السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (149) توريث الدين من أعظم مهمات الأنبياء والصالحين (1)

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (149) توريث الدين من أعظم مهمات الأنبياء والصالحين (1)
الاثنين ١٥ يناير ٢٠٢٤ - ١٠:٣٩ ص
44

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (149) توريث الدين من أعظم مهمات الأنبياء والصالحين (1)

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تعالى- عن يوسف -صلى الله عليه وسلم-: (‌وَاتَّبَعْتُ ‌مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) (يوسف: 38).

إن قضية تحقيق العبودية هي الغاية التي خلق الإنسان من أجلها، قال الله -تعالى-: (‌وَمَا ‌خَلَقْتُ ‌الْجِنَّ ‌وَالْإِنْسَ ‌إِلَّا ‌لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، والمؤمن الذي ذاق حلاوة الإيمان وعرف قدر نعمة الإسلام وترك الشرك، يود أن لو حصل هذا الحق لجميع الناس؛ لأنه ناصح أمين للبشرية، محب للخير للناس، والمؤمنون خير الناس للناس، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ولا شك أن حبَّ ذلك للأهل والأولاد والذرية، وذرياتهم، يكون مقدمًا في الاهتمام؛ لأنه أولًا مسئولية الآباء والأمهات في تربية وتنشئة أولادهم وذرياتهم على الإسلام؛ ولأنه ثانيًا يجمع الحب الشرعي في الله ولله، والحب الفطري الذي فَطَر الله الناس عليه للآباء والأمهات، والأزواج والزوجات، والأولاد والذريات، وهو عند عامة الناس يدفع الواحد منهم إلى ما يسميه: "تأمين الحياة الكريمة" لذريته، ويعنون به رَغَد العيش، وسعة المال، ووجود الجاه والوظيفة العالية في الناس؛ حتى ولو كان على غير الدِّين!

أما عند المؤمن فإن ذلك يدفعه إلى توريثهم الدين والإيمان، وحب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ورسله جميعًا، والبقاء على الإسلام إلى الممات؛ تحقيقًا للنجاة في الدنيا وفي الآخرة، قال -تعالى-: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ‌قَالَ ‌أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ . وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة: 131-133).

وقال -تعالى- عن عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان: 74).

قال غير واحد من السلف: "يسألون الله لأزواجهم وذرياتهم أن يهديهم إلى الإسلام"، وقال الحسن: "المؤمن يرى زوجته وولده يطيعون الله".

وعن جبير بن نفير قال: "جلسنا إلى المقداد بن الأسود، فقال: لقد بُعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‌على ‌أشدِّ ‌حالة ‌بُعث ‌عليها ‌نبيٌّ ‌من ‌الأنبياء ‌في ‌فترة ‌وجاهلية، ما يرون دينًا أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان فَرَّق به بين الحق والباطل، وفرق بين الوالد وولده، حتى إن كان الرجل ليرى ولده ووالده وأخاه كافرًا، وقد فتح الله قفل قلبه بالإسلام، فيعلم أنه إن مات دخل النار، فلا تقرَّ عينه، وهو يعلم أن حبيبه في النار، وإنها للتي قال الله: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) الآية" (تفسير الطبري).

فتوريث الدين مهمة عظيمة لا بد أن نحافظ عليها قدر إمكاننا، والذرية كذلك الذين حصلت لهم وراثة الدين يعلمون قدر نعمة الله سبحانه بذلك؛ خاصة عند مقارنة ما هم عليه من فضل الله ونعمته، وبين ملل الشرك والكفر التي عليها أكثر الناس، فتعظم نعمة الله عند ذلك، ولقد كان إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- حريصًا على هذه المسألة، فدعا ربَّه ضمن ما دعاه: (‌الْحَمْدُ ‌لِلَّهِ ‌الَّذِي ‌وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ . رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ . رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) (إبراهيم: 39-41).

وسأل الله -تعالى- أن يجعل من ذريته الأئمة، قال -تعالى-: (‌وَإِذِ ‌ابْتَلَى ‌إِبْرَاهِيمَ ‌رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة: 124).

وقال -سبحانه وتعالى-: (‌وَإِذْ ‌يَرْفَعُ ‌إِبْرَاهِيمُ ‌الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة: 127-128).

ولقد كانت بشارة الله -عز وجل- لإبراهيم وإسحاق بعد أن بَذَل ولده للذبح، وفداه الله بذبح عظيم بعد أن بذل ولده بكره ووحيده إسماعيل -عليه السلام-، للذبح لله -عز وجل-، فقال -تعالى-: (‌وَبَشَّرْنَاهُ ‌بِإِسْحَاقَ ‌نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ . وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) (الصافات: 112-113).

وقال -تعالى-: (‌وَوَهَبْنَا ‌لَهُ ‌إِسْحَاقَ ‌وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ . وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الأنعام: 84-87).

وقال -سبحانه-: (وَوَهَبْنَا ‌لَهُ ‌إِسْحَاقَ ‌وَيَعْقُوبَ ‌نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ . وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء: 72-73).

وكان يوسف -صلى الله عليه وسلم- مشاهدًا لعظم نعمة الله عليه بذلك، فذكرها في مقام الشكر لله، والامتنان له بذلك، ودعوة الناس إلى الحق وإلى الخير، فقال لصاحبيه في السجن كما قال الله -تعالى-: (لَا يَأْتِيكُمَا ‌طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ . وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ . يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ . مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (يوسف: 37-40).

فلنقرأ تفسيرها ثم لنتدبر ما فيها من الفوائد في المقال القادم -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة