الجمعة، ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

نعمة السجود في شهر الجود

اسألوا من فقد هذه النعمة.. تجدوه يشعر بالحرمان الحقيقي

نعمة السجود في شهر الجود
محمد شكري
السبت ٠٩ يوليو ٢٠١٦ - ٢١:٤٢ م
1419

نعمة السجود في شهر الجود

كتبه/ محمد شكري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

إن الله عز وجل قد وهبنا نعما لا تعد ولا تحصى، وليست النعم إذا ذُكرت فهي الطعام والشراب والزواج والأولاد؛ بل إن فى الدنيا نعما أكبر من ذلك قد لا تستشعرها إلا إذا فقدتها، ولا شك أن أفضل النعم ما كان سببا للقرب من الله وابتغاء مرضاته والوصول إلى محبته؛

فمن هذه النعم نعمة السجود فمن أراد القرب من الله ومناجاته فعليه بالسجود ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ) [ العلق :19 ]

إن لحظات السجود هي القرب الحقيقي بين العبد وبين الله، فيه أشواق المحبين ومطالب المحتاجين. فان أعظم نعيم الدنيا القرب من الله.

تصفو بالسجود الروح، فتكون كالطير الذي يحلق فى فضاء واسع "فضاء العبودية"، طير طليق فُك من أسر كل عبودية من دون الله جل وعلا، كلما ازداد العبد فيها افتقارا امتلأ قلبه بالله غنى، وكلما ازداد ذلا لله زاده الله عزا؛ قال صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء). رواه مسلم.

من أراد الجنة .. ومن أراد أحب الأعمال إلى الله.. ومن أراد الرفعة.. ومن أراد أن تحط عنه خطيئة.. فعليه بالسجود..

أخرجَ مسلمٌ في صحيحه عَنْ معْدَانَ بن أبِي طلحةَ اليَعْمُرِيّ قال: لقيت ثوبانَ مولى رسول الله  فقلت له: أخبرني بعمل أَعْمَلُهُ يدْخلُني اللهُ به الجنّة أو قال: قلت: بأحب الأعمال إلى الله فسكت، ثم سألته فسكت، ثم سألته الثالثة فقال: سألت عن ذلك رسولَ الله  فقال: ((عليكَ بكثْرَةِ السُّجودِ لله؛ فإنك لا تَسْجُدُ للهِ سَجْدَة إلا رفعَكَ اللهُ بها درجة وحطَّ عنكَ بها خطيئة))، قال معدان: ثم لقيتُ أبا الدرداء فسألتُه، فقال لي مثلَ ما قالَ لي ثوبان.

ومن اشتاقَ للقاءِ الرسولِ  وتمنى مرافقته في الجنان فعليهِ بكثرةِ السُّجودِ..

هذا ربيعةَ بنِ كعبٍ الأسلميِّ قال: كنتُ أبيتُ معَ رسولِ اللهِ  فآتيهِ بوضوئِه وحاجتِه؛ فقالَ لي: ((سلْ))؛ فقلتُ: أسألُك مرافقتَك في الجنَّة، قال: ((أوَغيرَ ذلك؟)) قلت: هو ذاك، قال: ((فأعنِّي على نفسِكَ بكثرةِ السُّجُود)).رواه مسلم

من أراد أن يعتزله الشيطان فعليه بالسجود..

قال صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول يا ويلاه، أُمِر هذا بالسجود فسجد فله الجنة وأُمِرت أنا بالسجود فعصيت فلي النار) أخرجه مسلم.

السجود عبادة كل المخلوقات..

قال ابنُ كثيٍر رحمهُ الله في تفسيرِ هذهِ الآية: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ)  أيْ: من الملائكةِ في أقطارِ السماوات والحيواناتِ في جميعِ الجهات من الإنسِ والجنِّ والدوابِّ والطير. وقوله:  وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ،  إنما خصَّ الشمسَ والقمرَ والنجومَ بالذكر لأنها قدْ عُبدتْ من دونِ الله، فبيَّن أنها تسجدُ لخالقِها وأنَّها مربوبةٌ مسخَّرةٌ".

عن أبي ذرٍّ رضيَ اللهُ عنهُ قال: قال رسولُ اللهِ : ((إني أرى ما لا ترون، وأسمعُ ما لا تسمعون، إنَّ السماءَ أطَّتْ ـأيْ: إنَّ كثرةَ ما فيها منَ الملائكة قدْ أثْقَلَهَا حتى أطَّت، أي: ثَقُلَتْ مِنْ كَثْرَةِ الملائكةـ وحُقَّ لها أنْ تئِطَّ ـأيْ: تَثْقُلَ بالملائِكة ـ؛ ما فِيها موضعُ أربعِ أصابعَ إلا وملكٌ واضعٌ جبهتَهُ ساجدًا لله. والله، لو تعلمون ما أعْلمُ لضحِكْتُم قليلا ولبكَيْتُمْ كثيرًا، وما تلذذتُم بالنِّسَاءِ على الفُرُشاتِ)) رواه أحمدُ

.السجود من سمت أصحاب النبي..

(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)  [الفتح:29]، والسِّيما التي في الوجوهِ من أثرِ السجود تحملُ معانيَ كثيرة، أوردَهَا الحافظُ ابنُ كثيرٍ في تفْسِيِره منها: "قال عليُّ بنُ أبي طلحةَ عنِ ابنِ عبَّاس:  سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ  يَعْنِي: السَّمتُ الحسن، وقالَ مجاهدٌ وغيُره: يعني الخشوعَ والتواضع.

السجود علامة المؤمنين المخلصين يوم القيامة..
لما ذكر تعالى أن للمتقين عنده جنات النعيم فقال: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ(
عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ) " يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا) " . الصحيحين

حب السلف للسجود..

القدوةُ الرباني أبو يزيد الربيعُ بنُ خيثم، كانَ رحمَهُ الله إذا سجد كأنه ثوبٌ مطروح، فتجيءُ العصافيرُ فتقعُ عليه. فسجودُهُ فيهِ هدوء وعدمُ حركةٍ وخشوعٌ وطول أيضًا، كالثوب المطروح، ومن طول سجوده تظنُّ العصافيرُ أنهُ ليسَ بإنسانٍ ذي حركة فتقعُ عليه.

وقال أبو الدرداء: (لولا ثلاثٌ ما أحببْتُ البقاءَ في الدنيا: ساعةُ ظمأٍ في الهواجر ـ يعني: صيامٌ في شدة الحرـ، والسجودُ في الليل، ومجالسة أقوامٍ ـ أي: أصدقاءٍ صالحين ـ ينتقون أَطَايبَ الكلام كما ينتقي أحدُهُمْ أطايبَ التَّمْر).

وقال أبو داود: كان أبو بكرٍ بنُ عبدِ الرحمنِ المخزوميّ إذا سجد يضعُ يدَهُ في طشتِ ماءٍ منْ علّةٍ كان يجدها، أي: يجعل يدَه التي تؤلمُهُ من وجعٍ بها في طشتٍ فيه ماء؛ لتخفِّفَ هذا الألمَ في السجود، لا يريد أن يكونَ هذا الوجع سببًا في صرفِهِ عنِ السُّجُود، فاستعملَ الماءَ في الطشت ليهوِّن الألمَ عن يدِه ويتلذذَ في سجوده.

وكان محمدُ بن شجاع صاحب تعبدٍ وتهجدٍ وتلاوةٍ، ثم ماتَ وهو ساجدٌ لله تعالى.

ويروى عن علي بن عبد الله بن عباس أنه كان يسجد في كل يوم ألف سجدة وكانوا يسمونه السجاد .

وفى رمضان أكثر من  3000 سجدة .. نعمة كبيرة لابد أن تُغتنم للقرب ونشكر الله عليها.

واسألوا من فقد هذه النعمة.. تجدوه يشعر بالحرمان الحقيقي؛ يتنمى لو وضع الجبهة على الأرض ولو مرة واحدة.

اللهم وفقنا لشكرك على نعمة السجود وعلى الاكثار منه .. اللهم إنا نسألك أن تختم لنا بخاتمة السعداء .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة