الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

التَّنَمُّر مِن منظور شرعي

التَّنَمُّر مِن منظور شرعي
إبراهيم جاد
الأحد ٠١ نوفمبر ٢٠٢٠ - ٢٢:٣٠ م
845

التَّنَمُّر مِن منظور شرعي

كتبه/ إبراهيم جاد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإن المتأمل في واقعنا، والمتطلع فيما بيننا، والمهتم بمعالجة قضايانا؛ يرى بعينيه ما يصدر مِن بعض حدثاء السن وكبار الجسم لا العقل، بالتنمر والأذى على غيرهم!

فيا تُرى ما التنمر؟!

وما أنواعه؟ وما أسبابه؟

وهل يوجد أدلة مِن الكتاب والسُّنة على حرمته؟ وكيف نعالج هذه القضية واقعيًّا، وبطريقة علمية وعملية؟

التنمر لغة: "تنمَّرَ يتنمَّر، تنمُّرًا، فهو مُتنمِّر، والمفعول مُتنمَّر له. ونَمِر: غضِب وساء خلقُه، وصار كالنَّمِر الغاضب. تنمَّرَ لمنافسِه: تنكّر له وأوعده. تنمّر لمَن سلبه حقّه" (معجم اللغة العربية المعاصرة بتصرفٍ يسيرٍ).

واصطلاحًا: هو سلوك عدواني متكرر يهدف للإضرار بشخص آخر عمدًا، جسديًّا أو نفسيًّا. ويتميز التنمر بتصرفٍ فردي بطرقٍ معينةٍ مِن أجل اكتساب السلطة على حساب شخص آخر. (المتنمرون والضحايا في المدارس/ مطبعة الجامعة المفتوحة).

أنواع التنمر:

بحثتُ طويلًا عن أنواعه فوجدتها كثيرة، وأهمها:

?- التنمر اللفظي: وهو التلفظ بسيئ العبارات وبذيء الكلمات، وأقبح المسميات، والتنابز بالألقاب والأنساب، وغير ذلك.

?- التنمر البدني: وهو التعرض للضرر الجسدي بالضرب المبرِّح أو الإهانة، أو التحقير والتقليل بالفعل أوالسرقة أو التحرش أو محاولة الانتقام بأي طريقةٍ عدوانيةٍ.

?- التنمر الاجتماعي: وهو محاولة فرض عزلة مجتمعية لشخص ما بافتعال وتعمد الأقاويل الكاذبة عليه، وتحذير الناس منه ومِن مصاحبته ومن مصداقيته، دون رادعٍ ولا زاجرٍ.

?- التنمر الإلكتروني: وهو استخدام التكنولوجيا في التصرفات العدوانية والإجرامية، وخرق خصوصيات الآخرين واستفزازهم.

?- التنمر النفسي: وهو اللعب على وتر نفسية الآخر بالنظرات الانتفاصية وهدم الذات، وتحطيم المعنويات وإيجاد مشكلات ذات الطابع النفسي.

?- التنمر الأسري: الذي يحصل وينشأ بين الوالدين أو الإخوة أو بين الأقارب، وبعضهم البعض، وهو سبب رئيسي للتنمر على الخارج (مقتبس من مقالاتٍ وأبحاثٍ عديدةٍ على الشبكة العنكبوتية).

أسـباب التنمر:

لعلها أبرزها وأهمها التي اتفقت عليه كثير من الدراسات الميدانية:

?- غياب الوعي الدِّيني والخوف من الله -تعالى- ومراقبته في كل وقت وحين، والرفق واللين اللذين هما من أساسيات هذا الدين.

?- التفكك الأسري وغياب الدور الأساسي في محضن التربية الأول، واختلال الموازين بتقديم المادة على إشباع الحاجات النفسية.

?- الألعاب الإلكترونية والأفلام السينمائية التي تحثُّ وتحرِّض على العنف وإبراز القوة في معنى الإجرام، وهي وسيلة السيطرة على الآخرين.

?- الأمراض النفسية والاضطرابات الشخصية، ومحاولة تحقيق الذات بطريقة خاطئة وإدمان السلوكيات العدوانية.

?- تهميش، بل غياب الدور الأقوى لدى الطفل في المدارس؛ خاصة في أولى مراحل التربية، والتغريد خارج السرب.

العلاج:

أولى خطوات العلاج وأهمها:

?- معرفة حكمه الشرعي: قال -تعالى-: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) (الإسراء:37). فقوله: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا) أي: كبرًا وتيهًا وبطرًا، متكبرًا على الحق ومتعاظمًا على الخلق. (إِنَّكَ): في فعلك ذلك (لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) في تكبرك، بل تكون حقيرًا عند الله ومحتقرًا عند الخلق مبغوضًا ممقوتًا قد اكتسبت أشر الأخلاق واكتسيت أرذلها من غير إدراك لبعض ما تروم. (تفسير السعدي).

- قال -تعالى-: (وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات:11)، "ولا يَعِبْ بعضكم بعضًا، ولا يَدْعُ بعضكم بعضًا بما يكره من الألقاب، بئس الصفة والاسم الفسوق، وهو السخرية واللمز والتنابز بالألقاب، بعد ما دخلتم في الإسلام وعقلتموه، ومَن لم يتب مِن هذه السخرية واللمز والتنابز والفسوق؛ فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب هذه المناهي" (التفسير الميسر).

- وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا) وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. (بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ) (رواه مسلم).

- وأخرج الترمذي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: صَعِد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر، فنادى بصوت رفيع، فقال: (يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ) (رواه الترمذي، وقال الألباني: حسن صحيح).

- وكان الربيع بن خُثيم -رحمه الله- يقول: "الناس رجلان: مؤمنٌ فلا تُؤذوه، وجاهل فلا تُجَاهِلْه" (آداب العشرة).

- وقال الفضيل -رحمه الله-: "لا يحلّ لك أن تؤذيَ كلبًا أو خنـزيرًا بغير حق؛ فكيف بمَن هو أكرم مخلوق؟!".

- وقال يحيى بن معاذ الرازي -رحمه الله-: "لِيَكُن حظ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضرَّه، وإن لم تُفرِحه فلا تغمَّه، وإن لم تَمدحه فلا تذمَّه" (جامع العلوم والحكم).

فالتنمر حرام شرعًا، وقد أفتى مركز الأزهر العالمي للفتوي الإلكترونية بـ: "وقد حرَّم الإسلام الإيذاء والاعتداء ولو بكلمة أو نظرة، فقال -تعالى-: (وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة:190)، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) (أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني).

والضرر الذي وجَّه الإسلام لإزالته ليس الجسدي فقط، وإنما وجَّه -كذلك- لإزالة الضرر النفسيّ الذي قد يكون أقسى وأبعد أثرًا من الجسدي، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وقال أيضًا: (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ -أي: وَجَّهَ نحوه سلاحًا مازحًا أو جادًا- فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ) (رواه مسلم).

ولم يقتصِر النهي على هذا فقط، بل نهى الإسلام كذلك عن خداع الناس المُؤدِّي إلى إخافتهم وترويعهم -ولو على سبيل المزاح- فيما هو معروف بـ(المقالب)، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا، وَلَا جَادًّا) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

ولا يَخْفَى أن الاستهزاء المستمر من شخص، أو خِلْقَتِه، أو اسمه، أو مجتمعه يسبب له جرحًا نفسيًّا عميقًا، قد يستمر معه طوال عمره، وقد يدفعه إلى كراهية المجتمع، أو التخلص من حياته؛ مما يجعل حكم هذه الممارسات هو الحرمة، وحكم مواجهتها هو الوجوب".

2- وإن كان يكفي أن نعلم أن الحكم الشرعي للتنمُّر، لكن لا يمنعنا هذا أن نأخذ بالأسباب الشرعية المعينة على مواجهته، وهي:

- العلاج النفسي أو العلاج بالأدوية.

- التوعية التربوية للأسرة والمدرسة والإعلام.

- إعادة الثقة في شخص المتنمر ومحاولة اندماجه في النسيج المجتمعي (مقتبس من حلقة تليفزيونية لـ د/ عبد الله أبو عدس عن طرق علاج التنمر).

وأخيرًا: أيها المتنمِّر... تب إلى ربك، واستحضر ذنبك وأذيتك لخلق الله -تعالى-، وابكِ على ما فعلتَ واندم على ما أجرمت، واعقد العزم على التحلل من مظالم العباد قبل فوات الأوان.

أسأل الله أن يغفر لنا ولكم، ويجمعنا وإياكم على طاعته، وفي جنته ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة