الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفوائد الحسان مِن رحلة سلمان -رضي الله عنه- (2)

أحيانًا يكلَّف الواحد منا بمهمة معينة هي عند مَن كلفه بها تساوي كلمة واحدة

الفوائد الحسان مِن رحلة سلمان -رضي الله عنه- (2)
وليد شكر
الأربعاء ٢٠ فبراير ٢٠١٩ - ١٧:٣٦ م
851

الفوائد الحسان مِن رحلة سلمان -رضي الله عنه- (2)

كتبه/ وليد شكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

لما وصل سلمان -رضي الله عنه- إلى الشام قال: "مَن أعلم الناس بهذا الدين؟".

وهنا فائدة:

علو الهمة: إذا كنتَ في هذ الطريق تعاني، ومِن أجله تضحي؛ فلماذا ترضى بالدون وأنت تستطيع الكمال؟!

ولم أرَ في عيوب الناس عيبًا            كنقص القـادرين عـلى التـمام

إن سلمان سأل عن أعلم الناس بهذا الدين ليأخذ عنه، وهذا ما يفتقده كثيرون منا؛ فتحد الواحد منا يرضى أن يدرس على الأدنى مع استطاعته أن يتلقى مِن الأعلى علمًا، أو الأرفع سندًا، وحتى في أحكام الواقع التي لو عُرضت على عمر لجمع لها أهل بدر؛ تجده يقول: "لقد قال فلان، وذكر فلان... "، ويترك قول العلماء العاملين والدعاة ذوي الخبرة والتجربة، ويتبع كل ناعق، ولو اتبع هذه القاعدة لوفر الوقت والجهد، والألم والأنين، له ولجموعٍ مِن المسلمين.

- قال: "فقالوا لي: أسقف الكنيسة، فكنتُ معه، فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويكنزها لنفسه، فلما مات أخبرتهم".

وهنا فائدة: أن مَن تعلق بالأشخاص تتيه خطاه بغيابهم، ومَن تعلق بالمنهج لا يتاثر تمسكه بمنهجه مهما حاد عنه الأشخاص، حتى ولو كانوا هم مَن دلوه عليه؛ فأنت لم تتبع المنهج لأجل فلان حتى إذا غاب تتركه أو إذا حاد تهجره! فالخلل في الأشخاص وليس في المنهج الذي دلوك عليه، ثم إن اتِّبَاع المنهج وعدم تقديس الأشخاص يجعلك ثابت القدمين، تدرك وجهتك، وتعلم طريقك؛ وإلا لن تدري لك وجهة إن كانت وجهتك هذا الشخص أو ذاك، بل ستتغير وجهتك ومنهجك بتغير مزاج الشخص ووجهته، فالزم المنهج، واتبع الدليل، وانتهج المؤسسية تنجو مِن التخبط.

- قال: فجاء مِن بعده رجل -أي مِن بعد أسقف الكنيسة- فما رأيت أزهد في الدنيا، فأحببته حبًّا لم أحبه مِن قبله، وأقمت معه زمانًا".

وهنا فائدة:

(إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) (الكهف:30)، ثبت سلمان على المنهج ولم يؤثِّر فيه انحراف الأشخاص أو تغيرهم، فجاءه ما كان يرجو، رجل يعمل بعلمه ويأخذ بيديه إلى ربه، ويعينه في طريقه إلى الله، فوجد سلمان في هذ الرجل مبتغاه، وكذلك الصبر والثبات عاقبتهما الفلاح في الحياة وبعد الممات.

- قال سلمان: "ثم حضرته الوفاة، فقلتُ له: يا فلان، إني كنت معك، وأحببتك حبًّا لم أحبه مِن قبلك، وقد حضرك ما ترى مِن أمر الله، فإلى مَن توصي بي؟ فقال: أي بني، والله ما أعلم أحدًا اليوم على ما كنتُ عليه؛ إلا فلانًا بالموصل، فهو على ما كنت عليه فالحق به، فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل".

وهنا فائدة:

- لما أشرف على الموت لم يؤخِّر سلمان السؤال عمَن يكمل معه الطريق ويأخذ بيديه ليواصل المسير، ولما كان السؤال حانيًا، كان الجواب شافيًا؛ فدفنه وانطلق، ولم يوقفه فقدان أحب الناس إليه، بل انطلقَ، وكذلك حال مَن يريد الوصول، ثم لاحظ التعبير: "فلما مات وغُيب، لحقتُ بصاحب الموصل"؛ كلمة "لحقتُ" كلمة واحدة ينسبها سلمان إلى نفسه، مع أنك إذا أردتَ أن تفسِّر هذه الكلمة تجدها عبارة عن رحلةٍ طويلةٍ مِن الشام إلى الموصل قد تستغرق أيامًا طويلة يتعرض فيها المسافر إلى مفاوز ومهالك، وأعداء ومخاطر، لا ريب أن سلمان مرَّ بها، ولكنه لم يذكر مِن ذلك شيئًا سوى (لحقتُ!)، وما أحوجنا إلى هذا الأسلوب في التعبير: (لحقتُ)؛ فتعبِّر عن المقصود بما يفيد، ولا تطلب على عملك شاهدًا سوى الله.

أحيانًا يكلَّف الواحد منا بمهمة معينة هي عند مَن كلفه بها تساوي كلمة واحدة: "اكتب بحثًا - رتِّب لعملٍ معين - حضر إفطارًا - ... "؛ فيرهق المكلَّف في هذا العمل، ويبذل فيه جهدًا لا يلتفت إليه المسؤول الذى كلفه فلا يهدأ له بال حتى يطلعه وغيره على تفاصيل العمل، وأشكال التعب وصور الإرهاق الذى عاناه، ولو عقل هذا المكلَّف مبدأ سلمان (لحقتُ) لاكتفى بقوله: "صنعتُ"، ولم يطلب على العمل شاهدًا غير ربه؛ فهو وحده -سبحانه- الذى لا يضل ولا ينسى، ويجازي بالحسنة عشرًا، ولا تغيب عنه مثقال ذرة.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة