السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الطريق لتحرير القدس

الطريق لتحرير القدس
الثلاثاء ٠٨ أغسطس ٢٠٢٣ - ١٠:٠٨ ص
173

 

الطريق لتحرير القدس

كتبه/ يونس مخيون

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فالحروب الصليبية الأولى التي بدأت سنة 1096م - 489هـ، وهذه الحروب كانت بقيادة الرهبان وملوك الإقطاع، وهذه الحروب الأولى استمرت ما يقارب 200 سنة.

وكان السبب الرئيس في هذه الحروب الصليبية: أنه في أقل من ثمانين سنة، تقوَّض سلطان المسيحية على رقعة واسعة من شمال إفريقيا، وزال سلطانهم. وظهر الإسلام بدينه وثقافته، وغلب على رقعة تمتد من حدود الصين إلى الهند إلى أقصى الأندلس إلى قلب إفريقيا. وأنشأ الإسلام حضارة متماسكة متكاملة، بعد أن أخرج النصرانية من الأرض وحصرها في أوروبا.

عندما تقوَّض هذا السلطان، بدأ القلق على النصارى في الشمال من زوال سلطان النصرانية عن جنوب أوروبا كما زال عن الأندلس؛ فانطلق الرهبان والقساوسة في أوروبا في حملات تحريض للنصارى ضد المسلمين، وكذلك بدأ الإعداد لخوض معركة على المسلمين وعلى الإسلام، وبدأوا في تشويه صورة الإسلام، وتبشيع صورة المسلمين في عيونهم، وأن أهل الإسلام ما هم إلا همج وثنيون، حتى ينفِّروا النصارى من الإسلام، كما يُفعل هذه الأيام.

واستمرت هذه الحروب الصليبية حتى قاموا باحتلال فلسطين والمسجد الأقصى، وكان في هذه الفترة يحكم مصر الفاطميون الشيعة الروافض، وظلت فلسطين والقدس تحت سيطرة الصليبيين ما يقارب 90 عامًا، وعندما دخلوا إلى القدس، بعد إعطاء أهلها عهدًا بالأمان خانوا هذا العهد، وقتلوا المسلمين حتى إن الخيول كانت تخوض في الدماء إلى الركب، ولم ينجح المسلمون في تحرير القدس وهزيمة الصليبيين إلا عندما جاء صلاح الدين الأيوبي وحكم مصر. 

وكانت الخطوة الأولى لتحقيق النصر هي تخليص مصر من الحكم الفاطمي الباطني، فبدأ صلاح الدين في نشر المذهب السني في مصر، وتوحيد المسلمين تحت راية الإسلام في مصر وفي الشام، وبدأ في الإعداد كحرب عقيدة، وهذا هو سبب النصر الكبير والأول؛ أن تكون الحرب مع هؤلاء بمنطلق عقدي تحت راية الإسلام، جهادًا في سبيل الله -تبارك وتعالى- وابتغاء مرضاته.

فقد رأينا في حرب 1973 عندما انطلق التكبير من قلوب الجنود، ودخلوا مع اليهود حرب جهاد وتحرير الوطن، كان النصر حليفهم، ومعروف أن مفتاح النصر عند المسلمين هو الإسلام، والعقيدة؛ ولذلك هم الآن يحاولون بكلِّ الطرق والوسائل لإزاحة الإسلام عن ساحة المعركة بحيث تكون حربًا من أجل التراب ومن أجل الوطن، أو تحت أي مسمى؛ فالمهم أن لا تأتي سيرة الإسلام، في حين أنهم يحاربوننا تحت راية عقائدية، بل هي كان اسمها: الحروب الصليبية، وكانوا يرفعون الصلبان فيها، وهذه الحروب كانت تحت راية القساوسة والرهبان، والدولة اليهودية اللقيطة الآن كل رموزها وكل شعاراتها هي دينية بحتة -حتى الاسم: "إسرائيل"-، وكذلك العَلَم، فهي دولة دينية بحتة، تقاتل في سبيل العقيدة، ولكن المسلمين ممنوع عليهم أن يقاتلوا تحت مسمى العقيدة والإسلام؛ لأنهم يعلمون جيدًا أن المسلمين إذا قاتلوا تحت راية العقيدة ومنطلق عقدي؛ فلن تقوم لهؤلاء الكفار قائمة. 

فهذا هو السبيل، وهذه هي أول خطوة في طريق النصر؛ أن يتم توحيد الناس تحت راية العقيدة، وأن يستوعب المسلمون أن الحرب التي بينهم وبين اليهود هي حرب عقائدية، وأنها حرب صراع وجود لا صراع حدود، لا بد أن يستوعب الناس ذلك جيدًا؛ فهم جاءوا إلى هذا المكان، من أجل أهداف معلومة لا يمكن أن يحيدوا عنها، وهي إقامة دولة إسرائيل وعاصمتها: "القدس"، وبناء هيكل سليمان على جبل سليمان هو جبل الهيكل المبني عليه المسجد الأقصى، هكذا يعتقدون؛ انتظارًا لنزول المسيح المنتظر عندهم ليقود اليهود، ويسودوا العالم ويقتلوا غير اليهود. 

هذا الاعتقاد الراسخ عندهم لن يتبدَّل ولن يتغيَّر؛ لا تجمله المعاهدات، ولا السياسات، ولا الكلام المعسول؛ هذا أمر معلن عندهم ومعروف، ويعدون له إعدادًا جيدًا، وفي سبيل هذا يقومون بخطوات تهويد القدس، ويسعون لتغيير التركيبة الديموغرافية لسكان القدس لتكون الغلبة لليهود، والحفريات حول المسجد الأقصى، بل الآن يعدون الشكل الهندسي للهيكل وإعداد كل ما يوضع للهيكل بعد إقامته على أنقاض المسجد الأقصى، فهي عقيدة مسلمة في ديانة اليهود لا تقبل النقاش أو المساومة أو التفاوض؛ فهي عقيدة متأصلة في نفوسهم، عقيدة ما جاءوا إلى فلسطين واحتلوا أرضها إلا مِن أجلها؛ هذه العقيدة تنسف كل أحلام السلام والتعايش السلمي المزعوم المكذوب، وهي عقيدة اليهود في هدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل على أنقاضه.

والهيكل في عقيدة اليهود بمعنى البيت المقدس، أو بيت  الرب أو الإله، ومِن ثَمَّ فإن اليهود لم يأتوا إلى فلسطين من أجل البحث عن أرض يستوطنونها وبلد يأوون إليها؛ إنما جاءوا لعقيدة صهيونية، ونبوءة توراتية يسعون لتحقيقها، وهي السيطرة على القدس التي سموها أرض الميعاد، ومِن ثَمَّ هدم المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان مكانه!

بعد هذا البناء ينتظرون خروج مسيحهم المنتظر، والذي سيكون على يديه خلاص اليهود -كما يعتقدون-، ويحكم بهم العَالَم ألف سنة، ويحكم فيهم بشريعة اليهود، يقول بن جوريون -مؤسس هذه الدولة اللقيطة-: "لا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل"، والحاخام الهالك مائير كاهانا يقول: "إن إزالة المسجد الأقصى وقبة الصخرة واجب يقتضيه الدين اليهودي، وإن المعركة دينية". 

قال موشى ديان بعد احتلال القدس الشرقية في 1967م: "لقد أعدنا توحيد المدينة المقدسة، وعدنا إلى أكثر أماكننا قداسة، ولن نغادرها أبدًا". 

واليهود يسيرون بمخططاتهم بطرق ماكرة وعمل دؤوب على تهويد القدس، وتغيير معالم المدينة جغرافيًّا من هدم المساجد والآثار الإسلامية، ومصادرة الأوقاف والمدارس، وإنشاء آثار ومستوطنات يهودية، وتهجير سكان المدينة؛ بالإضافة لأعمال الحفر التي بدأت منذ أكثر من 40 سنة بحجة البحث عن آثار هيكل سيلمان القديم، وتفريغ الأرض تمهيدًا للهدم، وصرَّحت الحكومة اليهودية لعشرات المنظمات من أجل العمل من أجل بناء الهيكل، وأشهرها جماعة بناء الهيكل؛ بالإضافة إلى الاعتداءات المتكررة على حرمة المسجد والاعتداء على المصلين، والآن يحاولون تقسيم المسجد زمانيًّا ومكانيًّا، تمهيدًا للسيطرة عليه.

وكما قلتُ: إن تحرير المسجد الأقصى من الصليبيين كان تحت راية الإسلام وتوحيد المسلمين تحت راية الجهاد في سبيل الله، وصلاح الدين قاد المعركة تحت راية العقيدة، ونحن لن ننتصر على اليهود إلا إذا حاربناهم تحت راية الإسلام، واستوعبنا أنها حرب عقائدية، وأن هذا واجب شرعي على المسلمين، أن يسعوا إلى تحرير المسجد الأقصى والقدس، بل تحرير كل الأراضي الإسلامية من هؤلاء الكفرة؛ فهذا هو بداية طريق الانتصار على هؤلاء وتحرير المسجد الأقصى منهم.

هذا بخلاف الإعداد المادي فقد قال الله -تعالى-: (وَأَعِدُّوا ‌لَهُمْ ‌مَا ‌اسْتَطَعْتُمْ ‌مِنْ ‌قُوَّةٍ) (الأنفال: 60(، ولكن الخطوة الأولى للإعداد هي الإعداد العقدي وتربية الناس، وأن يستوعب الناس أن الحرب بيننا وبينهم هي حرب عقائدية

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 


الكلمات الدلالية