الخميس، ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٢ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

الصوفية وأثرها على واقع المسلمين

الصوفية وأثرها على واقع المسلمين
الأحد ٠٤ يونيو ٢٠٠٦ - ١٤:٣٧ م
18

الصوفية وأثرها على واقع المسلمين

كتبه/ محمد الباز

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن الناظر في تعريف المعاصرين من الصوفية لها لا يجد إلا عبارة رقيقة في أن الصوفية طريقة لتربية النفس وتهذيبها على ضوء من هدي الكتاب وسنة خير الأنبياء والمرسلين، بل يصل الزعم بهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الذي أسس للتصوف، بإجابته إذ سئل عن الإحسان في حديث جبريل المعروف، وهذا أمر ظاهره الحسن، إلا أن حقيقة الأمر وما حملته كتب الصوفية وطبقاتهم المكتوبة بخط من يُسمون بالأولياء، وبالسادة العارفين بالله تحمل خلاف ذلك.

فللصوفية بشأن مصادر التلقي حديث يتجاوز الكتاب والسنة إلى الإلهام والوحي المزعوم للأولياء، والاتصال بالجن الذين يسمونهم الروحانيين!

ويتجاوز إلى عروج الروح إلى السماوات, ويتجاوز إلى الفناء في الله, وانجلاء مرآة القلب حتى يظهر الغيب كله للولي الصوفي حسب زعمهم!

ويتجاوز إلى الكشوف والمشاهدات والتجليات, ويتجاوز إلى ربط القلب بالرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث يستمد العلوم منه مباشرة صحوًا أو في المنام!

واستمدادًا من هذه المصادر يخرجون بعقيدة عن الله -جلَّ وعلا- تتراوح بين الحلول ووحدة الوجود، وبين اتحاد الخالق والمخلوق، وبعقيدة عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- تارة ترفعه إلى مقام الألوهية، أوفى أقل الأحوال إلى أنه سبب الوجود ونوره، وتارة أخرى تقدم الأولياء عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.

كما يعدون طلب الجنة والفرار من النار، وعمل الواجبات واجتناب المنهيات والاجتهاد في التعبد من صفات العبيد -من أهل الشريعة-، والتي ينبغي للولي الصوفي -من أهل الحقيقة- الترفع عنها؛ إذ غايته أسمى من ذلك، وهي الفناء في الله للتلقي عنه مباشرة!

وعليه فمن حقق هذه الغاية يُرفع عنه التكليف ويُسقط عنه التشريع، وهكذا فقد تحولت حياة الصوفية إلى فوضى عقائدية وأخلاقية، وعُرِف عن ساداتهم وأوليائهم العظام عدم الصلاة وتناول المخدرات، والاختلاط المشين بالنساء والغلمان، ومقارفة الفواحش معهما، هذا إلى إدراجهم الرقص والغناء ضمن القربات، ووسائل الوصول إلى غاية الفناء.

ومن أصول العقيدة الصوفية أصلان في غاية الخطورة: نعتني بهما وبأثرهما في الأمة في هذا المقال، هذان الأصلان هما: "اعتقاد الإرجاء المحض في الإيمان، والجبر في القضاء والقدر"، وهما في التحقيق مذهبان متكاملان كوجهين لعملة واحدة.

فالمرجئ الذي جعل مجرد معرفة الوحدانية هو حقيقة الإيمان وكماله فعد إبليس من المؤمنين وساوى بين فرعون وأبى بكر؛ لن يجد غضاضة في المساواة بين المسلم والكافر، وبين المجاهد من جهة والمستعمر والمحتل من جهة أخرى، وليس الوضع بأفضل من ذاك عند المرجئ الذي قصر الإيمان على التصديق والنطق، فعنده كل من صدق ونطق بالتوحيد فهو من أهل الجنة كامل الإيمان، وإن أتى من المكفرات ما أتى، وإن والى الكفار ودلهم على المسلمين وأعانهم في قتالهم وقمعهم واحتلال بلادهم! وإن بدَّل زبالات عقول البشر بالشرع الرباني القويم!

وبذلك تحصل غاية الراحة الذهنية والنفسية وغاية التوافق مع الباطل، بل ومع الكفر؛ فالكل مؤمن... والكل مقبول عند الله بزعمهم!

ويأتي دور الجبر في تتميم هذه الراحة وتفسير استواء الخير والشر والحق والباطل، فالإنسان والشيطان والكافر والظالم والطاغوت المجبرون على الشر والكفر والضلال هم عند الجبري عابدون لامتثالهم لأمر الله الكوني فيهم، وليس للجبري مقاومتهم وإلا كان مقاومًا لأمر الله وحكمته، فالمرجئ يبدأ المسيرة بمساواة الحق بالباطل، والجبري يستكمل المسيرة بعدم مقاومة الباطل، بل والدعوة للتسامح معه.

وهذا التصور الباطل له أكبر نصيب عند الصوفية في اعتقادهم وسلوكهم، وهو الذي يفسر ما نجد من أحوال للصوفية تتراوح بين اللامبالاة وبين المداهنة أو الموالاة والإعانة لأهل الباطل في كل زمان ومكان، بداية بعزلتهم في نشأتهم الأولى مرورًا بالصليبيين ودول الكفر وحكام الجور على مر العصور، وختاما بالأنظمة السياسية الفاسدة والمحتلين، بل واليهود.

ويعبر عنه في جملة مختصرة كبيرهم وصاحب طبقاتهم الشعراني فيقول: "لقد أُخذ علينا العهد بأن نأمر إخواننا أن يدوروا مع الزمان وأهله كيفما دار، ولا يزدروا قط من رفعه الله عليهم، ولو كان في أمور الدنيا وولايتها، كل ذلك أدبًا مع الله -عز وجل- الذي رفعهم، فإنه لم يرفع أحدًا إلا لحكمة هو يعلمها". ولن نضيف لهذه الكلمة مزيدًا من أخواتها ففيها الكفاية والبيان.

ونطوف بك أخي القارئ بين مواقف قديمة وحديثة ومعاصرة تؤكد هذا الاعتقاد والسلوك:

- رغم معاصرة أكابر الصوفية ابن عربي، وابن الفارض، والشاذلي، والبدوي، والدسوقي للحملات الصليبية وسقوط بغداد على يد المغول، إلا أنهم لم يعرفوا بجهاد ولا بحض عليه، ولم يكتبوا شعرًا أو نثرًا في إثارة الناس إليه، رغم أن منهم الشعراء والكتاب، وأعجب من هؤلاء جميعًا ما نجد من حال الغزالي؛ فقد عاصر القدس تسقط في أيدي الصليبين، وعاش اثنتي عشرة سنة بعد ذلك ولم يشر إلى هذا الحادث العظيم، ولو أنه أهاب بسكان العراق وفارس وبلاد الترك لنصرة إخوانهم في الشام لنفر مئات الألوف منهم للجهاد في سبيل الله.

- وحين أغار الصليبيون على"المنصورة" قبل منتصف القرن السابع الهجري اجتمع الصوفيون الزعماء، لقراءة "رسالة القشيري" والمناقشة في كرامات الأولياء بدلاً من أن يجتمعوا لإعداد العدة وإعلان كلمة الجهاد.

- وجاء في كتاب: "كتب ليست من الإسلام" للإِستانبولي (ص:78): "إِن الفرنسيين إبان استعمارهم لتونس كانوا يجدون معارضة شديدة من الناس، فتفاهم الفرنسيون مع شّيخ الصوفية على أن يدخلوا البِلاد، فَلما أصبح الصباح قعد الشيخ مطْرقـًا رأسه وهو يقول: لا حول ولا قُوة إِلا بِالله، فلمّا سأله أَتباعه عن الأَمر الذي يقلقه، قَال لهم: "لقد رأَيت الخضرِ وسيدي أبا العباس الشاذلي وهما قَابِضان بِحصان جِنرال فرنسا، ثم أَوكلا الجِنرال أَمر تونس... ! يا جماعة.. هذَا أَمر الله فما العمل؟! فقالوا له: إِذا كان سيدي أبو العباس راضيًا، ونحن نحارب في سبِيله، فَلا داعي للحرب، ثم دخل الجيش الفرنسي تونس دون مقاومة"!

ـ وقد جاء في كتاب الرحلات إلى شبه الجزيرة العربية: أن "ليون روش" الفرنسي قام برحلة إلى مصر سنة 1842م متنكرًا في زي حاج مسلم، من أجل الحصول على موافقة من العلماء على نص فتوى جاء بها من الجزائر تجعل الجهاد ضد الفرنسيين من باب إلقاء النفس إلى التهلكة، ومن ثمَّ ضرورة الرضا بحكم الفرنسيين في الجزائر، وعدم شرعية المقاومة التي يقودها الأمير عبد القادر الجزائري، وقد شارك "روش" في هذه الرحلة وصياغة السؤال مجموعة من شيوخ الصوفية". قلت: وهم التيجانية.

ـ وكان للصوفية في مصر نصيب مع "محمد على"؛ إذ أصدر فرمانًا يقضي بتعيين "محمد البكري" خلفًا لوالده شيخًا للسجادة البكرية، وتفويضه في الإشراف على جميع الطرق والتكايا والزوايا والمساجد التي بها أضرحة، كما له الحق في وضع مناهج التعليم التي تُعطى فيها، وذلك كله في محاولة لتقويض سلطة شيخ الأزهر وعلمائه، والذي كان في هذا الوقت لايزال يحمل لواء الجهاد والنصح في وجه محمد على.

ومن الأدلة المعاصرة في هذه الأيام التي تدلل على عقائد الصوفية الفاسدة، وولائهم الضال لليهود:

- ما أُعلن عن الطريقة القاسمية الخلوتية في الأرض المحتلة عام 1948 "إسرائيل"، في الأكاديمية العلمية التابعة لها التي تعرف بأكاديمية القاسمي، والتي تعرف نفسها على موقعها على الشبكة العنكبوتية، فتقول: إنها المؤسسة الأكاديمية الأولى التي تقع داخل المجتمع العربي في إسرائيل، وتعمل على تطوير الثروة الإنسانية نحو سبيل مجتمع مفتوح ومرن؛ مجتمع يدعو إلى العدل، المعرفة والعلم. ومنطلقه في ذلك: رسالة التسامح واحترام الآخر المغاير، المختلف في إدراكه وهويته، في معتقده وفي نهج حياته.

ففي 26 يناير 2006 الماضي، أقامت ما أسمته بيوم التسامح ليعبر عن هذا المنهج تحت شعار: "يوم تقبل الآخر المختلف"، هذا إلى إقامة يوم آخر 26 إبريل 2006 يُعرف بالصوفية في إسرائيل في الماضي والحاضر، وكانت محاضرته تحمل عنوان: "زيارة مقامات الأولياء"، و"الطرق الصوفية في العصر الحديث"، ومحاضرة: "الطريق للتوحد مع الله عند بعض الطرق الصوفية"، وحضر الندوة لفيف من أساتذة الجامعة العبرية بالقدس، بل وشاركوا بأبحاثهم فيها!

ختامًا: نرجو أن نكون قد بينا للقارئ الدور الخبيث الذي تلعبه الصوفية وعقائدها الباطلة في واقع المسلمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية