السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

غزة رمز للعزة (7) طوفان الأقصى (2)

غزة رمز للعزة (7) طوفان الأقصى (2)
الثلاثاء ١٢ مارس ٢٠٢٤ - ٠٨:٥٤ ص
68

 غزة رمز للعزة (7) طوفان الأقصى (2)

الأسبوع الأول من الطوفان

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ففي يوم الأحد 23 ربيع الأول 1445 هـ، الموافق الثامن من أكتوبر 2023 م، صدر بيان عسكري من كتائب القسام ذكرت فيه: أن مقاتليها ما زالوا يخوضون اشتباكات ضارية في عدة بلدات من غلاف غزة، منها: أوفاكيم، وسديروت، وباد مردخاي، وكفارة عزة، وبئيري، وكيسوفيم.

وأثناء ذلك كانت تصدر البيانات والتصريحات الإسرائيلية بلا توقف، تكيل التهديدات لحماس والوعيد، بينما توالت الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على قطاع غزة، والتي بلغت 800 غارة خلال يوم الأحد الثامن من أكتوبر، وأوقعت المئات من الشهداء والمصابين غالبيتهم من المدنيين العزل.

وقد أعلن المجلس السياسي الأمني الإسرائيلي حالة الحرب على قطاع غزة رسميًّا لتدمير كل قدرات حماس العسكرية والحكومية، بما يدل على خطورة الوضع في إسرائيل والرغبة العارمة في الانتقام، وأن المرحلة القادمة ستشهد تطورات خطيرة، فهذه هي المرة الأولى منذ حرب أكتوبر 1973 التي تعلن فيها إسرائيل الحرب رغم أن عملياتها العسكرية لم تتوقف حتى بعد انسحابها من قطاع غزة عام 2005.

كانت الأجواء بفعل صدمة طوفان الأقصى ملبدة بالغيوم، وقد أعلن وزير الجيش الإسرائيلي (يوآف جالانت) أنه أمر بفرض حصار عسكري مطبق على قطاع غزة؛ فلا وقود، ولا غاز، ولا طعام، ولا شراب، فكل شيء مغلق!

وهو ما أعلنه أيضًا وزير البنية التحتية الإسرائيلية، كما أعلن الجيش الإسرائيلي عن خطة للتعبئة تتضمن استدعاء 360 ألف فرد من الاحتياط، وهو الاستدعاء الأكبر في إسرائيل.

وفي مواجهة تصاعد الغارات الجوية الإسرائيلية كشفت كتائب القسام عن امتلاكها لمنظومة للدفاع الجوي محلية الصنع تقوم بالتصدي للطائرات الإسرائيلية، ورغم قلة كفاءتها؛ إلا أنها أجبرت جيش الاحتلال على عدم استخدام طائرات الأباتشي في غاراتها خشية إصابتها، رغم أهمية طائرات الأباتشي في عمليات المراقبة والمتابعة والمطاردة وتوجيه نيران المدفعية.

وفي نفس اليوم تحركت حاملة الطائرات الأمريكية (جيرالد فورد) إلى شرق البحر الأبيض المتوسط لتعزيز وضع القوات الأمريكية في المنطقة، وذكرت القيادة المركزية الأمريكية أنها اتخذت خطوات لنشر أسراب من المقاتلات الحربية من طراز إف 35، وإف 16، وإف 15، وإيه 15 في المنطقة دعمًا لإسرائيل في ظل التطورات الجارية، وذكر البيان: أن الولايات المتحدة تحتفظ بقوات جاهزة على مستوى العالم لتعزيز وضع الردع إذا لزم الأمر.

وعلقت حماس على ذلك: بأن إرسال الولايات المتحدة حاملة الطائرات إلى المنطقة لدعم إسرائيل يعد مشاركة فعلية منها في العدوان على الشعب الفلسطيني في غزة، وأن هذه التحركات هي لترميم المعنويات المنهارة لجيش الاحتلال الإسرائيلي بعد هجوم كتائب القسام، وهي تحركات لا تخيف الشعب الفلسطيني، ولن تضعف من مقاومته للاحتلال.

امتد القتال الدائر بين أفراد من المقاومة وقوات جيش الاحتلال داخل المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية في غلاف غزة إلى يوم الاثنين التاسع من أكتوبر، أي لليوم الثالث على التوالي، حيث أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن القوات الخاصة الإسرائيلية تشتبك في معارك في 7 إلى 8 مواقع داخل إسرائيل (الأراضي الفلسطينية المحتلة)، وأنها ما زالت تعاني من هجمات حماس، وأن هجمات حماس خلفت حتى الآن 800 قتيل إسرائيلي.

وقد أعلنت في نفس اليوم الاثنين صحيفة (جيروزاليم بوست) الإسرائيلية أن عدد القتلى الإسرائيليين في المواقع العسكرية والمستوطنات من جراء عملية طوفان الأقصى لا يقل عن 800 إسرائيلي، وأن عدد الجرحى بلغ نحو 2500 جريح.

مع انتشار أصداء عملية طوفان الأقصى في كل أنحاء العالم، سعت إسرائيل جاهدة كعادتها في نشر الأكاذيب مِن خلال: تزوير الأخبار، وبث المعلومات المغلوطة، ونشر الفيديوهات غير الصحيحة المزورة من خلال تقنية الذكاء الاصطناعي ونسبتها إلى حركة حماس وكتائب القسام، حيث ادعت إسرائيل أن مقاتلي كتائب القسام يذبحون الأطفال ويغتصبون النساء، ويقتلون المدنيين، وينكلون بالأسرى، وقد ردد ذلك وروج له الإعلام الغربي كذبًا وزورًا أمام الرأي العام الغربي دون أي تحقيق؛ انقيادًا للإعلام الصهيوني!

فتردد: أنه قد تم ذبح 40 طفلًا إسرائيليًّا، كما نشر فيديو فيه زعم اغتصاب سيدة إسرائيلية، وكذلك ادعاء قتل كتائب القسام يوم السابع من أكتوبر لمئات من المدنيين الإسرائيليين والأجانب كانوا يحضرون أحد الاحتفالات في مستوطنة (كيبوتس ريعيم).

وقد تبيَّن بعد ذلك حقيقة تلك الوقائع، وبالتالي كذب هذه الافتراءات والأكاذيب، بل واعتذرت العديد من وسائل الإعلام لمستمعيها وقرائها على تسرعها في نشر هذه الأخبار الكاذبة والترويج لها دون تدقيق، وقد اعترفت الصحافة الإسرائيلية نفسها بعد ذلك أن طائرات حربية إسرائيلية هي التي قصفت وقتلت بطريق الخطأ المئات من الإسرائيليين والأجانب المحتفلين في حفلة مستوطنة (كيبوتس ريعيم) ممن حضروا الاحتفال الذي قتلوا فيه.

ففي يوم 12 نوفمبر نشرت صحيفة (يديعوت أحرونوت)، وهي صحيفة إسرائيلية مقربة من أجهزة الأمن الإسرائيلية، تقريرًا جاء فيه: إن التحقيقات التي تجري حول أحداث السابع من أكتوبر أثبتت أن طائرات إسرائيلية قصفت مستوطنات ومركبات بداخلها إسرائيليين في السابع من أكتوبر ظنًّا أنهم مقاتلون من حماس وفقًا لاعترافات عدد من الطيارين الإسرائيليين، أي: أنه لا علاقة لحماس بمقتلهم، وقد أحدثت تلك التحقيقات ضجة في إسرائيل بعد مرور أكثر من شهر على بداية الحرب، كما فندت كذلك صحيفة (هاآرتس)، وهي صحيفة إسرائيلية تخاطب النخبة اليسارية في إسرائيل وتؤيد حل الدولتين، أكذوبة قتل الأطفال الإسرائيليين الرضع، مما عرض الصحيفة للهجوم من الكثير من الإسرائيليين.

وقد أظهرت الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية حكومات وشعوبًا هجومها الصريح على حماس وشعب غزة على خلفية عملية طوفان الأقصى؛ خاصة بعد كل ما تردد من الأكاذيب في الإعلام الصهيوني والغربي التي حولت النضال الفلسطيني دفاعًا عن المقدسات إلى أعمال إرهابية ضد مدنيين صهاينة أبرياء.

وقد أعلن مفوض الشئون السياسية للاتحاد الأوروبي موقفه المعادي من خلال (تغريدة) على مواقع التواصل الاجتماعي أشار فيها إلى التعليق الفوري للمساعدات إلى الفلسطينيين، بينما أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أن دول الاتحاد الأوروبي سوف تعيد النظر في التمويلات المقدمة للفلسطينيين في ضوء التطورات الأخيرة، وأكدت ألمانيا أنها تتحمل مسئولية الدفاع عن حق إسرائيل في الوجود، وأعلنت الدنمارك والسويد تعليق المعونات التنموية للفلسطينيين، كما قررت بريطانيا أيضًا مراجعة مساعداتها للفلسطينيين.

وقد أعلنت كتائب القسام يوم الأحد الثامن من أكتوبر أن قوات تابعة لها تمكنت من التسلل لعدد من مواقع الاشتباك في (صوفا) و(حوليت) و(يتيد) لمد مجاهدي القسام فيها بالقوات والمعدات، كما أعلنت كتائب القسام في الساعة الواحدة ظهرًا أن مقاتلين من كتائب القسام من كوماندوز النخبة نفذوا عملية ناجحة بخمسة زوارق على شواطئ عسقلان، حيث سيطروا على مواقع هناك، وقتلوا عددًا من الجنود الإسرائيليين، وقد تمكنت عناصر من حماس من رفع علم حماس الأخضر فوق موقع (كيسوفيم) العسكري بعد سقوط الموقع في يدها عقب اشتباكات ضارية مع جيش الاحتلال.

ومع تصاعد عمليات القصف الإسرائيلية ضد المدنيين في قطاع غزة أعلنت كتائب القسام أن القصف الإسرائيلي على القطاع غزة أدى إلى مقتل 4 من الأسرى الإسرائيليين مع محتجزيهم، بينما كشفت حركة الجهاد الإسلامي في هذا الوقت أنها تحتجز لديها ما لا يقل عن 30 أسيرًا.

وأمام هذه التطورات الخطيرة التي حدثت خلال هذه الأيام الثلاثة أعلن وزير الدفاع الأمريكي (لويد أوستن) أن البنتاجون سيعمل على توفير كل ما تحتاجه تل أبيب للدفاع عن نفسها.

وقبيل المساء أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي استعادة السيطرة على البلدات في جنوب البلاد، ومع الحدود مع غزة، مع احتمال أن يكون هناك عناصر أخرى متبقية في المنطقة.

أمام حجم الكارثة وخطورتها ومع إدراك الحكومة الإسرائيلية أن معنويات الشعب الإسرائيلي أصبحت في الحضيض؛ قررت أن تسعى بكل ما تملك لشن حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة مهما كلفها ذلك؛ ولهذا تقدمت رسميًّا إلى واشنطن بطلب مدها بقنابل ذكية وصواريخ اعتراضية إضافية لتقوية منظومة القبة الحديدية في مواجهة صواريخ كتائب القسام والثأر منها.

وفي يوم الثلاثاء العاشر من أكتوبر وخلال الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة تم قصف برج سكني غرب غزة بعد الثالثة صباحًا توجد فيه أعداد من الصحفيين؛ مما تسبب في مقتل ثلاثة من الصحفيين دفعة واحدة، وقد احتجت العديد من المنظمات الصحفية والمنظمات الإنسانية على هذا القتل المتعمد للصحفيين مع المدنيين، ورغم ذلك فقد واصلت قوات الاحتلال أيضًا بعدها عمليات استهداف وقتل لعشرات الصحفيين.

وقد أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن طائرات السلاح الجوي قد أسقطت أكثر من ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، بينما ردت فصائل المقاومة على هذه الاعتداءات بإطلاق 120 صاروخًا تجاه (أسدود) و(عسقلان)، سقط بعضها داخل مناطق الاستيطان وأدت إلى وقوع عدد من الجرحى.

وفي أعقاب مجزرة قام بها جيش الاحتلال في (جباليا) بقصف سوق مزدحم بالفلسطينيين المدنيين أودى بمقتل عشرات من الشهداء والجرحى الفلسطينيين، أطلقت المقاومة المزيد من الصواريخ على عدد من المناطق الإسرائيلية، وقد حذر بعدها الناطق باسم كتائب القسام إسرائيل من ارتكاب جرائمها في حق الفلسطينيين وتوعدها بالرد عليها بقوة.

وفي يوم الأربعاء 11 أكتوبر تم في إسرائيل تشكيل حكومة طوارئ على أن يكون مجلس الحرب الوزاري المصغر بقيادة رئيس الوزراء هو الجهة المرجعية للقرارات الأمنية السياسية الحكومية، ومن خلاله يتم التعامل مع الإستراتيجية العسكرية المتعلقة باستخدام القوة.

وفي نفس يوم الأربعاء ذكر موقع (إكسيوس) الإخباري الأمريكي أن (نتن ياهو) أبلغ الرئيس الأمريكي (جون بايدن) أن خياره الوحيد هو بدء عملية عسكرية برية في غزة للقضاء على حماس وكتائب القسام.

وقد اتخذت الحكومة الإسرائيلية بالفعل قرارها بالاجتياح البري لقطاع غزة، وبدأت تحشد قواتها لتنفيذه، وأسندت هذه العملية العسكرية إلى عميد من ضباط الاحتياط المعروفين بشدته وميله للعنف، والذي بدأ على الفور الإعداد والاستعداد للاجتياح. وقد تأجل القيام بهذا الهجوم البري عدة أيام نظرًا لسوء الأحوال الجوية وتلبد السماء بالغيوم التي تجعل من الصعب مشاركة الطيارين الإسرائيليين، وكذلك مشغلي الطائرات بدون طيار من المشاركة في الهجوم لتوفير الغطاء الجوي للقوات البرية خلال اقتحامها للقطاع، وخلال الأيام السابقة للهجوم البري المرتقب ومع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة توالت الجرائم الإسرائيلية الإنسانية في حق سكان قطاع غزة على مرأى ومسمع من الجميع، ومنها:

- توجيه التحذير لكل سكان شمال قطاع غزة بمغادرة شمال القطاع إلى جنوبه خلال 24 ساعة، وهو ما يعني التهجير القسري لكل سكان شمال القطاع والذين يتعدى تعدادهم المليون شخص.

وذكرت منظمة الأمم المتحدة: أن الجيش الإسرائيلي أبلغها أن نحو مليون فلسطيني في شمال غزة يجب أن ينتقلوا إلى جنوب قطاع غزة خلال الساعات الأربع والعشرين المقبلة؛ فضلًا عن إجلاء موظفي منظمة الأمم المتحدة من هذه المنطقة، وذلك تمهيدًا للهجوم البري المرتقب.

وقد أكدت وقتها المنظمات الإنسانية -ومنها اللجنة الدولية للصليب الأحمر-: أنها لن تكون قادرة على مساعدة مليون شخص في غزة أمهلتهم إسرائيل 24 ساعة لمغادرة منازلهم والتوجه إلى جنوب القطاع، كما ذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر: أن مطالبة إسرائيل للسكان الفلسطينيين في شمال القطاع بالنزوح الجماعي خلال 24 ساعة إلى جنوب القطاع في ظل حصار عسكري مع حرمانهم من الحصول على الغذاء والماء والكهرباء لا يتوافق مع القانون الدولي.

ومعلوم أن هذا الإجراء الإسرائيلي يشكل مخالفة جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني؛ إذ يعرض حياة مليون فلسطيني لمخاطر البقاء في العراء دون مأوى، وفي مواجهة ظروف إنسانية وأمنية خطيرة، وهو الأمر الذي رفضته حماس ورفضه معها مئات الألوف من سكان غزة المحاصرين.

- ومع تمادي الضربات الجوية ضد السكان المدنيين في قطاع غزة، طالب الجيش الإسرائيلي أيضًا بإخلاء عدة مستشفيات في غزة، ووجَّه إنذارًا بالإخلاء الفوري لمستشفى القدس بمدينة غزة في اليوم الثامن من الحرب، وهي بالطبع جريمة جديدة تعكس النية الإسرائيلية المبيتة ضد قطاع غزة بمنع تقديم الخدمات الصحية الأساسية وخدمات الحالات الطارئة.

وقد ذكرت وزارة الصحة الفلسطينية: أن الغارات الإسرائيلية أدت إلى إخلاء مستشفى الدرة للأطفال شرق غزة بعد استهدافه بقنابل الفسفور، ونقل مرضى المستشفى وطاقمها الطبي إلى مستشفى النصر للأطفال، وأن ذلك تكرر أيضًا مع مستشفى بيت حانون.

- ولإجبار السكان بالقوة على إخلاء شمال القطاع والنزوح الجماعي إلى وسط وجنوب القطاع وسَّعت إسرائيل وكثَّفت من دائرة هجماتها على شمال قطاع غزة مع نهاية الأسبوع الأول من الحرب، وارتكبت لتحقيق ذلك مجازر عديدة، منها: مجازر في دير البلح ومخيم جباليا. وقد أحصت مستشفيات القطاع في يوم واحد استشهاد أكثر من 350 شخصًا ومئات الجرحى، وقد بلغ عدد الضحايا مع نهاية الأسبوع الأول أكثر من ألفي شهيد وأكثر من 8700 جريح.

- وفي تطور جديد دعا الجيش الإسرائيلي سكان شمال القطاع بالتوجه إلى جنوب القطاع عبر محورين، عبر شارعي: (البحر) و(صلاح الدين)، وأنه سيسمح لهم بالتحرك فيهما بدءًا من الساعة العاشرة صباحًا حتى الساعة الرابعة عصرًا، وأنه سيسمح لسكان الشاطئ والرمال وغرب الزيتون بالتحرك على شارعي دلدول والسناة بالتحرك تجاه شارعي صلاح الدين والبحر، ومع ضغط الهجمات الإسرائيلية أشارت التقديرات إلى أن مئات الألوف قاموا بإخلاء مساكنهم، بينما رفض آخرون. كان الوضع مؤلمًا؛ فالأهالي يتركون بيوتهم بأعداد كبيرة، ويسيرون في جماعات في الشوارع لا يعرفون إلى أين سيذهبون.

وقد وجه الجيش الإسرائيلي ضرباته المكثفة إلى المستشفيات في قطاع غزة مستهدفًا ما فيها من المرضى والنازحين الذين احتموا داخلها ظنًّا منهم أنها ستكون ملجأ آمنًا لهم؛ إذ لم يتصوروا أنه مهما بلغ إجرام المعتدين سيقومون بضرب المستشفيات والمرضى بها.

وقد بررت إسرائيل فعلها الإجرامي هذا المخالف لكل القوانين الدولية والإنسانية بأن قيادات حماس تتواجد داخل أو أسفل تلك المستشفيات، وليس هذا بمبرر مقبول في القانون الدولي لقتل وجرح المئات من المرضى والمدنيين إن صح؛ فكيف وقد أثبتت الوقائع والأحداث بعد ذلك كذب الزعم الإسرائيلي المذكور، وأنه لم يتضمن القتلى والمصابين في المستشفيات التي تم استهدافها وجود أحد من قيادات حماس أو المقاومة أو أحد من رجالها.

وقد أدانت منظمة الصحة العالمية في بيان لها في 15 أكتوبر 2023 الهجمات الإسرائيلية المتكررة على مستشفيات غزة، وأدانت كذلك مطالبة إسرائيل بإخلاء 22 مستشفى في شمال قطاع غزة تقوم بعلاج أكثر من ألفي مريض، وأن الإجلاء القسري لهؤلاء المرضى والأطقم الطبية المرافقة لهم يفاقم من أوجاعهم الصحية والإنسانية.

ومعلوم أن هذا يهدد حياة الحالات الحرجة من المرضى ويعرضها للوفاة مباشرة؛ خاصة الذين يعالجون منهم في وحدات العناية المركزة، وأولئك الذين تحت العلاج بأجهزة التنفس الصناعي، وحالات مرضى الغسيل الكلوي، وكذلك النساء الحوامل اللاتي يعانين من مضاعفات الحمل، والأطفال حديثي الولادة في الحضانات، وكلها حالات يجب ألا تغادر المستشفيات التي يعالجون فيها مهما كانت الظروف، ويجب ألا تتوقف -ولو لفترات قصيرة- الرعاية الطبية المقدمة لهم؛ لكونها ضرورية لاستمرار حياتهم.

كانت الحرب تتصاعد يوم بعد يوم في كل مكان في قطاع غزة، وهجمات الطيران الإسرائيلي تتواصل ليلًا ونهارًا دون توقف، ورجال المقاومة يردون على الاعتداءات برشقات الصواريخ من وقت لآخر، بينما كانت تعلن الولايات المتحدة وتؤكد دعمها لإسرائيل في موقفها، وترفض وقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطع غزة، على ما فيه من انتهاكات جسيمة واضحة؛ هذا رغم بدء ظهور الاحتجاجات الشعبية في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.

وقد توجهت قوة مكونة من ألفين من مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) إلى سواحل فلسطين المحتلة لتنضم إلى قوة السفن الحربية الأمريكية، ونقل عن بعض المسئولين في وزارة الدفاع الأمريكية أن هؤلاء الألفين مكلفين بمهمات تقديم المشورة لا المشاركة في القتال.

الأوضاع في إسرائيل:

كان الخلاف يتزايد داخل أوساط الحكم في إسرائيل حول خطوات المرحلة القادمة؛ خاصة في وجود تقارير تحذر من خطورة الهجوم البري على قطاع غزة، خاصة مع فشل الاستخبارات الإسرائيلية في التعرف على قدرات حماس وترسانتها العسكرية، والتي بات واضحًا أنها تطورت كثيرًا.

أما على المستوى الشعبي فقد قامت أعداد من الإسرائيليين بمظاهرات ساخطة ضد حكومة نتن ياهو، وحملتها مسئولية الإخفاق في مواجهة هجوم حماس، وتطالب بإصدار بيان واضح حول أهداف الحرب مع حماس خشية تعرض جنود إسرائيليين آخرين للقتل دون تحقيق أي هدف واضح.

وفي يوم السبت الرابع عشر من أكتوبر قام آلاف المتظاهرين الرافضين للعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزة بمسيرة ضخمة في لندن، وهم يلوحون بالأعلام الفلسطينية ولافتات كتب عليها (فلسطين حرة)، ويرددون هتافات ضد حكومتي بريطانيا والولايات المتحدة لدعمهما اللا محدود للعدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، لكن الحكومة الإسرائيلية لم تلقِ لذلك بالًا، وظلت تتمادى لليوم الثامن على التوالي في شن ضرباتها الجوية المكثفة ضد الفلسطينيين رغم الاحتجاجات الدولية الشعبية، بل طالب الجيش الإسرائيلي مجددا بإخلاء عدة مستشفيات أخرى في شمال القطاع ومدينة غزة، منها (مستشفى القدس) الواقعة في مدينة غزة.

وقد أعلن المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية أن 70% من سكان شمال غزة ومدينة غزة قد حرموا من تقديم الخدمات الصحية لهم بعد إخلاء وكالة غوث اللاجئين (الأنروا) لمقارها وتوقف خدماتها في شمال القطاع ونقل موظفيها الدوليين إلى جنوب قطاع غزة.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة