الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (110) دعوة إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- لأبيه وقومه إلى التوحيد وبراءته من الشرك (14)

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (110) دعوة إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- لأبيه وقومه إلى التوحيد وبراءته من الشرك (14)
السبت ٠١ أبريل ٢٠٢٣ - ١٠:٣٧ ص
60

 

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (110) دعوة إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- لأبيه وقومه إلى التوحيد وبراءته من الشرك (14)

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقال الله -تعالى-: (‌وَإِذْ ‌قَالَ ‌إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ . فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ . فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ . إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ . وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ . وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام: 74-83).

قوله -تعالى-: (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) فيه فوائد: 

الفائدة الثالثة: 

هذه الآية الكريمة تهدم هدمًا كاملًا كليًّا، ما اخترعه كفارُ زماننا وزنادقتهم ممَّا سموه زورًا وبهتانًا: "الدِّين الإبراهيمي الجديد!"، القائم على مساواة الملل، وإن بدأوا بالأديان الثلاثة: -اليهودية والنصرانية والإسلام-، لكنهم يقررون مساواة جميع الملل ويصوبونها كلها، وهي بدعة كفرية شركية اخترعها الأوروبيون منذ الثورة الفرنسية، واستغلها اليهود وروَّجوا لها؛ لهدم جميع الأديان ليبقى لهم دينهم في ظنهم، وهم لا يتأثرون بهذه الدعوات -بتوحيد الأديان والملل-؛ لأنهم لا يقبلون غير دينهم الذي يتعصبون له. 

وهذه الدعوة الخبيثة المنكرة التي يروَّج لها بمصطلحاتٍ مختلفةٍ: "كالعائلة الإبراهيمية" التي يظنون أنها تخدع المسلمين، والتي لا يشك مسلم في بطلانها؛ لأن الأخوة الإيمانية لا تثبت إلا لأهل الإسلام، كما قال الله -تعالى-: (‌إِنَّمَا ‌الْمُؤْمِنُونَ ‌إِخْوَةٌ) (الحجرات: 10)

وأما أخوة النَّسَب إن ثبتتْ؛ فهي لا تجتمع مع المحبة مع وجود الكفر؛ لقول الله -تعالى-: (‌لَا ‌تَجِدُ ‌قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة: 22).

ولا شك أن بناء ما يُسمَّى بـ"العائلة الإبراهيمية" في زماننا مِن: مسجدٍ، وكنيسة، وكنيس يهودي -لترسيخ هذه المبادئ الضالة المنحرفة التي تسعى لمساواة الملل- لا بد من رفضه وإبائه؛ خاصة أن بقية المخطط يهدفُ إلى إزالة الدول المعاصرة، وتكوين ما يُعرَف: بالشرق الأوسط الجديد، وتكوين الولايات المتحدة الإبراهيمية التي ستكون مبدئيًّا في ظنهم -نسأل الله أن يُخَيَّب ظنهم- اتحادًا كونفدراليًّا بين دول المنطقة، ينتهي إلى اتحادٍ فيدرالي -كما يظنون!-. 

وهذا كما أن فيه هدم فكرة دين الإسلام؛ ففيه هدم فكرة الدولة القومية المعاصرة التي يمكن أن تجتمع مع الدِّين، أما مع اعتقاد أن مساواة الأديان واتحاد هذه دول مع العداوة التاريخية المبنية على العقيدة -في الحقيقة-؛ فإن هذا فيه طمس للهوية بالكلية، ولا يمكن لعاقلٍ أن يبيع دينه ودنياه لأجل إرضاء اليهود. 

لذلك نقول: لا بد مِن الحذر التام مِن هذه الأفكار الخبيثة، وإنما يبحثون في تراث مَن ينتسِبون الى الإسلام، ممَّن يقول بوحدة الأديان؛ لأجل أن يروِّجوا هذه الفكرة، وهؤلاء هم الصوفية الغلافة الفلاسفة، أصحاب وحدة الوجود الذين يصوِّبون جميع الملل! 

كما حكى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن شيخٍ مقدَّم في زمنهم، جاءه مَن يريد أن يسلك على يديه ويكون مريدًا؛ قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وبسبب الخروج عن الشريعة صار بعضُ أكابر الشيوخ عند الناس -ممَّن يقصده الملوك والقضاة، والعلماء والعامة-، على طريقة ابن سبعين؛ قيل عنه أنه كان يقول: البيوت المحجوجة ثلاثة: مكة، وبيت المقدس، والبندر الذي للمشركين بالهند! وهذا لأنه كان يعتقد أن دينَ ‌اليهود ودين النصارى حق! 

وجاء بعض إخواننا العارفين قبل أن يعرف حقيقته، فقال له: أريد أن أسلك على يديك، فقال: على دين ‌اليهود والنصارى أو المسلمين؟ فقال له: ‌اليهود والنصارى ليسوا كفارًا؟! قال: لا تُشَدِّد عليهم، لكن دين الإسلام أفضل!" (الاستغاثة في الرد على البكري، ص 306).

وقال الذهبي -رحمه الله-: "قال شيخُنَا عماد الدين الواسطي، وكان مِن أكبر المُحطِّين عليه لِمَا رأى منه -أي: على ابن هود؛ الذي كان يقول بوحدة الوجود، والعياذ بالله-: أتيتُه وقلتُ له: أريد أن تُسلِّكَني. فقال لي: مِن أي الطُرق تريدُ أن تسلُك: من المُوسوية أو العيسوية أو المحمدية؟! أي: أنَّ كُلَّ الملل توصل إلى الله!" (تاريخ الإسلام، 15/ 905).

وهذا الكفر -الذي لا بد مِن ردِّه- يُنَاقِض أصلَ دين الإسلام، المعلوم من الدِّين بالضرورة: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"؛ فإن اليهود والنصارى، فضلًا عن غيرهم من الهندوس عُبَّاد البقر، والبوذيين عباد بوذا؛ كل هؤلاء لا يفردون الله بالإلهية، وذلك كما قال الله -عز وجل-: (‌وَقَالَتِ ‌النَّصَارَى ‌الْمَسِيحُ ‌ابْنُ ‌اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ . اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ . يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة: 30-33)

ثم هؤلاء الملل كلها تكذِّب رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى أقل تقدير لا يؤمنون بنبوته العامة التي قال الله -عز وجل-: (‌وَرَحْمَتِي ‌وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (الأعراف: 156-158)

فكيف يقبل عاقل هذا التناقض: أن يكون مَن كَذَّب الرسول -صلى الله عليه وسلم- كمَن صدَّق الرسول وآمن به؟! 

كيف يكون مَن أبغضه كمَن أحبه -صلى الله عليه وسلم-؟! 

كيف يكون مَن كذَّب الله بتكذيب القرآن كمَن آمن بالقرآن، وصدَّق ربَّه -عز وجل-؟!

وكيف يستوي مَن عَبَدَ غير الله وقد حَكَم الله بكفره، مع مَن أفرد الله -عز وجل- بالعبادة؟! 

إن مساواة الأديان عقيدة زندقة وكفر أكبر ناقل عن الملة، تناقض بداهة العقول، وعقيدة وحدة الوجود وأن كلَّ المعبودات شيء واحد، عقيدة معلوم من دين الإسلام بالضرورة مناقضتها لـ"لا إله إلا الله، محمد رسول الله". 

فلا يجوز للمسلمين أن يزوروا بيتَ العائلة الإبراهيمية هذا، ولا أن يصلوا هناك؛ لأنهم يروِّجون لفكرة وحدة الأديان، وأما التعايش في سَلَامٍ بين أهل الملل بالعهد الذي شَرَعه الله -عز وجل-، فقد وَقَع دائمًا عَبْر الزمان؛ وإلا لما وُجِدَ يهود ولا نصارى، ولا هندوس، ولا بوذيون، في بلاد المسلمين التي كانت ممالك إسلامية عبر قرونٍ من الزمان! 

لو لم يكن هناك تعايش لما تُرِكوا إلا وقد قُتِلوا، كما فَعَل الصليبيون في الأندلس، وكما فعلوا عندما أخذوا بيتَ المقدس، وكما فَعَل اليهودُ في فلسطين -ويفعلون- مِن قتلٍ يومي، وظلم وعدوان، وتغيير هوية البلاد.

المسلمون لم يتعرَّضوا لليهود، أو النصارى، ولا لغيرهم مِن أهل الملل؛ طالما التزموا بالعهود وبَذَلوا الجزية في ذلك الوقت، بل كان الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- عاهدهم بلا جزية، ونقضوا في كلِّ مرة. 

المعايشة السلمية أمرٌ محتملٌ ومقبولٌ دون تنازلٍ عن الهوية الإسلامية، ودون تنازلٍ عن العقيدة، ودون بيوت عبادة موحَّدة، لم توجد قط في زمن المسلمين في أضعف حالاتهم؛ لأنهم لم يتنازلوا عن عقيدتهم.

نسأل اللهَ -عز وجل- أن يكفَّ شرَّ كلِّ ذي شرٍّ عن المسلمين، وأن يحفظ على المسلمين دينهم وهويتهم، وأن يردَّ كيدَ اليهود عن المسجد الأقصى وعن فلسطين، وأن يردَّ أيديهم عن أهل فلسطين، وعن غيرها من بلاد المسلمين.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة