الجمعة، ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

رسالة إلى شيوخ الإخوان وشبابهم... ورسالة إلى الدولة

وأحب أن أوجه رسالة إلى شيوخ هذا الفصيل الكبير داخل المجتمع المصري والمحسوب داخليًّا وخارجيًّا على

رسالة إلى شيوخ الإخوان وشبابهم... ورسالة إلى الدولة
ياسر برهامي
السبت ٣٠ مايو ٢٠١٥ - ٠٥:٣٤ ص
3400

رسالة إلى شيوخ الإخوان وشبابهم... ورسالة إلى الدولة

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد أثار مقال د."محمود غزلان" -فيما يَظهر- عاصفة بيْن شباب الإخوان الرافض لمبدأ السلمية وعدم التكفير الذي دعا إليه د."غزلان" وشيوخهم الذين استحضروا موقف  الأستاذ "الهضيبي" -ومَن معه في سجون "عبد الناصر" في الستينيات- حين ظهر فكر التكفير كفصيل ضمن "عباءة الفكر القطبي" الذي تعاطف معه أو توافق جزئيًّا حين ذاك؛ فكان الرد الحاسم مِن "المُرشد" وعامة شيوخ الجماعة برفض فكر التكفير بكل درجاته؛ رغم فداحة ما صنعه "عبد الناصر" بالإخوان، ورغم الجرأة على ثوابت الدين خلال موجة الانجراف نحو "اليسار" و"الرفاق الروس!" الذين كانت تهمهم إذ ذاك القضية الفكرية ونشر الاشتراكية.

وذكَّر د."غزلان" بتهديدات المرشد "الهضيبي" بالفصل مِن الجماعة لمن يصر على الفكر المنحرف وتنفيذ ذلك بالفعل، وقد خرجت الأصوات الرافضة آنذاك والتي بدأت مؤدبة ثم تحولت إلى سوء الأدب -كما هو الآن تمامًا- كأصوات الشباب التي تقدِّر الشيوخ وتعترض تمامًا على موقفهم! وتتهمهم اتهامًا مغلـَّفـًا بالخيانة، وتضييع الدين، وتضييع الجهاد، والذل والخنوع للباطل!

وهي طريقة معروفة، معروف نهايتها -إن لم تكن هي الآن قد وصلتْ بالفعل إلى هذه النهاية- مِن التكفير والعنف، والصدام مع المجتمع "وليس فقط الدولة!"؛ فالمجتمع المتعاطِف ضد فكرهم التكفيري الصدامي هو: "إما عبد الطاغوت، وإما هو -على أحسن الأحوال- مِن الطبقة المتميعة المتوقـَّف فيها"، والتي لا مانع مِن التضحية بها في سبيل تحقيق الأهداف التي يَجزم كلُّ عاقلٍ يعرف الحسابات أنها لا تتحقق لا بالسنن الشرعية ولا الكونية!

وأحب أن أوجِّه رسالة إلى شيوخ هذا الفصيل الكبير داخل المجتمع المصري، والمحسوب داخليًّا وخارجيًّا على العمل الإسلامي:

1- واجبكم ومسئوليتكم أن تصبروا على ما تعلنونه، وأن تكونوا صادقين فيه عن عقيدة رافضة للتكفير بكل درجاته، وكذا التوقـُّف والتبيُّن، والطبقة المتميعة"؛ مهما وجدتم رفضًا مِن شبابكم، فعليكم البذرة وعليكم سقيها حتى تنمو؛ لأنكم الذين سمحتم بالبذرة الخبيثة أن تنمو، وسمحتم بالخطاب المنحرف أن يتصدَّر "قبْل رابعة وبعدها" رغم النصيحة لكم، وحتى لو اتهموكم بأبشع التهم، والتي مِن أشدها عندكم أنكم صرتم مثل "حزب النور!".

2- لا بد مِن التأصيل العلمي الشرعي للموقف الجديد؛ فهو الذي يغيِّر في الحقيقة، كما فعل الأستاذ "الهضيبي" في كتابه: "دعاة لا قضاة"؛ فإنه نشر العلم بنصوص الكتاب والسنة، وذكر كلام العلماء مِن أهل السنة والجماعة، وليس مجرد الكلام العاطفي الجاهل هو الكفيل بردِّ الشباب عن غيهم أو هو الذي يحقق الثقة في تغيُّر الموقف! وليس مجرد الإعلان أن هذا كان هو الموقف السابق؛ فإنه بالقطع لم يكن كذلك، وادعاء أن قيادة الجماعة ليستْ هي التي وجَّهتْ نحو العنف والتكفير في الخطاب "قبْل رابعة وبعدها، وإلى الآن!" مِن خلال الفضائيات والأدبيات على صفحات التواصل وغيرها - لن يقبله أحدٌ، وسيحمله الجميع على أنه تمثيلية أعقبت الفشل.

3- لا بد أن تعلموا أنه لا يجوز ترك قيادة العمل الإسلامي فكريًّا وتوجيهيًّا لمجموعة مِن الجُهَّال المتحمسين بالباطل باسم "تقديم الشباب!"، فالشباب يقدَّمون بعد تحصيل العلم المطلوب، ويصدَّرون في العمل على قضبان الطريق الحق لأهل السنة والجماعة وليس بعيدًا عنه، والحفاظ الحقيقي على الجماعة ليس بمجاملة الشباب؛ لأن منهم مَن سينقلب ويخرج ويهدد بالانفصال "وينفصل بالفعل"؛ فهذا مِن الزَّبَد الذي يذهب جفاءً، ولا بد مِن إخراج الخبث مِن وسط الصف، بل ومقاومته بالدليل والفكر والصدق، وليس بالمواقف الإعلامية!

أما شباب الإخوان... فأقول لهم:

1- إن الجهاد الذي أعلنه الشيخ "حسن البنا" ليس ضد مجتمعاتكم ولا دولكم، ولا جيشكم وشرطتكم؛ فمهما كان مِن ظلم وعدوان فهم لم يَكفروا بعد، وقتالكم ضدهم فساد عريض في صالح الأعداء الذين يجب جهادهم بالفعل، وأيضًا بالضوابط الشرعية وليس الشعارات والحماسات التي تضر الأمة كلها "في العالم كله"، واعتبِروا بحال "داعش" و"القاعدة" الذين رفضتم سبيلهم مِن قبْل!

2- ليس مِن السنن الشرعية مصادمة السنن الكونية، وإهمال موازين القوى، وعدم اعتبار مآلات الأمور، والمصالح والمفاسد! وتذكَّروا أن الخَضِر -عليه السلام- عاب السفينة لإنقاذها، وتذكَّروا أن الفقهاء الذين خرجوا مع "ابن الأشعث" قد ندِموا على خروجهم على "الحجاج" مع أنه قتل نحوًا مِن أربعة آلاف "ضعف مَن قُتلوا في محنة بلادنا الأخيرة"، ومع ذلك استقر الأمر لـ"عبد الملك بن مروان" الذي استعمله بهذه القسوة، وقد أقر الصحابة -رضي الله عنهم- الأمر؛ لمنع مزيدٍ مِن الظلم والدم والفساد.

3- لا أشك أن المتكلمين عن الجهاد وحتمية تسليح الثورة يتكلمون مِن خارج البلاد، ولا يدركون حقائق الأمور في الشارع المصري -لا حقيقة ولا مجازًا-، وغاب عنهم تمامًا: استحالة السير في هذا الطريق، وأنه لا يمكننا ذلك؛ لأنه سيكون على أشلاء الجماعة ومَن يعاضدها، كما أن "المعادلة الصفرية" لو تحققتْ -وهميًّا- لصالح مَن يرون هدم الدولة؛ فسيكون ذلك على أشلاء وطن وأشلاء مجتمع، وأشلاء دعوة وجماعة، ولا يرضي الله ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم- ذلك.

والأقرب بلا شك "بل المقطوع به" بالسنن الكونية والشرعية: أن المعادلة الصفرية لو تحققتْ فلن تكون في صالحكم، وستحصلون أنتم على "الصفر"، نسأل الله أن يسلِّمكم ويسلِّم المسلمين مِن ذلك؛ فادْرِكوا الأمر وارجعوا إلى الحق، ولا تستنكِفوا مِن الاعتراف بالخطأ في الحسابات والتقديرات بعد الخطأ في العلم الشرعي.

وإلى الدولة وقياداتها... أقول:

1- لا بد أن نشجـِّع التوجُّه الجديد داخل الجماعة، ولا يصح أن تصروا على "المعادَلة الصفرية" مِن طرفكم؛ فإن الضرر على البلاد "غير محتمل" بالسير في هذا الطريق، فإنه مستلزم لتجاوزاتٍ هي سبب لهدم الدولة، واتقوا دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبيْن الله حجاب.

2- قد لا تكون هناك ثقة في الكلام المطروح، ولكن يلزم أن نقبَل الظاهر، ولا يعني ذلك ترك الحذر، ولكن لا بد أن نساعِد على التوجه الصحيح؛ فإنه سيفرض نفسه على الشباب والشيوخ معًا مع ضغط الواقع.

3- قد يكون البعض رافضًا لذلك؛ معللاً بأنه قد اُرتكبتْ جرائم لا بد مِن المحاسبة عليها، فنقول: مَن ثبتت عليه جرائم بالبينات لا بالظن، وبالاعتراف بلا إكراه ولا تعذيب؛ فليحاسبْ وليعاقب على ما فعل دون ما لم يثبُتْ أنه فعله؛ فلا يقبل أن تكون صورة شاب يسير في مظاهرة أو كلمة كتبها على صفحته دليلاً كافيًا لتلفيق سبع عشرة تهمة تكون عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد دون بيناتٍ على ذلك!

وعلى "المؤسسة القضائية" أن تُراعي المصلحة العامة، وسمعة البلاد في الخارج في تطبيق القانون في مساحة هي متروكة قانونًا لـ"تقدير القاضي" وقناعته وضميره؛ فلا ينبغي أن نختار الأشد مع إمكانية اختيار الأهون، ولأن نخطئ في العفو خير مِن أن نخطئ في العقوبة.

4- لا بد أن يُوضَع على أول سلم الأولويات معالجة الوضع القائم في السجون والأقسام، وحقوق الإنسان، وسرعة التصنيف والفصل بيْن الاتجاهات المختلفة، ولا نترك مَن لا ينتمون إلى أفكار منحرفة يقعون فريسة سهلة لها في ظروف حادةٍ لا تحتملها نفوس أكثر الناس؛ فيُدَفعون دفعًا إلى الكفر بكل شيء "الوطن والبلد والمجتمع"؛ فضلاً عن الدولة والنظام!

وتأكدوا أن كل واحد مِن هؤلاء له دائرة مِن المتعاطفين: "مِن الأقارب، والأصدقاء والزملاء"، وكلما ازدادت دائرة السخط كلما خسرت البلاد، ولا يَلزم أن تكون نسبة الساخطين عالية، بل تكفي أعداد لإشعال الأزمات وتعطيل المسيرة.

فيا ربنا سلِّم بلادنا، وبلاد المسلمين مِن كل سوء.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة