السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

قصة شهيد القرآن.. أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي

وكان من الذين ثبتوا على قولهم: إن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق

قصة شهيد القرآن.. أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي
محمود قناوي
الخميس ٠٣ ديسمبر ٢٠١٥ - ١٢:٢٨ م
8509

قصة شهيد القرآن

أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي

كتبه/ محمود قناوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

كان البطل العلامة الشيخ أحمد بن نصر من أهل العلم والديانة، والعمل الصالح، والاجتهاد في الخير، وكان من أئمة السنة، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وكان من الذين ثبتوا على قولهم: إن القرآن  كلام الله منزل غير مخلوق، وكان الخليفة الواثق من أشد الناس في القول بخلق القرآن، يدعو إليه سرًّا وجهرًا، ليلًا ونهارًا.

فقام أحمد بن نصر بدعوة الناس إلى عدم قبول هذه البدعة، فبايع ألوف من الناس أحمد بن نصر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقبض الواثق عليه وأحضره أمام القاضي المعتزلي أحمد بن أبي دواد، وقال له الواثق: ما تقول في القرآن؟

فقال أحمد بن نصر: كلام الله.

قال الواثق: أمخلوق هو؟

فرد أحمد بن نصر قائلًا: هو كلام الله.

وكان أحمد بن نصر قد استقتل وباع نفسه إلى الله، وحضر وقد تحنط وتنور وشد على عورته ما يسترها.

فقال له الواثق: فما تقول في ربك، أتراه يوم القيامة؟

فقال: يا أمير المؤمنين؛ قد جاء القرآن والأخبار بذلك، قال الله تعالى: (وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم ترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته"، فنحن على الخبر.

فقال الواثق لمن حوله: ما تقولون في هذا الرجل؟

فقال القاضي أحمد بن دواد: هو كافر يُستتاب لعل به عاهة أو نقص عقل.

فقام الواثق إليه وضربه بالسيف حتى قتله، ثم حز رأسه ثم صلبه، وظل مصلوبا سبع سنوات، وبعد تولية الخليفة المتوكل الذي نصر السنة وقمع البدع،  أمر أن ترسل جثته إلى أهله، فلما جاءوا بجثته أنزلوا الرأس ثم صيروه مع الجثة ثم غسلوه وندفوا القطن وجعلوه تحته وفوقه، وجعلوا العظام مع الرأس، ثم دفنوه بالقطن، فحضر جنازته عدد كبير، وخرجوا به إلى موضع واسع من كثرة الخلق.

قال جعفر بن محمد الصائغ: سمعت أحمد بن نصر حين ضربت عنقه يقول رأسه: "لا إله الا الله"، وسمعه بعض الناس وهو مصلوب يقرأ: (الم . أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون)، قال عبيد الله بن عمر القواريري: رأيت أحمد بن نصر الذي كان قتله الواثق في المنام، فقال: أول ما فعل بي ربي أن غفر لكل من كره قتلي.

قال أحمد بن حنبل عن أحمد بن نصر رحمه الله: ما أسخاه بنفسه لله، لقد جاد بنفسه له انتقام الله ممن قتلوا أحمد بن نصر.

قال عبد العزيز صاحب كتاب الحيدة: قيل للمتوكل: يا أمير المؤمنين؛ ما رأينا أعجب من أمر الواثق، قتل أحمد بن نصر وكان لسانه يقرأ القرآن إلى أن دُفن، فوجل المتوكل من كلامه وساءه ما سمع في أخيه الواثق، فلما دخل عليه الوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات قال له المتوكل: في قلبي شيء من قتل أحمد بن نصر. فقال يا أمير المؤمنين: أحرقني الله بالنار إن لم يكن كافرًا. ودخل عليه هرتمة، فقال له في ذلك: فقال: قطعني الله إربًا إربًا إن قتلته إلا كافرًا. ودخل عليه القاضي أحمد بن دواد، فقال له مثل ذلك، فقال: ضربني الله بالفالج إن قتله الواثق إلا كافرًا.

قال المتوكل: فأما ابن الزيات فأنا أحرقته بالنار، وأما هرتمة فقد قطعته قبيلة خزاعة إربًا إربًا، وأما ابن أبي دواد فقد سجنه الله في جسده "يعني بالفالج" قبل موته بأربعة سنين.

وذكر ابن الأثير نهاية ابن الزيات بالتفصيل فقال: لما ولي الخلافة المتوكل أمهل حتى كان صفرًا، فأمر إيتاخ بأخذ ابن الزيات وتعذيبه، فاستحضره فركب يظن أن الخليفة يستدعيه، فلما حاذى منزل إيتاخ عدلا به إليه، فخاف فأدخله حجرة، ووكل عليه وأرسل إلى منازله من أصحابه من هجم عليها، وأخذ كل ما فيها واستصفى أمواله، وأملاكه في جميع البلاد، وكان شديد الجزع كثير البكاء والفكر، ثم سوهر وكان ينخس بمسلة لئلا ينام، ثم ترك فنام يومًا وليلة، ثم جعل في تنور عمله هو وعذب به ابن أسماط المصري وأخذ ماله، فكان من خشب فيه مسامير من حديد أطرافها إلى داخل التنور وتمنع من يكون فيه من الحركة، وكان ضيقًا بحيث إن الإنسان كان يمد يديه إلى فوق رأسه ليقدر على دخوله لضيقه ولا يقدر من يكون فيه يجلس، فبقي أيامًا فمات، وكان حبسه لسبع خلون من صفر وموته لإحدى عشرة بقيت من ربيع الأول. واختلف في سبب موته فقيل كما ذكرناه، وقيل: بل ضرب فمات وهو يضرب، وقيل: مات بغير ضرب وهو أصح، فلما مات حضره ابناه سليمان وعبيد الله، وكانا محبوسين وطرح على الباب في قميصه الذي حبس فيه، فقالا: الحمد لله الذي أراحنا من هذا الفاسق. وغسلاه على الباب ودفناه، فقيل: إن الكلاب نبشته وأكلت لحمه، قال: وسمع قبل موته يقول لنفسه: يا محمد؛ ألم تقنعك النعمة، والدواب، والدار النظيفة، والكسوة وأنت في عافية حتى طلبت الوزارة؛ ذُق ما عملت بنفسك، ثم سكت عن ذلك. هكذا كانت نهاية ابن الزيات.

وأما الخليفة الواثق فقد ذكر السيوطي نهاية الواثق في تاريخ الخلفاء فقال: أما الواثق فعندما مات اشتغل الناس ببيعة المتوكل فجاء جرذون فاستل عينه فأكلها.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة