الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة (8) حق الضعفاء والمساكين

مما ينبغي أن يُعلَّمه الطفل: أن للطريق حقًّا يجب عليه أن يؤديه

التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة (8) حق الضعفاء والمساكين
عصام حسنين
الثلاثاء ٠٩ فبراير ٢٠٢١ - ١٤:٠٣ م
320

التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة (8) حق الضعفاء والمساكين

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنستكمل إن شاء الله -تعالى- في هذا المقال سائر الحقوق الاجتماعية التي ينبغي أن يُربَّى عليها الطفل مِن: حق الضعفاء، وحق الطريق، وحق الوطن.

حق الضعفاء:

- ينبغي أن يُعلَّم الطفل -قولًا وفعلًا-: أن لضعفاء المسلمين مِن فقراء ومساكين، وأرامل ومظلومين حقًّا في مال الأغنياء أوجبه الله -تعالى-، فقال: (وَآتُوا الزَّكَاةَ) (البقرة:43).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ -رضي الله عنه- لما بعثه إلى اليمن: (فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ) (متفق عليه).

- وتستحب الصدقة، وفيها أجر كبير -وهذا أصل عظيم في التربية أن يذكر للطفل فضل كل عمل مطلوب منه فعله، حتي يرتبط بدينه ويتحفز لفعله-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا) (متفق عليه).

والصدقة تُطفئ الخطيئة، وتستر صاحبها من النار، ويُحشر في ظلها يوم القيامة، وتتنزل بها الرحمات والبركات من الله -تعالى-، وتجعل الرحمة في قلب صاحبها، والراحمون يرحمهم الرحمن، وكل هذا الفضل جاءت به الأحاديث الشريفة.

- فيُعلّم الطفل هذا الفضل، ويربَّى على ذلك، ولا شك أن تربيته على أداء هذا الحق ينمي في قلبه هذه الثمار الطيبة.

- ويكون ذلك بالقدوة؛ بأن يرى الطفل أباه وهو يتصدق على الفقراء ويحسن إليهم، ويحفّزه على أن يدَّخِر مِن مصروفه وملابسه وحاجياته؛ لإعطائها للفقراء، وينبغي أن يكافئه على ذلك، ويعطيه بدلها حتي لا يضن بحاجياته إن رأى أن ما معه لا يكفي.

- وإن بلغ سنًّا يعي فيه الحركة، سعى به إلى جمعية خيرية يشارك إخوانه في توزيع الصدقات على أهلها.

- ويعلَّم أن يسعى في حوائج الضعفاء بقضاء حاجة، وتفريج كربة، ونحو ذلك.

- وأن يسعى في رفع الظلم عن المظلوم إن كان في استطاعته دون ضررٍ أكبر يلحقه، وهذا يربي فيه خُلُق العدل والنجدة.

حقُّ الطريق:

ومما ينبغي أن يُعلَّمه الطفل: أن للطريق حقًّا يجب عليه أن يؤديه، ومِن ذلك:

- أنه ملك عام لجميع المسلمين، فلا يضيقه على غيره، ولا يلقي فيه أذى، وإن وجده في طريقه أزاله، وهذا فيه أجر عظيم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) (متفق عليه).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ) (متفق عليه).

 

- وقد كان تنظيف الطرق عادة مطردة عند الصحابة -رضوان الله عليهم- ونقلوها إلي التابعين؛ فعن محمد بن سيرين قال: لَمَّا قَدِمَ أبو موسى الْأَشْعَرِيُّ الْبَصْرَةَ، قَالَ لَهُمْ: "إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ لِأُعَلِّمَكُمْ سُنَّتَكُمْ، وَإِنْظَافَكُمْ طُرُقَكُمْ" (أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه بإسنادٍ صحيحٍ)؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أمرهم بتنظيف ساحات بيوتهم، ولا يتشبهون باليهود، فقال: (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الجُودَ، فَنَظِّفُوا - أُرَاهُ قَالَ - أَفْنِيَتَكُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

والأفنية: جمع الفناء، وهي الساحة أمام البيت.

فما أعظم هذا الدِّين!

فلو قام كل بيت بذلك، وشاركهم صبيانهم في هذه السُّنة الغائبة؛ لكان درسًا تربويًّا عظيمًا لهم، ولو اجتمع أطفال الحي على تنظيف حيهم؛ لكان سلوكًا اجتماعيًّا راسخًا في نفوسهم يستخدمونه في مدرستهم، وفي أماكن تواجدهم فيما بعد.

وليعلم المعجبون بالغرب: أن العيب في بُعْدِنا عن تعاليم ديننا، وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-؛ فليطلق أحدنا لخياله العنان ليرَ كيف ستكون أوطاننا إن التزمنا بهذا الهدي النبوي الكريم!

- وإن احتاج لقضاء حاجته ولم يجد مرحاضًا؛ فليتقِ المواطن التي تؤذي الناس، وتستجلب لعنتهم: كالآبار والعيون والأنهار، والطريق المسلوك، وظل الناس؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَالظِّلِّ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ) (رواه أحمد وابن ماجه، وحسنه الألباني).

- ويعوَّد بالطريقة العملية أن يلقي الزُّبالة (قُمامة البيوت وكُناستها وأوساخها) في صندوق الزُّبالة، وإن كان بيده منديل ونحوه مما يريد التخلص منه، فليحتفظ به حتي يلقيه في سلة المهملات.

- وإن احتاج إلي الجلوس في الطريق؛ فليعطه حقه، مِن غض البصر، وردِّ السلام، وحسن الكلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرشاد الضال، وإغاثة الملهوف، والإعانة على الحمولة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ) قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟، قَالَ: (غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ) (متفق عليه). وفي رواية: (وَإِرْشَادُ السَّبِيلِ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وفي الصحيحين: (وَيُعِينُ ذَا الْحَاجَةَ الملهوف)، وعند البزار: (وَأَعِينُوا عَلَى الْحَمُولَةِ)، وفي رواية: (وَحُسْنُ الْكَلَامِ).

قال النووي -رحمه الله-: "هذا الحديث كثير الفوائد، وهو مِن الأحاديث الجامعة، وأحكامه ظاهرة، وينبغي أن يتجنب الجلوس في الطرقات لهذا الحديث. ويدخل في كف الأذى: اجتناب الغيبة، وظن السوء، وإحقار المارين، وتضييق الطريق. وكذا إذا كان القاعدون ممَّن يهابهم المارُّون أو يخافون منهم، ويمتنعون مِن المرور في أشغالهم بسبب ذلك؛ لكونهم لا يجدون طريقًا إلا ذلك الموضع" (شرح النووي على مسلم).

ونظم هذه الآداب ابن حجر -رحمه الله- فقال:

"جَمَعْتُ آدَاب مَنْ رَامَ الْجُلُوس عَلَى                الطَّرِيق مِـنْ قـَوْل خَيْر الْخَلْق إِنْسَانَا

أُفْـشِ السَّلام وَأَحْـسِنْ فِـي الْـكَـلام                  وَشَـمِّتْ عَـاطِـسًا وَسَلامًا رُدَّ إِحْسَانَا

فِـي الْحَمْل عَـاوِنْ وَمَظْـلُومًا أَعِـنْ                  وَأَغِثْ لَهْفَان اِهْدِ سَبِيلا وَاهْدِ حَيْرَانَا

بِالْعـُرْفِ مُـرْ وَانْهَ عَنْ نُـكُر وَكُـفَّ                  أَذَى وَغُضَّ طَرْفًا وَأَكْـثِرْ ذِكـْر مَوْلانَا"

انتهى من فتح الباري.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً