السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

إنه كان ظلومًا جهولًا

عندما تقدم العاطفة تجد الكوارث والمصائب

إنه كان ظلومًا جهولًا
خالد آل رحيم
الأربعاء ١٦ ديسمبر ٢٠١٥ - ١٠:٢٩ ص
1184

إنه كان ظلومًا جهولًا

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الأصل في الإنسان ظلمه وجهله فسوء القصد وسوء العمل آفتان من آفاته؛ قال الله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا).
قال البقاعي: (ظلومًا): أي يضع الشيء في غير محله؛ كالذي في الظلام لما غطى من شهواته على عقله، ولذلك قال (جهولًا).
أي جهله يغلب على حلمه فيوقعه في الظلم، وأجمل ما قيل في ذلك كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والإنسان خلق ظلومًا جهولًا، فالأصل فيه عدم العلم وميله إلى ما يهواه مِن الشر، فيحتاج دائمًا إلى علم مفصل يزول به جهله، وعدل في محبته وبغضه ورضاه وغضبه وفعله وتركه وإعطائه ومنعه وأكله وشربه ونومه ويقظته، فكل ما يقوله ويعمله يحتاج فيه إلى علم ينافي جهله وعدل ينافي ظلمه، فإن لم يمن الله عليه بالعلم المفصل والعدل المفصل؛ كان فيه من الجهل والظلم ما يخرج به عن الصراط المستقيم، وقد قال الله تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) إلى قوله تعالى: (وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)، فإذا كان هذا حاله في آخر حياته أو قريبًا منها، فكيف حال غيره" اهـ.

ومن أنواع ظلم الإنسان لنفسه ولغيره وجهله على نفسه وعلى غيره: تحكيم العاطفة دون غيرها في أمور شرعية تُعد من النوازل يُجمع لها العلماء كما كان يُجمع الصحابة من أجلها، والعاطفة هي أمر جبلي في الإنسان، ولكن عندما لا تنضبط بالشرع تنحرف بصاحبها عن الحق.

والعاطفة لغةً كما عرَّفها العلماء هي: العطف والإشفاق والميل والحنو.
واصطلاحًا: هي شعور أليم أو سار ثابت مستقر في أعماق النفس حول شيء معين كلما رأته العين أو سمعت به الأذن أو خطر على البال؛ صاحَبه ذلك الشعور السار أو المؤلم.
والعاطفة لها أثر بالغ في حياة المرء، وقد تتحكم فيه بالكلية ما لم يضبطها بالشرع، وأروع الأمثلة على ذلك موقف إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السلام: )فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)، جاء الأمر لإبراهيم عن طريق الرؤيا -ورؤيا الأنبياء حق- بذبح فلذة كبده الصغير؛ فلم تأخذه العاطفة التي تمنع ذلك حتمًا، فمن يستطيع فعل هذا الأمر مع أي من البشر، فضلًا عن غلام صغير، بل فضلًا عن ابنه الذي جاءه على كبر؟! ولكن إبراهيم يضبط العاطفة بالشرع، وأخبر الغلام بما رأى؛ فكان رد الغلام: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ).
وعندما حان وقت تنفيذ الأمر الإلهي )فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ . وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)، فالعاطفة تأبى ما فعله إبراهيم عليه السلام جملة وتفصيلًا، ولكنه عندما ضبطها بالشرع لم يكن أمامه إلا تنفيذ أوامر الله تعالى، ولذلك كان الفرج من الله تعالى )وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ).

ولذلك عندما تقدم العاطفة تجد الكوارث والمصائب من اتخاذ مواقف عشوائية مدمرة تقضي على الأخضر واليابس في الحياة الدنيا، مع الخطورة المتوقعة لصاحبها وهو مقبل على الآخرة؛ لأنه يتحرك بناء عليها دون حسابات مستمدة من قواعد وأصول منضبطة بالشرع، وهو ما يؤدى إلى وضع الشيء في غير محله كما قال البقاعي رحمه الله.

والله من وراء القصد.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة