الخميس، ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٢ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

دروس من قصة نبي الله داود -عليه السلام- (خطبة مقترحة)

دروس من قصة نبي الله داود -عليه السلام- (خطبة مقترحة)
الثلاثاء ٠٩ فبراير ٢٠١٠ - ١٥:٠٤ م
18

دروس من قصة نبي الله داود -عليه السلام- (خطبة مقترحة)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

1- تعريف به -عليه السلام-:

ـ نسبه: نبي الله داود أحد أنبياء بني إسرائيل، يمتد نسبه إلى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل.

ـ كان أول أمره صانعًا للدروع يأكل من كسب يده: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ . أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) (سبأ:10-11)، وقال: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ) (الأنبياء:80).

- كان يأكل من كسب يده: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) (رواه البخاري)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ) (رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني).

- وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "لحمل الجبال عليَّ أهون من سؤال الرجال".

2- دعوته -عليه السلام-:

ـ بداية ظهوره مجاهدًا في جيش "طالوت الملك"، وكان الملك في بني إسرائيل في سبط والنبوة في سبط: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ... ) (البقرة:246)، (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا) (البقرة:247)، (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ) (البقرة:250-251).

- جمع الملك والنبوة: (وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ) (البقرة:251).

فائدة: النبوة ليست مكتسبة؛ وإنما هي اصطفاء واجتباء:

- زعم بعض الفلاسفة أن النبوة تنال بالكسب عن طريق المجاهدة والجد، وقد طمع أمية بن أبي الصلت أن يكون نبي العرب بمثل ذلك؛ قال -تعالى-: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) (الأنعام:124)، وقال: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ) (الحج:75).

- وزعم بعض الكفار أنها تتحقق للعظماء من أهل الدنيا دون الفقراء؛ ولذلك أنكروا رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ . أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (الزخرف:31-32).

3- داود الملك:

- على الملوك منع الظلم بين الناس: قال -تعالى-: (وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ).

- وقال عثمان بن عفان -رضي الله عنه-: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".

- الملوك لإقامة الدين في الأرض: قال -تعالى-: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) (الحج:41).

- الملوك خلفاء الله في الأرض إذا صلحوا: قال -تعالى-: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى) (ص:26)، وقال الثوري -رحمه الله-: "صنفان إذا صلحا صلحت الأمة: الأمراء والعلماء".

- فضل الملك العادل: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ...) (متفق عليه).

- ولقد جمع داود -عليه السلام- كل هذه المقومات لإدارة ملكه: قال -تعالى-: (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ) (ص:20).

4- داود القاضي:

- أُعطي -عليه السلام- قوة في الفصل بين المتخاصمين: (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ).

- خطورة منصب القضاء: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ أَوْ جُعِلَ قَاضِيًا بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

- فائدة: بم يحكم القاضي؟

1- الإقرار: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا) (متفق عليه).

2- البينة: وهي الشهود والمستندات, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ) (رواه البيهقي، وصححه الألباني).

3- اليمين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ).

4- النكول: وهو رفض المدعى عليه اليمين, فيقضي القاضي عليه, وقيل: تحول اليمين على المدعي.

- فعن وائل بن حجر -رضي الله عنه-: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي كَانَتْ لأَبِي"، فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: "هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا، لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِلْحَضْرَمِيِّ: (أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟)، قَالَ: "لا"، قَالَ: (فَلَكَ يَمِينُهُ)، قَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لاَ يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ"، فَقَالَ: (لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلاَّ ذَلِكَ)، فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا أَدْبَرَ: (أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ) (رواه مسلم).

- الترهيب من اليمين الكاذبة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالاً هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ؛ لَقِيَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ) (رواه البخاري).

- قصة الخصمين عند داود الأواب: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ . إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ . إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ . قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ . فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) (ص:21ـ 25).

5- داود العابد:

- فمع مهام الملك والقضاء كان أعبد الناس حتى ضُرب به المثل في الإسلام في القرآن والسنة؛ قال الله -تعالى-: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص:17)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ: كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَأَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ: كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ) (متفق عليه).

- مضرب المثال في جمال الصوت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سمع أبا موسى يقرأ: (لَقَدْ أُوتِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

- ولِمَ لا وهو الذي كانت الطير والجبال تتأثر بصوته؟! قال -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) (سبأ:10).

6- عمره ووفاته -عليه السلام-:

- أعطاه آدم -عليه السلام- من عمره: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ، فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَجَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ وَبِيصًا -بريقـًا- مِنْ نُورٍ، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ مَنْ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ ذُرِّيَّتُكَ، فَرَأَى رَجُلاً مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ آخِرِ الأُمَمِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ يُقَالُ لَهُ دَاوُدُ، فَقَالَ: رَبِّ كَمْ جَعَلْتَ عُمْرَهُ؟ قَالَ: سِتِّينَ سَنَةً، قَالَ: أَيْ رَبِّ زِدْهُ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَلَمَّا انْقَضَى عُمْرُ آدَمَ جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَالَ: أَوَلَمْ يَبْقَ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً؟! قَالَ: أَوَلَمْ تُعْطِهَا ابْنَكَ دَاوُدَ؟..) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة