الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الركن الشديد!

وكــل الـحادثـات إذا تـنـاهـت فـمـوصـول بهـا الـفرج القريب

الركن الشديد!
عصام زهران
الخميس ١٣ ديسمبر ٢٠١٨ - ١٧:٢٥ م
887

الركن الشديد!

كتبه/ عصام زهران

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعندما تتوالى الشدائد على المؤمن، يحل الصمت بداخله، ويشعر بغصةٍ في صدره؛ حينها يستجمع كل ما قرأه وسمعه عن نصرة الله لعباده الضعفاء، وتلوح أمامه: (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى? رُكْنٍ شَدِيدٍ) (هود:80).

إن الله هو مولانا، فنعم المولى ونعم النصير.

- (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) (هود:77).

- الشدائد والفتن والصعاب في بدايتها تكون قوية؛ لعدم اتضاح الرؤية فيها ثم تنجلي شيئًا فشيئًا.

- يتألم المؤمن ويشعر بالجَهد والمشقة عندما ييأس مِن المفسدين العصاة (وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ)، (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (الشعراء:3).

- هكذا الدنيا يومان: يوم لك ويوم عليك، يوم تُسَرُ ويوم تُسَاء، فالأنبياء قاسوا الأمَرّيّن مِن قومهم، وذاقوا آلامًا كثيرة ثم كانت العاقبة للمتقين.

كان شيخ الإسلام ابن تيمية يستدل بقوله -تعالى-: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف:128)، وبأمثالها -إبان هجوم التتار على بلاد الإسلام، وكان يقسم بالله أن التتار لن ينصروا، بل سيخذلون وينكسرون، وكان مما قاله حينها: "واعلموا -أصلحكم الله- أن النصرة للمؤمنين والعاقبة للمتقين، وأن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. وهؤلاء القوم مقهورون مقموعون، والله -سبحانه وتعالى- ناصرنا عليهم، ومنتقم لنا منهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فأبشروا بنصر الله -تعالى- وبحسن عاقبته، وهذا أمر قد تيقناه وتحققناه، والحمد لله رب العالمين (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء:105)".

ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى الاستبشار حيث يرى المسلمون الكثير مِن صنوف الإحباطات والهزائم، وألوان القهر والنكد؛ مما أدى إلى سيادة روح التشاؤم واليأس، وصار الكثيرون يشعرون بانقطاع الحيلة والاستسلام للظروف والمتغيرات، وأفرز هذا الوضع مقولات يمكن أن نسميها بـ(أدبيات الطريق المسدود)! هذه الأدبيات تتمثل بالشكوى الدائبة مِن كل شيء، مِن خذلان الأصدقاء، ومِن تآمر الأعداء، مِن تركة الآباء والأجداد، ومِن تصرفات الأبناء والأحفاد!

فمِن صدق الله لم ينله أذى، ومَن رجاه يكون حيث رجا.

وقال ابن دريد: أنشدني أبو حاتم السجستاني:

إذا اشتمَلتْ على اليأس القلوب وضاق لما به الصدر الرحيب

وأوطــأت المـكـاره واطـمأنت وأرسـت في أماكـنها الخـطـوب

ولم تـر لانـكـشـاف الـضـر وجهـًـا ولا أغنى بحـيـلـته الأريب

أتــاك عــلى قــنـوط مـنـك غـوث يمنُّ به اللطـيف المستجيب

وكــل الـحادثـات إذا تـنـاهـت فـمـوصـول بهـا الـفرج القريب

إذا تضايق أمر فانـتـظر فرجًا            فأقرب الأمر أدناه إلى الفرج

إن الشدائد -مهما تعاظمت وامتدت- لا تدوم على أصحابها، ولا تخلد على مصابها؛ بل إنها أقوى ما تكون اشتدادًا وامتدادًا واسودادًا، أقرب ما تكون انقشاعًا وانفراجًا وانبلاجًا، فيأتي العون مِن الله والإحسان عند ذروة الشدة والامتحان، وهكذا نهاية كل ليل غاسق، فجرٌ صادق.

فـما هي إلا سـاعـة ثم تنـقـضي         ويحمد غِبَّ السير مَن هو سائر

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة