الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
أولاً: لا بد أن نعلم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) (رواه مسلم)؛ فإن مَن سمع بأن محمدًا رسول الله يدعو إلى عبادة الإله الحق وحده لا شريك له، خالق السماوات والأرض؛ فهذا واجب عليه الإجابة وعدم الالتفات إلى ما يُسمَّى تشويهًا؛ فإن الفطرة الإنسانية توافِق هذا الحق بلا شك، ولو لم يؤمن بذلك مات كافرًا.
ثانيًا: التشويه المذكور درجات، فهناك مَن يصل إليه الخبر لا على أنه رسول يدعو إلى التوحيد فيكون ممن لم تصله "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، فيكون مِن أهل الفترة -أي يكون كافرًا غير معذب حتى يُمتحن-، وهناك مَن يصله الشهادتان، ولكن مع تشويه متعلق بالفروع كمَن يصله أن الإسلام دين يَظلم المرأة ويهينها، ويضيع حقوق الإنسان، ويأمر بالقتل، لكن التوحيد والرسالة قد بلغته؛ فيجب عليه البحث فيما أُثير مِن شبهات، فإن لم يفعل مات كافرًا قد بلغته الحجة؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد كَتب لهرقل: (وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ) (متفق عليه)، فلماذا يكون عليه إثمهم إلا لأنه قد أضلهم، وشوَّه صورة الإسلام لديهم؟! وعليهم إثم أنفسهم؛ لأنهم لم يبحثوا، وقد بلغهم الحق فلم يؤمنوا به.
وهؤلاء المقلدون هم "الطبقة السابعة عشرة" مِن طبقات المكلفين، وضلال مَن ضل مِن جماعات التكفير والتوقف وأمثالهم في جعلهم جهال المسلمين منها، وهي فيمن قلـَّد في الكفر، ولم يعتقد التوحيد والرسالة، وينطق الشهادتين.
ثالثًا: مَن نطق الشهادتين واعتقدهما اعتقادًا جازمًا ثبتَ إسلامه ظاهرًا وباطنًا، ويلزمه التعلم لواجبات الدين "عقيدة وعملاً"؛ فإن قصَّر أثِم، وإن وقع في شرك جاهلاً؛ لم يكفر، ولم يخلد في النار وإن كان مقصرًا.
ولا يمكن أن نسوي بيْن مَن صدَّق الرسول إجمالاً، واعتقد أن لا يُعبد إلا الله إجمالاً، وجهل بعض معاني العبادة فصرفها لغير الله، وبيْن مَن اعتقد الشرك وتكذيب النبي -صلى الله عليه وسلم- مقصِّرًا في البحث، وهذا النوع الذي ظاهر كلام ابن القيم -رحمه الله- أنه يحكي فيه القولين، ويرجح التوقف، والذي لا شك فيه أنه لا يَكفر؛ لأن الأصل ثبت له بالإسلام، ولم يَرد ما يقطع بزواله وخروجه مِن الدين، مع بقائه على "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، والسلف لا يُعرف عنهم خلاف في ذلك.
رابعًا: مَن ارتكب كفرًا مِن المسلمين وقامتْ عليه الحجة، ولكنه أخلد إلى التقليد وقصَّر؛ فهذا لا ينفعه جهله بعد البلاغ التفصيلي والحجة التفصيلية.
موقع أنا السلفي