الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- (4) (موعظة الأسبوع) من دلائل النبوة في المرحلة المكية

معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- (4) (موعظة الأسبوع) من دلائل النبوة في المرحلة المكية
سعيد محمود
الأربعاء ٢٤ مارس ٢٠٢١ - ١٠:٢٠ ص
525

معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- (4) (موعظة الأسبوع) من دلائل النبوة في المرحلة المكية

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة:

- تذكير بما سبق مِن أن الله أجرى على يد أنبيائه ورسله من المعجزات والدلائل القاطعات، ما يدل على صدقهم، ولكي تقوم الحجة، فلا يبقى لأحدٍ عذر في عدم تصديقهم وطاعتهم: قال -تعالى-: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ) (الحديد:25)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ ‌آمَنَ ‌عَلَيْهِ ‌البَشَرُ) (رواه البخاري).

- الإشارة إلى أننا لا زلنا نتحدث عن بعض المعجزات خلال الفترة المكية.

1- انقطاع الكهانة وحراسة السماء بالشهب عند بعثته -صلى الله عليه وسلم-(1):

- كانت الجن قبل مبعث النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- يسترقون السمع من السماء، فيلقون ما يسمعون إلى أتباعهم من الكهنة، فلما بعث الله نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، حفظ الله السماء من الشياطين، وجعل عقاب مَن يحاول ذلك منهم إرسال الشهب عليه لتحرقه: قال -تعالى- عنهم: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا . وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا) (الجن:8-9)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌المَلَائِكَةُ ‌تَتَحَدَّثُ ‌فِي ‌العَنَانِ -وَالعَنَانُ: الغَمَامُ-، بِالأَمْرِ يَكُونُ فِي الأَرْضِ، فَتَسْمَعُ الشَّيَاطِينُ الكَلِمَةَ، فَتَقُرُّهَا فِي أُذُنِ الكَاهِنِ كَمَا تُقَرُّ القَارُورَةُ، فَيَزِيدُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذِبَةٍ) (رواه البخاري)، وعن ابن عباس قال: "إن الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعًا، فأما الكلمة فتكون حقًّا، وأما ما زادوه فيكون باطلًا، فلما بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس -ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك- فقال لهم إبليس: ما هذا إلا من أمر قد حدث في الأرض، فبعث جنوده، فوجدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائماً يصلي بين جبلين -أراه قال: بمكة- فلقوه فأخبروه، فقال: هذا الحدث الذي حدث في الأرض" (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

2- حماية الله له من مكايد المشركين لقتله -صلى الله عليه وسلم- بآيات خارقة(2):

- حفظه -صلى الله عليه وسلم- مِن محاولة أبي جهل قتله وهو يصلي: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قالَ أَبُو جَهْلٍ: هلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قالَ فقِيلَ: نَعَمْ، فَقالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذلكَ لأَطَأنَّ علَى رَقَبَتِهِ، أَوْ لأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ في التُّرَابِ، قالَ: فأتَى رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهو يُصَلِّي، زَعَمَ لِيَطَأَ علَى رَقَبَتِهِ، قالَ: فَما فَجِئَهُمْ منه إلَّا وَهو يَنْكُصُ علَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بيَدَيْهِ، قالَ: فقِيلَ له: ما لَكَ؟ فَقالَ: إنَّ بَيْنِي وبيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِن نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً. فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لو دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا) (رواه مسلم).

- حفظه -صلى الله عليه وسلم- من محاولة اعتداء امرأة أبي لهب عليه: عن أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَت: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) (المسد:1)، أَقْبَلَتِ الْعَوْرَاءُ أُمُّ جَمِيلِ بِنْتُ حَرْبٍ وَلَهَا وَلْوَلَةٌ، وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ، وَهِيَ تَقُولُ: مُذَمَّمًا أَبَيْنَا، وَدِينَهُ قَلَيْنَا، وَأَمْرَهُ عَصَيْنَا. وَالنَّبِيّ  -صلى الله عليه وسلم- جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا رَآهَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَنَا أَخَافُ أَنْ تَرَاكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّهَا لَنْ تَرَانِي) وَقَرَأَ قُرْآنًا فَاعْتَصَمَ بِهِ كَمَا قَالَ -تعالى-: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا) (الإسراء:45)، فَوَقَفَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلَمْ تَرَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ صَاحِبَكَ هَجَانِي. فَقَالَ: لاَ وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ مَا هَجَاكِ. فَوَلَّتْ وَهِيَ تَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي بِنْتُ سَيِّدِهَا" (رواه ابن حبان، والحاكم، وصححه الألباني).

قال ابن حجر -رحمه الله-: "يُقال: إن اسمها أروى والعوراء لقب، ويقال: لم تكن عوراء؛ وإنما قيل لها ذلك لجمالها" (فتح الباري).

- تنبيه: قد يورد بعض الناس، بأن الحفظ لماذا لم يشمل عموم الأذى، كحفظه مِن إلقاء سلا الجذور عليه -صلى الله عليه وسلم-، أو إلقاء التراب على رأسه ونحو ذلك.

والجواب: أن هذه الأمور جَرَت عليه ليكون قدوة للناس في تحمُّل الأذى في سبيل الله.

3- إخباره -صلى الله عليه وسلم- بنقض صحيفة قريش الظالمة بإرسال الأرضة عليها:

- إخباره -صلى الله عليه وسلم- بأن الأرضة قد نقضت صحيفة الظلم والحصار، وهو أمر غيبي لا يعلمه إلا الله: قال -تعالى-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ ‌لِيُطْلِعَكُمْ ‌عَلَى ‌الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا) (آل عمران:179).

قال المباركفوري -رحمه الله- في روضة الأنوار: "زادت حيرة المشركين إذ نفدت بهم الحيل، ووجدوا بني هاشم وبني عبد المطلب مصممين على حفظ النبي -صلى الله عليه وسلم-، فاجتمعوا على مقاطعة بني هاشم وبني عبد المطلب، وفرضوا عليهم حصارًا استمر زمنًا، لا يبايعونهم ولا يناكحونهم، ولا يخالطونهم، ومنعوا عنهم كل شيء تقريبًا، حتى يسلموا إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليقتلوه، وكتبوا بذلك صحيفة علَّقوها في جوف الكعبة، فجهد القوم حتى أكلوا أوراق الشجر، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على رغم ذلك مستمرًا في دعوته إلى الله، ولا سيما في أيام الحج.

ثم إن القوم قد حدث بين أشرافهم خلاف في الاستمرار في ذلك، فجاءهم أبو طالب وهم على خلافهم، وقال لهم: "إن ابن أخي أخبرني، أن الله سلَّط على صحيفتكم أرضة الأرض، فأكلت ما فيها من جور وقطيعة وظلم، ولم تترك إلا ذكر الله". وقال بعد ما أخبرهم بذلك: "فإن كان كاذبًا خلينا بينكم وبينه، وإن كان صادقًا رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا". فقاموا إلى الصحيفة فوجدوها قد أكلتها الأرضة إلا: "باسمك اللهم" وما فيها مِن اسم الله، فكان ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- آية من آيات الله رآها المشركون بأعينهم، لكنهم لم يزالوا مسترسلين في الغي، وأما الحصار فقد انتهى بعد ذلك، وخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومَن معه مِن الشِّعْب" (روضة الأنوار في سيرة النبي المختار للمباركفوري باختصارٍ يسيرٍ).

4- نزول ملك الجبال إليه -صلى الله عليه وسلم- وعرضه تحريك جبلي مكة وسحق المشركين بينهما انتقاماً له -صلى الله عليه وسلم-:

- كان ذلك مواساة للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد تكذيب أهل الطائف -ومِن قبلهم أهل مكة- لدعوته -صلى الله عليه وسلم- وإيذائه: عن عائشة -رضي الله عنها- أنَّها قالَتْ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: هلْ أتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كانَ أشَدَّ مِن يَومِ أُحُدٍ؟ قالَ: (لقَدْ لَقِيتُ مِن قَوْمِكِ ما لَقِيتُ، وكانَ أشَدَّ ما لَقِيتُ منهمْ يَومَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي علَى ابْنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عبدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلى ما أرَدْتُ، فانْطَلَقْتُ وأنا مَهْمُومٌ علَى وجْهِي، فَلَمْ أسْتَفِقْ إلَّا وأنا بقَرْنِ الثَّعالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فإذا أنا بسَحابَةٍ قدْ أظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْرِيلُ، فَنادانِي فقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وما رَدُّوا عَلَيْكَ، وقدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فَنادانِي مَلَكُ الجِبالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فقالَ: ذلكَ فِيما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ؟ فقالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ، لا يُشْرِكُ به شيئًا) (متفق عليه)(3).

خاتمة:

- كانت معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه المرحلة؛ لبيان دلائل نبوته -صلى الله عليه وسلم- لقومٍ يكذبون بها، وقد ختمت الفترة المكية بالمعجزة الكبيرة، وهي: "رحلة الإسراء والمعراج".

وهذا ما يأتي عليه الحديث في المرة القادمة -إن شاء الله-.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإشارة إلى اختلاف العلماء في استراق السمع من الجن قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم-، هل كانوا يُرمَون بالشهب؟ على قولين.

(2) الإشارة إلى اجتماع المشركين في دار الندوة، وتشاورهم في كيفية القضاء على الدعوة الجديدة، وحضور الشيطان في صورة الشيخ النجدي، واستقرارهم بعد مشاوراتٍ كثيرةٍ على قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن طريق جماعة من شباب القبائل كلها، يضربونه ضربة رجل واحد، وهو خارج من بيته، ليتفرَّق دمه بين القبائل، فلا تقدر بنو هاشم على الثأر، وتقبل الدية.

(3) فائدة: حول قوله -صلى الله عليه وسلم-: (بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ، لا يُشْرِكُ به شيئًا).

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "في هذا الحديث: بيان شفقة النبي -صلى الله عليه وسلم- على قومه، ومزيد صبره وحلمه، وهو موافق لقوله -تعالى-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ) (آل عمران:159)، وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107)".

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة