الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

اغتنم وقتك

الوقت هو رأسمال الإنسان الحقيقي

اغتنم وقتك
حسن حسونة
الأربعاء ٠٦ يناير ٢٠٢١ - ٢٣:١٩ م
457

اغتنم وقتك

كتبه/ حسن حسونة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فالوقت هو الحياة، هو الثواني والدقاىق، والساعات والأيام، والشهور والأعوام، التي يعيشها المرء في هذه الدار، فإذا مَرَّ البعض، فقدته وقَرَّبَك مِن لِقاء الله.

فمِن خصائصه: أنه سريع الانقضاء حتى لا تكاد تشعر به، بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- عَدَّ ذلك مِن أشراط الساعة، وهو تقارب الزمان؛ فيمر العام كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم؛ فهل تشعر بذلك أخي الكريم؟!

الإجابة: قطعًا نعم؛ كلنا نشعر بذلك.

ومِن خصائصه أيضًا: أنه إذا مَرَّ؛ فإنه لا يعود، فهل يستطيع الشيخ أن يعود شابًا؟! وهل الشاب يعود غلامًا؟! وهل الغلام يعود رضيعًا؟!

أنَّى ذلك؛ ولهذا حينما يطلب أهل النار العود إلى الدنيا للعمل الصالح يُقال لهم: (كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (المؤمون:100)، نسأل الله السلامة فالزمن الذي يمر لا يعود، وجاء في الأثر: "أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاغتنمني؛ فإني لا أعود إلى يوم القيامة".

فالوقت هو رأسمال الإنسان الحقيقي، والناس فيه بين تاجر حصيف لبيب، وبين كاسد بليد؛ فالأول حافظ على رأسماله وحقق به المكاسب والأرباح العالية، وأما الثاني فضيَّع رأسماله وأصبح بلا تجارة، ووقف على أبواب الأسواق يطلب الإحسان من الآخرين؛ خسر نفسه وخسر مَن حوله (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (الزمر:15)، وحينما تبكتهم الملائكة وهم في النار: (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ . قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ) (المؤمون:112-113)، هكذا الحال خسر رأسماله، ولم يحقق فيها الربح الذي ينجيه بين يدي الله.

أقسم الله بالزمن لبيان شرفه ولعظم مكانه فقال -تعالى-: (وَالفَجْر)، (وَالضُّحَى)، (وَاللَّيْل إِذَا يَغْشَى)، (والَعَصْر) وهي السورة التي قال عنها الإمام الشافعي -رحمه الله-: "لو لم تنزل إلا هذه السورة؛ لكفتهم"؛ أي: في موضوعها، وهذا القَسَم لدلالة الأهمية والمكانة لذلك الزمن الذي هو مزرعة العمر، يزرع فيه الطاعات والقربات بين يدي يومٍ وصفه الله بالثقل -فهو ثقيل-: (إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا) (الإنسان:27)، والعاجلة: هي الدنيا. فاللهم سلِّم سلِّم.

وبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه النعمة ومكانتها، وأنه قد يقع كثير من الناس في الغبن فيها، فقال كما عند البخاري من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعًا: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ) (رواه البخاري). والغبن أن ينفقها في غير محلها فتكسد معه هذه السلعة؛ فهو عنده فراغ، لكنه في لهو وغفلة، فيضيع أوقاته أمام الشاشات متابعًا الافلام والمباريات، ناقلًا لقيل وقال، وألعاب الموبايل، ويقضي الساعات الطوال مع الفيس والواتس وأنستجرام، وغيرها من البرامج التي تأكل الوقت أكلًا، وتقتله قتلاً!

فأقول لك أخي: رويدًا رويدًا، وعىي رسلك، وخذها كالملح على الطعام، إن زادت نسبته فسد الطعام، وليكن شغلك وعملك عليه في مباح، ولا تنقل إلا الصادق من الكلام، وتجنب العري والفساد، والانحطاط الأخلاقي من صور قبيحة أو فيديوهات فاضحة محرمة، فاليد ستنطق، والعين ستتكلم، واللسان سيشهد (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ) (فصلت:22).

فاحذر أخي الكريم مِن موارد الإثم  والذنب، فإذا علمت أن كثيرًا من الناس يغبنون فحقق انت: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: ... )، ومنها: (وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِك) (رواه الحاكم، وصححه الألباني)، فاغتنمه ولا تضيعه؛ إما في طاعة تقربك، أو عمل مباح يعينك علي أمور دنياك، ويكفيك ما قاله الحبيب -صلى الله عليه وسلم- لحنظلة الأسدي: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً) (رواه مسلم)؛ ساعة فيها فريضة أو نافلة، وساعة أمر مباح يعين على طاعة الله.

وإذا قرأت في حال السلف -رحمهم الله- كيف كانت أوقاتهم وحرصهم على اللحظات والثواني، ومحاسبتهم لأنفسهم لو ضاع شيء منها؛ لرايت الشيء العجيب، وساعدك ذلك على علو الهمة في اغتنام وقتك؛ قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت فيه شمسه؛ نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي!".

تدبر هذا القول، وكرره؛ لتقف على علو همته -رضي الله عنه-.

وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشد حرصًا من حرصكم على دراهمكم ودنانيركم!".

وكان الخليل بن أحمد الفراهيدي يقول: "أثقل الساعات علي ساعة آكل فيها!"، سبحان ربي!

وقال ابن الجوزي -رحمه الله-: "رأيتُ عموم الخلائق يدفعون الزمن دفعًا عجيبًا، إن طال الليل فبشيء لا ينفع، وإن طال النهار فبالنوم، وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق". قال: "ولقد شاهدت خلقًا كثيرًا لا يعرفون معني الحياة، فمنهم مَن يخلو بلعب الشطرنج، ومنهم مَن يقطع الزمان بكثرة الحوادث مِن السلاطين، والغلاء والرخص، إلى غير ذلك، فعلمت أن الله -تعالى- لم يطلع على شرف العمر ومعرفة قدر أوقات العافية إلا مَن وفقه الله، وألهمه اغتنام ذلك (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت:35)" (صيد الخاطر).

فاغتنم الفرصة وأدِّ الفرائض وأتبعها بالنوافل، واشتغل بطلب العلم ومجالس الذكر؛ فأنت إما في طاعة نافعة لك في دنياك وأخراك، أو في عمل مباح يعينك على حوادث الدنيا مِن طلب رزق ومعاش، وقيام على مصالح الأهل والأولاد والزوجات، (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) (الفرقان:62).

نسأل الله أن يحفظ علينا أوقاتنا وأعمارنا، وأولادنا وأهلينا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة