الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

وقفات مع قصة أصحاب الكهف (5) بعث الفتية بعد النوم الطويل (موعظة الأسبوع)

من بركة دعوة الفتية أن آمن أكثر الناس مِن بعدهم

وقفات مع قصة أصحاب الكهف (5) بعث الفتية بعد النوم الطويل (موعظة الأسبوع)
سعيد محمود
الأربعاء ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٠ - ١٠:٣٠ ص
441

وقفات مع قصة أصحاب الكهف (5) بعث الفتية بعد النوم الطويل (موعظة الأسبوع(

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:  

- شرح مجمل لما جاء في المشهد الأخير (بعث الفتية بعد النوم الطويل): قال الله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا . إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا . وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا . سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا . وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا . إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا . وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا . قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) (الكهف: 19-26).

- هذا المشهد الختامي للقصة اشتمل على عِبَر وفوائد كثيرة، نقف مع أربعة منها وقفات متنوعة.

(1) وقفة عقدية: وجوب الإيمان بالبعث والحساب:

- من بركة دعوة الفتية أن آمن أكثر الناس مِن بعدهم، ولكن بقي بعضهم في شك مِن بعث الأجساد والأرواح، فبعثهم الله حجة للمؤمنين على المتشككين: قال الله -تعالى-: (. وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا).  

- حاجتنا الشديدة في هذا العصر إلى نشر العقيدة أكثر من زمان الملاحدة الأوائل، فملاحدة العصر أفجر وأشر من سلفهم، فالأوائل كانوا ينكرون البعث والحساب، وملاحدة العصر ينكرون النشأة الأولى فضلًا عن البعث والحساب!

- قضية الإيمان بالبعث والحساب من أصول الإيمان، دلت عليها أدلة الشرع والعقل الصحيح، قال الله -تعالى-(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ? وَلَهُ الْمَثَلُ الأعلى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ? وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الروم:27)، وقال: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (يس:78-79).

- أثر عقيدة البعث والحساب في الإيمان والاستعداد لهذا اليوم: قال -تعالى-: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا . وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا . وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا . يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا . بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا . يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ . فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة)، وقال -تعالى-: (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (آل عمران:25). قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يُبْعَثُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا)، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَيْفَ بِالْعَوْرَاتِ؟ قَالَ: (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (عبس:37) (رواه البخاري ومسلم، والنسائي واللفظ له)، وقال -تعالى-: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا . وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا . إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا . فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا . وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) (الإنسان: 7-12).

(2) وقفة عقدية فقهية: حرمة بناء المساجد على القبور:

- توهم بعض أصحاب البدع المعظمين لقبور الصالحين، أن في القصة دليل على اتخاذ المساجد على قبور الصالحين: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا).

- سواء كان ذلك مشروعًا لمن كان قبلنا، أو أن الجهلة أصحاب النفوذ والسلطان هم من رأى ذلك، فهو محرم في شريعتنا: قال -تعالى-: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) (الجن:18)، وعن عائشة وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهم- قالَا: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. (متفق عليه). وفي حديث أم سلمة قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أُولَئِكَ، إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكِ الصُّوَرَ، أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (متفق عليه).

- الخلاف بين العلماء في حكم الصلاة في هذه المساجد، يدور بين البطلان والكراهة الشديدة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) (رواه مالك في الموطأ مرسلًا، وصححه الألباني).

- شبهة أخرى: ما تقولون في المسجد النبوي الذي فيه قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-؟

- الجواب: كان دخول القبر في المسجد سنة 88 هـ، بفعل أحد الأمراء بقصد توسعة المسجد، وقد نهاه بعض السلف، ثم إنه لا يجوز ترك الصلاة فيه لعظيم فضلها فيه، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ؛ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ) (متفق عليه).

(3) وقفة تربوية: ترك الجدال والمراء فيما لا كثير فائدة فيه:

- ذمَّ الله مراء الناس في عدة أصحاب الكهف؛ لأن ذلك يخرجهم عن العبرة والهدف المقصود من القصة: (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ).

- طريقة أهل الكتاب ومَن تأثر بهم؛ هي الاهتمام والمراء فيما لا كبير فائدة فيه: (أسماء الفتية ووظائفهم ومكان الكهف - نوع الخشب الذي صَنَع منه نوح -عليه السلام- السفينة - نوع الشجرة التي أكل منها الأبوان - ... )، قال الله -تعالى-: ( فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا).

- تأمل طريقة القرآن في تناول قصة صاحب يس، والانتقال مِن أحداث الدنيا مع قومه إلى الجنة دون التعرض لتفاصيل طريقه قتله واستشهاده -رحمه الله-؛ تربية للمؤمنين على هضم حظوظ النفس: (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ . قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) (يس: 25-26).

(4) وقفة إيمانية: أثر الإخلاص في بركة العمل:

- لم تتجاوز دعوة الفتية في قومهم أيامًا، لكنها أثرت بالخير قرونًا وأعوامًا: (أثر دعوتهم في إيمان قومهم من بعدهم - أثر القصة على أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لاسيما عند الهجرة - أثر القصة على المؤمنين إلى يوم القيامة - ذكرهم في القرآن وتسمية السورة على قصتهم).

- هكذا أثر الإخلاص في بركة الأعمال، فإن الأعمال اليسيرة تعيش بعد أصحابها وتترك آثارها الكثيرة: (غلام الأخدود كانت دعوته أيامًا، ولكنها أثرت في قومه زمانًا وأجيالًا - دعوة نبي الله إبراهيم -عليه السلام- لمكة وأثرها قرونًا وأجيالًا).

- قد يقول قائل: ألم يكن مِن الأفضل أن يبقى الفتية دعاة إلى الله، وبذلك يتأثر الناس أكثر بدعوتهم؟

- والجواب: إن مهمتهم قد انتهت، ونالوا أجرهم، وقد أدَّوا رسالتهم: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ . وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) (النصر).

(5) خاتمة: أهم الدروس المأخوذة:

لقد كانت لنا وقفات نحو خمس عشرة وقفة، والقصة فيها أكثر من ذلك، وكان مِن أبرزها خمسة:

أ‌- أهمية دور الشباب في نصرة الدين.

ب‌- لابد من التضحية والبذل لأجل الدين.

ت‌- الهجرة الشرعية باقية إلى يوم القيامة.

ث‌- إيواء الله وحفظه لمن حفظ دينه.

ج‌- عظيم فائدة القصص القرآني.

وأخيرًا: أين أنت من موقف أصحاب الكهف وتضحيتهم؟ وأين كهفك؟

إن كهف هذا الزمان هو التحصن بالعقيدة السليمة، واتباع الهدى الصحيح، وتزكية النفوس بالأعمال الصالحة: (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا) (الكهف:16).

نسأل الله أن يثبتنا على دينه حتى نلقاه.

والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة