السبت، ٤ ذو القعدة ١٤٤٥ هـ ، ١١ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

تساؤل و توضيح حول فتوى العمل الجماعي للشيخ رسلان

تساؤل و توضيح حول فتوى العمل الجماعي للشيخ رسلان
الأربعاء ٠٥ يوليو ٢٠٠٦ - ١٣:٥٩ م
13

السؤال:

نداء ورجاء بالله، إلى كلٍّ مِن الشيخين: د."محمد سعيد رسلان"، ود."ياسر برهامي" -حفظهما الله ونفعنا بعلمهما، ورد الله بهما شر كل خلاف-.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

إننا طلبة العلم نرجو أن يتضح الأمر جليًّا فيما يتعلق بقضية العمل الجماعي؛ فكلاكما يرى وجوب العمل الجماعي، وقد أوضح فضيلة د."رسلان" أن ذلك يجب من باب التعاون على البر والتقوى، وليس مِن باب شغور الزمان عن الإمام.

وقد رد الشيخ ياسر في فتوتين متتاليتين في موقع "صوت السلف" على الشيخ رسلان، مؤداهما وجوب العمل الجماعي، وأن الشيخ رسلان قد أقر بذلك في مؤلفه عن ابن تيمية، ولكن لم يبين فضيلة الشيخ "ياسر": هل يجب العمل الجماعي من باب التعاون على البر والتقوى أم من باب شغور الزمان عن الإمام؟

والرجاء أن يوضح الشيخان الموقف كشمس النهار لنا -نحن طلبة العلم-؛ حتى لا تحدث البلبلة والاضطراب؛ وحتى لا يظهر الأمر بصورة الخلاف -الذي هو شر كله- بين شيخين جليلين لهما قدرهما ووزنهما.

ورجاء خاص لفضيلة الشيخ ياسر، أستاذي ومعلمي، أن يزيد الأمر وضوحًا وبيانًا في مسألة شغور الزمان عن إمام.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته/ طلعت زهران.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فأما ما ذكرتَ من الاختلاف في التأصيل؛ فليس بخلاف في حقيقة الأمر للمتأمل، فإن المقصود مِن الإمامة: "إقامة الدين، وسياسة الدنيا بالدين"، وأظن أنه منذ سقوط الخلافة الإسلامية وقيام الدول المدنية التي ليس لها مرجعية للدين، ولا يقوم العقد الذي يتم بين مجالسها النيابية أو شعوبها وبين قادتها على إقامة الدين وسياسة الدنيا بالدين، بل على احترام الدستور والقانون على اختلاف هذه الدساتير والقوانين قربًا وبعدًا مِن الشريعة.

فأقول: إن وظائف الخلافة الإسلامية مِن إعلاء الدين في كل أرجاء الأرض، والمحافظة على دين الناس عقيدة وعبادة، ومعاملة وأخلاقًا ودعوة غير المسلمين إلى الدخول في الإسلام بنوعي الدعوة بالبيان والسنان؛ فضلاً عن الدفاع عن بلاد المسلمين كلها "وليس الحدود الإقليمية فقط"، وإقامة الشرع، وفروض الكفايات في المسلمين في كل مكان - أقول هذه الوظائف غائبة بدرجة أو بأخرى، وهذا هو المقصود بالشغور، وليس المقصود إنكار وجود الحكومات المعاصرة وثبوتها وقيامها ببعض المصالح للمسلمين، فهذا مما لا ينكره عاقل؛ فضلاً عن معايش للواقع، ونحن نقر صحة كل تصرف فيه مصلحة للمسلمين وموافق لشرع الله، ونتعاون عليه، ونجيب إليه: كالأعمال الصالحة، والطرق والمرور، وعلاج المرضى وإنشاء المستشفيات، ووسائل المواصلات، ونحن نلتزم بمراعاة القواعد والقوانين الإدارية التي تدفع عن المسلمين المضرة، وتحقق المصلحة إلى أكمل وجه.

وأما أن هذا يكفي عن الواجبات المنوطة بالأمة؛ فأنتَ ود."رسلان" وسائر المسلمين أعلم بالإجابة، وهذه الواجبات مِن أعظم البر والتقوى، ولا يقوم بها آحاد الناس، وهذه هي فروض الكفايات التي خاطب الله بها الأمة، ومِن أجلها أوجب نصب الأئمة؛ فإذا عجز عنها الأئمة والقادة أو قعدوا عنها لم يكن ذلك مُسقِطًا لوجوبها على القادرين عليها بأنفسهم أو بغيرهم بالتعاون معهم على البر والتقوى، أو بأمر القادرين على ذلك.

ولديكم كلام شيخ الإسلام "ابن تيمية" -رحمه الله- في وجود الأئمة، لكن مع العجز والتقصير لا يترك القيام بما يُقدر عليه مِن ذلك؛ بشرط عدم زيادة الفساد، ولا أدري لماذا الهجوم الشديد والقدح في الآخرين مِن أجل ذلك؟!

وهل للأمة أمل إلا في علمائها ودعاتها والمصلحين فيها؟!

وهل يجوز أن يقال: إن مَن قال ذلك، يقول بالتكفير والخروج بغير بينة، ونحن لا نكتم حقـًّا  نعتقده مهما كان الأمر إ-ن شاء الله-، ولا نقول بعدم التكفير مجاملة لأحد، بل نحن نقول بما نعتقده من الشخص المعين حاكمًا أو محكومًا إذا ارتكب كفرًا مخرجًا من الملة لا يصح أن يُكفَّر بعينه إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، والذي يتولى ذلك أهل العلم وأهل القضاء الشرعي بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة.

أما مسألة الخروج فأنتً والشيخ رسلان "والمخالف قبل الموافق" يعلم طريقنا في ذلك، وتحذيرنا عبر سنين الدعوة؛ مما جر على المسلمين أنواع الفتن، وسفك دماء الأبرياء بغير حق، وأنواع المفاسد المعروفة، وإن كان الذي يتحمل وزرها الأكبر المباشِرون لها، الظالمون للمسلمين، المفسدون في الأرض بأنواع المفاسد مِن كفار ومنافقين وفاسقين، ثم بعد ذلك مَن تسبب فيها بخطئه وجهله، وعدم رجوعه لأهل العلم.

ولكن لا يجوز أن يجعل ذلك سببًا للترويج للدعاة على أبواب جهنم؛ فضلاً أن يقال: إن الدعاة إلى الله الذين علَّموا الأمة دينها، وعقيدتها وعبادتها، وهدى الله بهم من شاء مِن عباده أنهم هم الدعاة على أبواب جهنم الذين أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- باعتزالهم بقوله: (فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا(متفق عليه).

وأرجو مراجعة بسيطة لشرح النووي -رحمه الله- لهذا الحديث في صحيح مسلم، فهل يُشْبِه الدعاة إلى الله الخوارج والقرامطة والمعتزلة؟! أفليس هذا مِن الظلم البيِّن -الذي ننزه إخواننا الدعاة عنه وعن أمثاله-؟!

وأما أسلوب الحوار الساخن وشتم الآخرين؛ فلا يرضينا ممن يوافقنا قبل مَن يخالفنا، ونحن نكنُّ لإخواننا الدعاة والمشايخ كل حب وودٍ على قدر التزامهم بمنهج الحق ودعوتهم إليه، ونسأل الله أن يجمعنا وإياهم على طاعته.

وأما السمع والطاعة والبيعة؛ فالقاصي والداني يعلم أننا لا نرى البيعة في واقعنا للجماعات الإسلامية، ولا نأخذها لأنفسنا ولا لغيرنا؛ لعلمنا بحصول الخلط عند الناس بين التعاهد على الطاعات، وبين المعنى السياسي للبيعة التي تترتب عليه الإمامة، ونحن نعلم أن البيعة بالمعنى السياسي لا تكون مشروعة إلا إذا كانت مصحوبة بالشوكة والتمكين، وإقامة الدين، وليس تصح مِن مستضعفين متفرقين لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم شيئًا كحال المسلمين في معظم الأقطار، وأما السمع والطاعة فهي للعلماء والأمراء الذين يقودون الناس بكتاب الله فيما أوجبه الشرع، وأضرب لذلك مثالاً -أظن لن يختلف معي فيه أحد-: لو أن جماعة كبيرة كأنصار السنة لها مساجد تتجاوز المئات كلفت بعض أعضائها بخطبة الجمعة في هذه المساجد فترك الخطباء ذلك حتى تُركت الجمعة، أو خطب مبتدع فنشر الشرك والخرافة والضلال بسبب تخلف الخطباء، أتراهم يأثمون  بذلك أم أنه لا سمع ولا طاعة لأحد ولا حرج عليهم؟!

لا أراك إلا تجزم معي "وكل عاقل" أن الطاعة في الواجبات التي أوجبها الشرع ابتداءً "ولكن جعل تعيينها لأولي الأمر فعجزوا عنها أو قصَّروا فيها، وقدر عليها غيرهم من أهل العلم" - أن القيام بها لازم وواجب؛ فهل نفعل أكثر مِن ذلك نحن وغيرنا؟!

وهل لنا أن نغلق هذا الملف أو نناقشه المناقشة العلمية الهادئة الهادفة الناصحة؟! نرجو ذلك.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية