الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

لماذا تجمِّل الجزيرة خطيئة ماكرون؟!

لماذا تجمِّل الجزيرة خطيئة ماكرون؟!
يحيى الصافي سعد الله
الأحد ٠٨ نوفمبر ٢٠٢٠ - ٠٨:٢٠ ص
548

لماذا تجمِّل الجزيرة خطيئة ماكرون؟!

كتبه/ يحيى الصافي سعد الله

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد أثار لقاء الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" على قناة الجزيرة استياء الكثير مِن المسلمين حول العالم، وكانت الملاحظة المتكررة: أين شراسة الجزيرة القطرية مع مَن تستضيفهم؟َ وكيف سمح المحاوِر لماكرون بتكرار هجومه على الإسلام والنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؟!

ولكن مع تغليف ذلك بتعليلات تغبش على المسلمين، وتضللهم، بل تحاول أن توهمهم بأنهم مخطئون في فهم فرنسا راعية الحرية العالم، في النهاية قدَّمت الجزيرة "ماكرون" إلى جمهور عريض من المسلمين في صورة المعتذر، ووضعت من العناوين ما تجعل من دعوات المقاطعة دعوات للتطرف، والداعون لها في خانة واحدة مع الإرهابيين.

إن الحكم على الجزيرة فرع عن ظروف نشأتها، وكيف ولماذا أنشأت؟ إن هذا السياق التاريخي وضَّح موقع حلقة ماكرون حكمًا وتصورًا.

تصور لنا قناة الجزيرة نفسها -تغوص بالكرة الأرضية في لج المحيط لتعود إلي سطح الماء محلقة في الفضاء باسم الجزيرة- بأنها نافذتك على أخبار العالم، ومخرجة خباياه من الأعماق (هذا هو تترها الأساس قبل نشرات الأخبار)، القناة غير محدودة الإمكانيات، مراسلون في جميع أصقاع الأرض، أكثر من ستة آلاف ضيف تستطيع أن تصل إليهم في أي مكان في العالم.

أنشئت هذه القناة في عام 1996 الحكومة القطرية لتكون أول قناة فضائية إخباريه تخاطب الشعوب العربية بمن داخل أراض عربية، فقد أوكلت قطر لمؤسسة إخبارية مخابراتية تديرها بريطانيا لكى تصمم لها قناة الجزيرة وتضع لها إستراتيجيتها. لتصبح الجزيرة نسخة أكثر تطورًا من BBC العربية (علمًا بأن الجزيرة سبقت الـ BBC كقناة فضائية لتظل BBC قناه إذاعية فتره طويله قبل أن تطلق قناة فضائية).

فما الهدف الذي أُنشئت من أجله قطر قناة الجزيرة؟ قطر الدولة ذات الفوائض من الغاز والبترول، أصبحت هذه البلدة الصغيرة من أغنى دول العالم، مع قوة بشرية محدودة جدًّا "فسكانها نصف مليون"، تصارع وسط حيتان وقروش دوليه وإقليمية، وتسعى لحماية نفسها حتى لو اشترت هذه الحماية بالمال، فكانت القواعد الأمريكية، والاتفاقيات العسكرية والأمنية مع أمريكا.

ومع ذلك تتطلع قطر أن تكون قوة إقليمية مدفوعة بما تكنزه من ثروات مالية؛ إلا أن إمكانياتها الديموغرافية والجيوسياسية لا تمكِّنها من ذلك، فلا تستطيع قطر أن تمتلك "قوة خشنة"، فذهبت إلى استخدام "القوة الناعمة"، مدعومة بعوائد النفط الضخمة.

إن أفضل قوة ناعمة في عصر السماوات المفتوحة يصل إلى الشعوب ومتخطي الحكومات هو الإعلام، فوظفته لتصنع لنفسها دورًا إقليميًّا.

استخدمت قطر الجزيرةَ كطوفان إعلامي يهاجم نسيج الأمة العربية، يهدم فيه ويعيد تشكيله؛ تسعى للتموضع على قمة النسق العربي والإقليمي، وإزاحة قطبيه التقليديين: مصر والسعودية، بعد أن انهارت العراق وسوريا التي كانت الجزيرة فعالة فيهما.

ظهرت معاول الهدم في اللعب على عواطف الشعوب واستغلال طموحاتها ومظالمها، الراغبة في التخلص من الأنظمة الشمولية القابعة تحتها، وهو حق أريد به باطل. لقد أدت الجزيرة دورها، فرفعت لها لافتات الشكر في الميادين (شكرًا الجزيرة فى ميدان التحرير مثالًا)، لكن هل سيجعل ذلك قطر في المقدمة؟ كلا... بل لابد من أنظمه جديده تكون بمثابة أنظمة وظيفية تستخدمها قطر ومَن خلفها في سبيل الوصول لهدفها، قيادة النسق الإقليمي العربي، مستغلة الجماعات الوظيفية (الإخوان المسلمون أنموذجًا).

إذًا فنحن أمام قناة تصنع دولة بكل إستراتيجيتها وليست دوله تصنع قناة، تتاجر بمظالم الشعوب العربية المسكينة لخدمة مصالح الغرب، يستخدمها الغرب لتؤدي دورًا مرسومًا لتمتص الضغط عن الغرب أثناء مهامه السياسية والعسكرية في المنطقة.

أتذكر يوم أن أبلت الجزيرة بلاءً خبيثًا أثناء الغزو العراقي، وإعلانها سقوط مطار بغداد؛ ما دفع "الصحاف" لعقد مؤتمرٍ صحفي من أرض المطار لينفي ذلك، فقد كانت تبث الخذلان داخل صفوف الجنود العراقيين، ويوم أن أرسلت مراسلها "أحمد منصور" ليغطي حصار الفالوجة وينقل على مدار خمسة عشر يومًا كل تحصينات المدينة وصمود أهلها ليقدم معلومات بالصوت والصورة للمخابرات الامريكية.

ويوم أن قتل مراسليها "طارق أيوب" تحت القصف مباشر في الفلوجة، فكانت المساجلة بين "بوش" والجزيرة تغطي على جرائم قتل أهالي الفلوجة بالفسفور الحارق، ومتناسية أن القواعد اللوجستية الأمريكية موجودة على مرمى حجر مِن مقر القناة في شبه الجزيرة القطرية؛ فلا ضير أن تظهر أمريكا العظمى الألم والشكاية من النكاية القطرية، فالجزيرة تحارب نيابة عن العرب!

عندما نقف على ذلك كله نعرف: لماذا اختار ماكرون الجزيرة ليمرر خطابه الخبيث من خلال قناة عربية اللغة، غربية الأهداف؟

أرى أنه من السذاجة أن نظن أن أسئلة هذا المذيع الضعيف المستضاف في قصر الإليزيه لم يراجعها المكتب الإعلامي للرئيس الفرنسي، وأنها شطبت كل ما تعدى الخطوط حمراء للموقف الفرنسي. فلم يسأل المذيع مثلًا "ماكرون" عن التطرف اليميني الذى تحميه علمانية فرنسا المتطرفة، ولم يسأله عن الموقف الرسمي من طعن المسلمتين المحجبتين بأيدي الفرنسيات الناعمة، ولا عن حادث اليميني المتطرف الذى تم قتله ظنًّا منهم أنه مسلم متطرف، وكيف سارع الإعلام الفرنسي وغيره بإلصاق التهم بالمسلمين، وماذا عن المساجد التي سيتم إغلاقها والقانون الذي ينوى إصداره والموجَّه لمحاصرة الإسلام والمسلمين في فرنسا؟! وغيرها الكثير من الأسئلة الأخرى التي يحتاج العرب والمسلمون سماع إجاباتها.

إذًا هو استفادة متبادلة بين قناة تقود دولة طامحة، ونظام عالمي يوظف جماهيريتها ليمرر خطابه، ولا ضير حينها أن تبدو قطر زعيمة المقاطعة لبضائع فرنسا، فإن ذلك لا يمنع مِن أن تعوض ذلك قطر بدعم إستراتيجي خفى يعوض فرنسا، بل يزيد!

تلك هي الحكاية... وأرجو أن أكون قد اقتربت بالقارئ مِن فهم هذه الإشكالية، وتلك الازدواجية الوظيفية لقناة الجزيرة.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة