الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

صفات عباد الرحمن (9) اجتناب الزنا

العفة والتصون عن الزنا من أسباب دخول الجنة ونيل المنازل في الآخرة

صفات عباد الرحمن (9) اجتناب الزنا
سعيد محمود
الثلاثاء ١٩ نوفمبر ٢٠١٩ - ١٨:١٧ م
933

صفات عباد الرحمن (9) اجتناب الزنا

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- الإشارة إلى الشاهد مِن الآيات: قال الله -تعالى-: (وَلَا يَزْنُونَ) (الفرقان:68).

- الإشارة إلى قبح الزنا حيث قُرن بالشرك والقتل: قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "هذه الثلاثة؛ لأنها من أكبر الكبائر: فالشرك فيه فساد الأديان، والقتل فيه فساد الأبدان، والزنا فيه فساد الأعراض".

(1) فضل العفة والتصون عن الزنا:

- جعل الله -سبحانه- التعفف من الزنا والتصون منه من أعظم صفات الصالحين: قال -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (المؤمنون:1-6).

- العفة والتصون عن الزنا من أسباب دخول الجنة ونيل المنازل في الآخرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ) (رواه البخاري)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ... ) وذكر منهم: (وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ) (متفق عليه).

- وفي قصة يوسف -عليه السلام-، والثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار، أبلغ دليل على فضيلة العفة وحسن عاقبتها.

(2) قبح الزنا وأثره على الإيمان:

- أجمعت الشرائع السماوية على تحريم الزنا: قال الله -تعالى-: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الأنعام:151)، وقال -تعالى-: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) (الاسراء:32).

- الزنا يعرِّض دين العبد للخطر، ويوشك أن يسقط في هاوية الكفر بسببه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذَا زَنَى الْعَبْدُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ فَكَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ عَادَ إلَيْهِ الْإِيمَانُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- الزنا يعرِّض المجتمع الذي ينتشر فيه إلى الخراب: (الأمراض الفتاكة - ضنك المعيشة - ظلم الحكام - ...)، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا ظهرَ الزِّنا والرِّبا في قَريةٍ، فقد أَحَلُّوا بأنفسِهم عذابَ اللهِ) (رواه الطبراني، والحاكم، وصححه الألباني).

- ولذا توعد الله كل مَن يعين على انتشار الفواحش بأشد العذاب: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النور:19).

(3) أضرار الزنا وعاقبته:

أولاً: في الدنيا:

- أضرار صحية: (أمراض الزهري والسيلان ونحوهما - ضعف الأعصاب والاضطراب النفسي - 95% من حالات مرض الإيدز بسبب الزنا).

- أضرار معنوية: (يعمي القلب ويطمس نوره - يحقر النفس ويسقط كرامتها عند الله وعند الناس - يكسو صاحبه سواد الوجه - يمحق بركة العمر- إلخ).

- الجزاء من جنس العمل: قالوا:

مَـن يـزنِ يُزنَ به ولو بـجـداره          إن كـنـت يا هـذا لبـيـبـًا فافـهـم

يـا هـاتـكـًا حُرَمَ الرجـال وتابعًا          طـرق الفساد عشت غيرَ مكرم

- استحقاق حد الزنا: عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (خُذُوا عنِّي خُذُوا عنِّي، قدْ جعل اللهُ لهنَّ سَبِيلًا، البِكرُ بالبِكرِ؛ جَلدُ مِائةٍ، ونَفْيُ سَنةٍ، والثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ، جَلدُ مائةٍ والرَّجْمُ) (رواه مسلم)، قال -تعالى-: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) (النور:2).

ثانيًا: في القبور:

- يعذَّب الزناة في قبورهم إلى يوم القيامة عراة كما كانوا حال الزنا، ويركز على مواضع الشهوة التي مارسوا بها الزنا: ففي حديث رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ، قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا... ) أي: صاحوا مِن شدة حره. وفيه: (وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي) (رواه البخاري)، فهذا عذابهم إلى يوم القيامة.

ثالثًا: في الآخرة:

- توعدهم الله بأشد العذاب: قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) (الفرقان:68-69)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ رجُلٍ مِن الْقَاعِدِين يَخْلُفُ رجُلًا مِنَ المُجاهدينَ في أهلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِم إلَّا وَقَفَ لهُ يَوْمَ الْقِيامةِ، فَيأخُذُ مِن حسَناتِهِ مَا شَاءَ حَتَّى يَرضى) ثُمَّ الْتَفت إليْنَا رسُولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: (مَا ظَنُّكُمْ؟) (رواه مسلم)، وفي رواية: (مَا ظَنُّكُمْ تُرَوْنَ يَدَعُ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْئًا) (رواه النسائي، وصححه الألباني)، وحديث المفلس دليل على شمول ذلك كل معتدٍ على الأعراض، فإنه يُؤخذ من حسناته، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ، فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ) (متفقٌ عليه)؛ فكيف بالزناة مع الحور العين؟!

(4) تدابير وقائية في الشريعة الإسلامية لمنع الزنا(1):

- تمهيد: يعتبر إصلاح القلب وتطهيره وتعميره بتقوى الله ومراقبته هو أعظم رادع عن المعاصي: غير أن الشريعة المطهرة لم تكلنا الى ذلك، فقد نضعف؛ ولذا جعلت هذه التدابير.

1- فرض الحجاب على النساء، واعتبار قرارهن في البيوت هو الأصل في دائرة عملهن: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) (الأحزاب:33)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (المَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

2- تحريم التبرج وإظهار الزينة: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) (الأحزاب:33).

3- الأمر بغض البصر(2): (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) (النور:30)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ... ) (متفق عليه).

4- تشريع الاستئذان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (النور:27-28).

5- تحريم مس الأجنبية ومصافحتها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).

6- تحريم الخلوة بالأجنبية: قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

7- تحريم سفر المرأة بعير محرم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) (متفق عليه).

8- تحريم خروج المرأة متطيبة متعطرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ، وَكُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ) (رواه أبو داود والترمذي وابن حبان واللفظ له، وحسنه الألباني).

9- تحريم الخضوع بالقول: قال الله -تعالى-: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) (الأحزاب:32).

10- تحريم الاختلاط: قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) (الأحزاب:53).

خاتمة:

- نداء إلى أولياء النساء: احذروا مخالفة هذه الأحكام، وترك هذه التدابير؛ وإلا فلن ينفع يومئذٍ بكاء ولا ندم، قال الشاعر:

أتـبـكـي عـلـى لبنى وأنت قتلتها         لقد ذهبت لبنى فما أنت صانع؟!

فاللهم استر عورات المسلمين، واحفظ أعراضهم، وارزقنا صفات عبادك المتقين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سنذكرها كعناوين دون تفصيل لعدم الإطالة؛ وإلا فكل واحد منها يحتاج إلى حديثٍ منفردٍ (انظر كتاب "عودة الحجاب" لشيخنا د. محمد إسماعيل).

(2) مِن أعظم المفسدات في هذا الباب: (وسائل الإعلام والاتصالات العصرية التي سهَّلت ذلك إلى أسوأ درجة).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة