الجمعة، ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

توكَّلُوا على ربكم وسلِّموا له أمركم

بالتوكل على الله ينكشف الهم ويزول الغم وينزل النصر على المؤمنين

توكَّلُوا على ربكم وسلِّموا له أمركم
محمود قناوي
الأربعاء ٠٤ نوفمبر ٢٠١٥ - ١٣:٢٥ م
3833

توكَّلُوا على ربكم وسلِّموا له أمركم

كتبه/ محمود قناوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

قال تعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، وقال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).
فبالتوكل على الله ينكشف الهم ويزول الغم وينزل النصر على المؤمنين، قال تعالى على لسان موسى وقومه: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ . قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)، وقال تعالى عن حال نبينا محمد صلى الله عيه وسلم وصاحبه الصديق: (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا).
فاستبشر خيرًا يا فتى الإسلام:

لن يبلغ الأعداء فيك مرادهم *** كلا ولن يصلوا إليك بمكرهم
فلك البشارة بالولاء عليهم *** فالله يجعل كيدهم في نحــرهم

فما أجمل التوكل على الله وحسن الظن به والشكوى إليه وحده لا إلى أحد مِن خلقه، وما أعظم الثقة في الله تعالى وترك الأمر لله يفعل ما يشاء بحكمته، فلسنا مطالبين بالنتيجة، ولكن مطالبين بالأخذ بالأسباب، وكما قال الشاعر:

وعليَّ أن أسعى وليس *** عليَّ إدراك النجاح

ذكر السخاوي في ترجمة أحمد بن المجدي أنه صعد القلعة للاجتماع بالأشرف في قضية ضاق صدرًا بها، فما تيسر فرجع وقد تزايد كربه، فاتفق أنه دخل مدرسة قريبة مِن القلعة فتوضأ وصلى ركعتين ورفع رأسه فوجد بجانب محرابها مكتوبًا:

دعها سماوية تجري على قدر *** لا تعترضها بأمر منك تنفسد

فاستبشر بذلك وآلى إن قضى أمره أن يضمنه في أبيات فلم يلبث أن جاء قاصد السلطان بطلبه وحصل الغرض فقال في ذلك أبيات:

فقلت للفكر لما صار مضطربًا *** وخانني الصبر والتفريط والجلد
دعها سماوية تجري على قدر *** لا تعترضها بأمر منك تنفسد
فخفني بخفي اللطف خالقنا *** نعم الوكيل ونعم العون والمدد

فكن مع الله تغنم، وتوكل عليه تسلم، قال الشيخ عبد الله دان فوديو:

الله لي عدة في كل نائية *** أقول في كل حال حسبي الله
يا فارحًا بالمعاصي عند خلوته *** إن كنت ناسيها لم ينسَها الله

فتوكل على الله، واعلم أنه تعالى هو النافع الضار، ولا تخف مِن الموت أو السيف البتار؛ فكل شيء بمقدار.
قيل للخليفة المسترشد رحمه الله وقد أحاط به العدو: إلا تفر وتنجوا بنفسك، فأنشد رحمه الله:

قالوا تقيم وقد أحاط *** بك العدو ولا تفر
فأجبتهم المرء ما لم *** يتعظ بالوعظ غر
لا نلت خيرًا ما حييت *** ولا عداني الدهر شر
إن كنت أعلم أن غير *** الله ينفع أو يضر

وثبت الخليفة رحمه الله حتى قتل.

فما أجمل التوكل على الله والتسليم لقضائه؛ قال أحد السلف: شفاء الصدور في التسليم للمقدور، وقيل: لما وقع الوباء بالكوفة فرَّ ابن أبي ليلى على حمار فسمع منشدًا ينشده:

لن يسبق الله على حمار *** ولا على ذي منسر طيار
أو يأتي الحتف على مقدار *** قد يصبح الله أمام الساري

فقال: إذا كان الله أمام الساري فلا مهرب ورجع، وقديمًا قيل: رأس الدين صحة اليقين، مَن سابق القدر عثر ولا يكون إلا ما قدر الله.
وصدق الشاعر:

وإذا خشيت مِن الأمور مقدرًا *** وفررت منه فنحوه تتوجه

ذكر الإمام الشوكاني في ترجمة الفقيه الحسن بن صالح الحداد الصنعاني، أن الفقيه الزاهد العابد الحسن بن صالح المؤذن بجامع صنعاء، كمن له رجل مِن أهل الشر في الليل بجامع صنعاء وليس فيه أحد مِن الناس، فقام الرجل يشهر السلاح، فقال صاحب الترجمة: حسبنا الله ونعم الوكيل، واستسلم فسقط ذلك الرجل مغشيًّا عليه.

فتوكلوا على ربكم، وأحسنوا الظن به سبحانه، فهو القائل: "أنا عند حسن ظن عبدي بي"؛ فالأمور بيد الله، فما بين غمضة عين وانتباهها، يغير الله مِن حال إلى حال، فلا تنشغل بالأيام، وتقلبها وانشغل بربك الذي قلبها (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ).

لا يكن ظنك إلا حسنا *** إن سوء الظن من طبع اللئام

وكفى في ذمه لو عقلوا *** أنه نقص وإثم وحرام

كل من كان له معتمدا *** عدم النفع بأنواع الأنام

أحسن الظن بمولاك تفز *** إن حسن الظن برء وسلام

والتوكل على الله عز وجل وتعلق القلب به ليس معناه ترك الأخذ بالأسباب؛ فسيد المتوكلين النبي عليه الصلاة والسلام لم يترك الأخذ بالأسباب، بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأخذ بالأسباب، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أعقلها وتوكل".
جاء في كتابه (نفح الطيب) أنه قيل لعارف: إن كنت متوكلًا فألق بنفسك مِن هذا الحائط فلن يصيبك إلا ما كتب الله لك، فقال: إنما خلق الله الخلق ليجربهم لا ليجربوه.
وذكر صاحب تراجم أندلسية: أن ابن الأغلب صاحب ميرقة كتب إلى ابن رشيق القيرواني يستدعيه في البحر في وقت يصعب فيه ركوب البحر؛ فأجابه بهذين البيتين:

أمرتني بركوب البحر مغتررًا *** عليك غيري فأمـــــــــره بذا الراء
ما أنت نوح فتنجيني سفينته *** ولست عيسى أنا أمشي على الماء

وأخيرًا: أسأل الله عز وجل أن يجعلنا وكل المسلمين مِن عباده المتوكلين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة