الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

موت الشباب عَبْرَة وعِبْرَة

موت مَن كان مطيعًا لله -تعالى-، ومات مَن كان عاصيًا لاهيًا منصرفًا مبعدًا

موت الشباب عَبْرَة وعِبْرَة
إبراهيم جاد
الثلاثاء ٢٣ مارس ٢٠٢١ - ٠٩:٥٩ ص
783

موت الشباب عَبْرَة وعِبْرَة

كتبه/ إبراهيم جاد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اثنَتَانِ يَكرَهُهُما ابنُ آدمَ: يَكرَهُ المَوتَ، والمَوتُ خَيرٌ لِلمُؤمِنِ مِنَ الفِتنةِ، ويَكرَهُ قِلَّةَ المَالِ، وقِلَّةُ المَالِ أَقَلُ للحِسَابِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

إن مِن الأمور يكثر ويزداد وقعها على النفس ويبقى، موت الشباب.

نعم، موت مَن كان سليمًا صحيحًا معافى يمشي على الأرض بقوةٍ، وبين الناس في صحةٍ وعافيةٍ.

موت مَن كان يجوب الأرض برجليه، ويشق السماء بصوته، ويطرب الأهل والأحباب بأنسه.

موت مَن كان مطيعًا لله -تعالى-، ومات مَن كان عاصيًا لاهيًا منصرفًا مبعدًا، يسوقه الهوى، وتحركه الشهوات، وتمنيه الأماني، وتقتله الأحلام والتسويفات.

فأقول بالله مستعينا، إليه مفتقرًا: الناس قسمان، والشباب منهم قسم جاهد وتعب، وألزم والتزم، وأقام واستقام، وصبر وحارب، وسلك سبيل الطاعة أغلب حياته، وإن غلبه شيطانه ندم واستغفر، وعاد إلى ربه معترفًا، ولأمره مغترفًا، وحمل الأمانة برغم اجتهاده، معترفًا بالتقصير، وأمانة العبودية لله -تعالى-، وتعريف الناس بها وإعانتهم عليها، فعاش يحمل هدفًا، وينشر خيرًا، ويرجو ثمرة؛ يُذكر أو لا يُذكر، المهم دين الله يقام، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- تظهر، ويتحمل ما أصابه، ويصبر على أذى الناس له.

في كل حدث له عبودية، وفي كل موقف موعظة باللسان أو بالفعال؛ لا يستسلم لهواه أو هوى الناس، يربي ويتربى، عاش راجيًا من الله العفو والصفح، لا يغره عمله، ولا ينسى ذنبه، بل شعاره التقصير، وطلبه المغفرة، وأمله في الله أكبر من عمله، وافتقاره له وحسن ظنه فيه أعظم العظائم.

فهذا يُرجَى له مِن الله بأمره وتحت مشيئته أن يختم له بخاتمة السعادة، ونور الصحيفة، حتى وإن جاءه الموت الأبيض، موت الفجأة. نسأل الله خاضعين منكسرين متذللين أن نكون منهم، وألا يكون حظنا كلامنا؛ فعندئذٍ لا يضيع الله أجر المحسنين.

قال الله -تعالى-: (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ ‌أَجْرَ ‌الْمُحْسِنِينَ) (هود:115): "واصبر على فعل ما أُمرت به مِن الاستقامة وغيرها، وعلى ترك ما نهيت عنه من الطغيان والركون إلى الظلمة، إن الله لا يبطل ثواب المحسنين، بل يتقبل منهم أحسن الذي عملوا، ويجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" (المختصر في التفسير).

مرَّ عُمرُ بطلحةَ بعدَ وَفاةِ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- فقالَ: ما لَكَ كئيبًا؟ أساءَتكَ إمرةُ ابنِ عمِّكَ؟ قالَ: لا، ولَكِن سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- يقولُ: (إنِّي لأعلَمُ كلِمةً لا يقولُها أحدٌ عندَ موتِهِ إلَّا كانَت نورًا لصَحيفتِهِ ، وإنَّ جسدَهُ وروحَهُ ليَجِدانِ لَها روحًا عندَ الموتِ) فلَم أسألْهُ حتَّى توُفِّيَ، قالَ: أَنا أعلَمُها، هيَ الَّتي أرادَ عمَّهُ علَيها، ولو علِمَ أنَّ شيئًا أَنجى لَهُ منها لأَمرَهُ. (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني). وفي روايةٍ لأحمد: (شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ)، أي: هي كلمةُ التَّوحيدِ: (لا إلهَ إلَّا اللهُ).

فعندئذٍ الموت خير لهذا الشاب مِن الفتنة؛ برغم كرهه له، والخوف منه. فيا لله مَن لي بهذا!

لما حضرت حسان بن أبي سنان الوفاة قيل له: "كيف تجدك؟ قال: بخير إن نجوتُ من النار. قيل له: فما تشتهي؟ قال: ليلة طويلة أصليها كلها" (حلية الأولياء).

 وقسم آخر: عاث في الأرض فسادًا، عاش بهواه ولهواه، عاش متفلتا من الأحكام مضيعًا للفرائض، وغير مبالٍ بالتكاليف؛ غلبه شيطانه فكان للشيطان عليه سلطان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. يطرق الأذان سمعه فلا أثر في القلب، ولا على الجوارح، رحل بعيدًا عن شواطئ الإيمان والتراحم والتواد والإحسان بين المسلمين. بكل أسف هذه النوعية موجودة تزيد وتنقص حسب الصلاح الأسري والمجتمعي، والأمر بيد الله -تعالى-.

فنسأل لنا ولهم الهداية والتوفيق، والثبات؛ فما ظنكم بهؤلاء عند موتهم؟! وانظر إلى هذه الآيات لترى بعينك مشهدا تجعله حاضرًا في ذهنك دائمًا، وفي قلبك راسخًا، منه خائفًا وجلًا، قال -تعالى-: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ‌فِيمَا ‌تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (المؤمنون: 99-100).

يخبر -تعالى- عن حال مَن حضره الموت مِن المفرطين الظالمين؛ أنه يندم في تلك الحال إذا رأى مآله، وشاهد قبح أعماله، فيطلب الرجعة إلى الدنيا؛ لا للتمتع بلذاتها واقتطاف شهواتها، وإنما: (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ‌فِيمَا ‌تَرَكْتُ) مِن العمل، وفرطت في جنب الله. (كَلَّا) أي: لا رجعة له، ولا إمهال؛ قد قضى الله أنهم إليها لا يرجعون، (إِنَّهَا) أي: مقالته التي تمنى فيها الرجوع إلى الدنيا (كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا) أي: مجرد قول باللسان، لا يفيد صاحبه إلا الحسرة والندم، وهو أيضًا غير صادق في ذلك؛ فإنه لو رُد لعاد لما نهي عنه.

(وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي: مِن أمامهم وبين أيديهم برزخ، وهو: الحاجز بين الشيئين، فهو هنا: الحاجز بين الدنيا والآخرة، وفي هذا البرزخ يتنعم المطيعون، ويعذب العاصون مِن موتهم إلى يوم يبعثون، أي: فليعدوا له عدته، وليأخذوا له أهبته. (انظر: تفسير السعدي).

ولنحذر أن نكون من المغترين: قال سعيد بن جبير -رحمه الله-: "الغِرَّة بالله: أن يتمادى الرجل بالمعصية، ويتمنى على الله المغفرة" (التذكرة للقرطبي).

العَبْرَة والعِبْرَة:

يا أيها المُكْلَمون بموت إخوانهم، ويا أيها المحزونون لفقدانهم، ويا أيها البكّاؤون لوادعهم، ويا أيها المشتاقون لأنسهم.

ويا أيها الصابرون المحتسبون لموتهم، ويا أيها الراجون لهم جنة ربهم.

العبرة حق ورحمة من الله -تعالى-، وإن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا لفراقهم لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا؛ فلنصبر ولنحتسب، ولنرجُ الله أن يربطَ على قلوبنا، وأن يلهمنا الصبر والسلوان.

وعلينا أن نأخذ منهم العِبرة، وألا ننسى أننا سنكون بأمر الله -تعالى- مثلهم، ونذوق ما ذاقوا، وأننا من أحد القسمين؛ فلنتقِ الله، ولنسرع إلى مرضاته، ونعمر القلوب به، ونحرص على أن نكون من أصحاب الطاعة، فالجنة تَجمّعنا -بإذن الله تعالى-؛ فهذا هدفنا، وتلك غايتنا.

ولنحذر كل الحذر أن نكون من الآخرين؛ فوالله ثم والله، ذلك الخذلان المبين، والجزاء الأليم الذي لا نرضاه لمسلمٍ أبدًا، فاللهم الجنة الجنة، لنا ولغيرنا.

ونختم بهذه النصيحة لي ولك ولكل المسلمين، فنحن والله أضعف ما نكون، وأحوج إلى الله مِن آبائنا وأمهاتنا، وأبنائنا وأهلينا، وإخواننا، والماء على الظمأ.

قال حاتم الأصم -رحمه الله-: "مَن خلا قلبه مِن ذكر أربعة أخطار، فهو مغتر؛ فلا يأمن الشقاء:

الأول: خطر يوم الميثاق حين قال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي، فلا يعلم في أي الفريقين كان.

والثاني: حين خُلق في ظلمات ثلاث، فنادى المَلَك بالشقاوة والسعادة، ولا يدري: أمن الأشقياء هو أم من السعداء.

والثالث: ذكر هول المطلع، فلا يدري يعني عند الموت يبشر برضا الله أم بسخطه.

والرابع: يوم يصدر الناس أشتاتًا، فلا يدري أي الطريقين يسلك به" (العمدة من الفوائد والآثار الصحاح والغرائب، ص: 30).

فاللهم اجعلنا ممَّن أسعدتَه بطاعتك في الدنيا، وبشرتَه بالجنة عند موته، وتفضلت عليه بجنتك.

واغفر اللهم لإخواننا وأخواتنا ممَّن ماتوا شبابًا، وسائر عبادك المسلمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة