الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مصر والشام وعز الإسلام (6) معركة اليرموك وفتح بيت المقدس

مصر والشام وعز الإسلام (6) معركة اليرموك وفتح بيت المقدس
أحمد حرفوش
الأحد ٠٨ نوفمبر ٢٠٢٠ - ٠٨:١٠ ص
470

مصر والشام وعز الإسلام (6) معركة اليرموك وفتح بيت المقدس

كتبه/ أحمد حرفوش

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلقد هال هرقل ما حدث لجيوشه على أيدي المسلمين في الشام؛ فأرسل إلى روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية الغربية يَطلب نجدة عاجلة؛ رغبةً منهُ في تحقيق انتصارٍ على المسلمين يُعيد إليه هيْبَتَه، وإلى الإمبراطورية مكانتها، واسترداد الشام، وإجلاء أعدائها عنها؛ فحشد جيشًا ضَخْمًا يضم مائة وعشرين ألفًا من الجنود، منهم فرقة من العرب المسيحيين تُقدَّر باثني عشر ألفًا من الغساسنة، ولخم، وجُذام بِقيادة جبلة بن الأيهم، وفرقة من أرمينية تضم أيضًا اثني عشر ألفًا بقيادة جرجة بن توذار؛ ونزل الروم بين دير أيوب واليرموك في (15 أغسطس 638م - 5 رجب 15هـ).

وكانوا بِقيادة تذارق أخو هرقل يساعده القائد الأرمني ماهان، وسقلاب الخصي؛ فعلم أبو عبيدة بهذا الحشد الضخم بواسطة عيونه التي بثَّها بين الروم، فتشاور مع قادته، وتقرر أن يغادِر المسلمون حمص إلى دمشق كونها أقرب إلى شبه الجزيرة العربية لو اضْطُرُّوا إلى الإنسحاب، وأرسل أبو عبيدة إلى عمر -رضي الله عنه- يخبره بذلك؛ فأَمدَّه بقوة عسكرية جديدة بِقيادة سعيد بن عامر الجمحي، وعقد القادة اجتماعًا آخر في دمشق قرروا فيه الصمود والمقاومة على أرض الشام.

وفوَّض أبو عبيدة في هذه الأثناء سلطاته إلى خالد، بعد توحيد الألوية الأربعة تحت قيادةٍ واحدة؛ إذ كان أقدر القادة على تحمل مسؤوليات المهمات الصعبة.

ووصل المُسلمون إلى اليرموك؛ فوجدوا الروم قد سبقوهم إليه، فنزلوا قريبًا منهم، وكانت قوة المسلمين ما بين ستة وثلاثين ألفًا إلى أربعين ألفًا، وقيل: ستةٍ وأربعين ألفًا، مُقسَّمة على أربعة ألوية، على رأس كل منها أمير، وتَوَاجَه الجمعان في سهلٍ فسيح شمال اليرموك، وقد أدرك خالد بن الوليد أهمية هذه المعركة الفاصلة في حرب الشام، وأظهر مهارة عسكرية؛ لأن هذه المعركة إما ستفتح على المسلمين أبواب الشام على مصراعيها، أو لن يفلحوا بعدها أبدًا إن هُزموا.

بدأ المُسلمون القتال عندما أمر خالد بن الوليد مجنبتا قلب الجيش بِقيادة عكرمة بن أبي جهل والقعقاع بن عمرو التميميّ بالهُجوم، فاخترق الزبير بن العوام صفوف الروم مرتين، ثُم حَمَلَت ميسرة الروم على ميمنة المسلمين؛ فانهزم عمرو بن العاص، وانكشف شرحبيل بن حسنة وأصحابه، فحاول البعض منهم الفرار، ونادى عكرمة بن أبي جهل: مَن يبايع على الموت؛ فلحق به عمه الحارث بن هشام، وضرار بن الأزور، في أربعمائة من الجنود المسلمين يقاتِلون حتى الموت؛ ثُم حمل خالد بن الوليد على ميسرة الروم ففرَّق شملهم، وانضم إليه القائدُ الأرمني جرجة مُعلنا إسلامه.

ثُم كَرَّ الروم على المسلمين فتصدَّى لهم خالد فتراجع الروم؛ فزحف خالد بقلب الجيش مخترقًا صفوف الروم، ففرت الخيالة منهم تاركين المشاة أمام الجيش الإسلامي، واقتحم خالد عليهم خندقهم، فتراجع الروم تحت جنح الظلام إلى سهل فسيح شمال اليرموك حيثُ أمعن المسلمون فيهم قتلًا حتى هُزموا؛ وقتل من الروم في هذه المعركة حوالي الستين ألفًا، وقتل مِن المُسلمين ثلاثة آلاف قتيل، منهم عدد من الصحابة، مثل: عكرمة بن أبي جهل، وابنه عمرو، وسلمة بن هشام، وعمرو بن سعيد بن العاص، وهشام بن العاص، وعمرو بن الطُفيل -رضيَّ الله عن الصحابة أجمعين-.

وقد انحاز جبلة بن الأيهم ومَن معه مِن العرب المسيحيين إلى بني قومهم العرب المُسلمين، ثُم أظهر الإسلام هو وجماعةٌ من قومه الغساسنة؛ وكانت هذه المعركة من المعارك الحاسمة في الصراع الإسلامي البيزنطي؛ إذ إنها فتحت أمام المُسلمين باب الانتصارات المتتالية في هذه البلاد، وَوَضَعتْ حَدًّا لآمال هرقل في إنقاذها بعد أن قَضَى المُسلمون على آخر ما تبقى لديه من جيوش.

فتح قنسرين وحلب وأنطاكية:

عاد المسلمون إلى حمص بعد أن هَزَموا الروم في اليرموك، ووضع أبو عبيدة -رضي الله عنه- نصب عينه الجهات الشمالية، فبعث خالد بن الوليد على مقدمة جيشه إلى قنسرين، فلما نزل بحاضر حلب زحف لهم الروم، وثار أهل حاضر حلب على خالد بن الوليد، ووقعت بين الروم وجيش خالد معركة كبيرة، قُتل على إثرها قائدهم ميناس، ومَن معه ولم يبقَ منهم أحدٌ، وكان أهل حاضر حلب من العرب المسيحيين من تنوخ، فأسلم بعضهم، وبقي البعض على النصرانية، فصالحهم أبو عبيدة على الجزية؛ وسار خالد حتى نزل على قنسرين، فقاتله أهل المدينة ثم لجأوا إلى حِصنهم، فتحصنوا منه، فهددهم خالد، فنظروا في أمرهم ورأوا ما لقي أهل حمص فصالحوهم على صلح حمص.

فتح بيت المقدس:

كان أبو عبيدة قد أرسل إلى أمير المؤمنين عمر يسأله في فتح بيت المقدس فرد عليه بهذا الخطاب: "بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر بن الخطاب إلى عامله بالشام أبي عبيدة، أما بعد: فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، وأصلي على نبيه، وقد ورد عليَّ كتابك وفيه تستشيرني في أي ناحية تتوجه إليها، وقد أشار ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالسير إلى بيت المقدس، فإن الله -سبحانه وتعالى- يفتحها على يديك، والسلام عليك".

وبناءً على ذلك: قاد عمرو بن العاص عملية حصار المدينة بوصفه قائد الجبهة الفلسطينية في الوقت الذي كان فيه أبو عبيدة وخالد بن الوليد يفتحان شمالي الشام، وقد وَاجَه مقاومة ضارية من جانب حاميتها وسكانها، فأرسل إلى الأرطبون قائد الروم في بيت المقدس يطلب منهُ التسليم مثل بقية المدن، ووعده بالأمان، لكنه رفض وقذف المسلمين بالمنجنيق من فوق الأسوار، كما اشتد البرد وانهمرت الأمطار الغزيرة وتساقطت الثُلوج الكثيفة، فاستغل الأرطبون طبيعة الطقس التي لم يتعود عليها المسلمون، ورفض الدخول في الصلح، وفي هذه الأثناء وصل أبو عبيدة، وخالد بن الوليد إلى الجابية، كما خرج أمير المؤمنين عمر بنفسه إلى الشَّام لِيكون قريبًا من مجرى الأحداث؛ نظرًا لِأهميَّة وضرورة فتح بيت المقدس.

تسلَّم أبو عبيدة فور وصوله قيادة القوات الإسلامية، فارتفعت معنويات الجند، وتسرب في المقابل الخوف والقلق إلى قلوب الروم، كما أن سقوط المدن المحيطة ببيت المقدس كان له أثره السلبي على معنوياتهم؛ لأنهم حُرِموا من الإمدادات، كما انسحب الأرطبون مستخفيًا في قوة من الجند إلى مصر، وتسلم بطريرك المدينة العجوز صفرونيوس مقاليد الأُمور، فعرض عليه أبو عُبيدة الإسلام أو الجزية أو الحرب؛ فاختار البطريرك استسلام المدينة على أن يُسلِّمها لعمر شخصيًّا ولا أحد سواه، وأتى أمير المؤمنين عمر إلى بيت المقدس، وأعطى أهلها الأمان على أنفسهم، وأموالهم، وبيوتهم، وكنائسهم، وأديرتهم، وجميع دور عبادتهم، كما أعطاهم حرية البقاء في المدينة أوالخروج مع الروم إلى حيث يشاءون!

فياعظمة الإسلام، ودخل عُمر وأصحابه إلى بيت المقدس بعد عقد الصُلح، كما امتنع عن الصلاة في كنيسة القيامة؛ كي لا يتخذها المُسلمون بعده مسجدًا، وصلى منفردًا خارجها، وابتنى المسلمون لاحقًا مسجدًا في الموضع الذي صلّى فيه عُمر.

ونكمل في القادم -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة