أخلاقهم وضاع مستقبلهم الذي ضحَّت من أجله أمهم بكل غالٍ ونفيسٍ.

وإن الناظر بعين الإنصاف يعلم أن الإسلام جاء بتعاليم سمحة تنظر بعين الرحمة وتراعي حاجة المرأة إلى زوج يشدَّ مِن عضُدها، ويكون عونًا لها، بحيث تنتهي عدة الحامل بوضع الحمل، أما غير الحامل فتقضي أربعة أشهر وعشرة أيام، ثم لها أن تتزوج إن بدا لها كما فعلتْ سُبيعة.

هذه قصة سُبيعة، ولو أننا اطلعنا على مجتمع الصحابة أيضًا لوقفنا على قصة عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، أخت سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة -رضي الله عنه الجميع-، وفيها أن عاتكة كلما تزوجت مات عنها زوجها، حتى قال أهل المدينة: مَن أراد الشهادة فليتزوج عاتكة بنت زيد؛ كانت عند عبد الله بن أبي بكر الصديق فقُتل عنها، ثم كانت عند عمر بن الخطاب فقتل عنها، ثم كانت عند الزبير بن العوام فقتل عنها.

تُرى لو كانت السيدة عاتكة في مجتمعنا الآن ماذا سيقول الناس عنها؟ وبأي نظرة ينظرون لها؟!

لن يقولوا كلمة أهل المدينة بل ستطرق مسامعك كلماتٌ من نحو: امرأة مزواجة، وجهها شؤم على مَن يتزوجها، لا تستحيي من نفسها، إلى آخر هذه الكلمات التي تلوكها ألسنة الرجال قبل النساء في مجتمع مهتركٍ ليس له همٌّ إلا الجرح والتعديل بلا ضابط.

الخلاصة التي نتعلمها مِن قصتَي: سبيعة وعاتكة -رضي الله عنهما-: أنه يجب علينا أن نتخلق بأخلاق الإسلام، وألا نطلق لألسنتنا العنان بغير وجه حق، وأن مِن حق المرأة أن تتزوج بعد فراق زوجها الأول أو بعد وفاته عنها، وأن تكون أدبيات مجتمع الصحابة هي المعيار الأمثل لحياتنا.

والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة