السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

أصله طلع حزب نور!

أصله طلع حزب نور!
  • أصله طلع حزب نور. كتبه. غريب أبو الحسن

    الحجم:0.26MB
    تحميل
الاثنين ٠١ يناير ٢٠٢٤ - ١١:١٢ ص
1270

أصله طلع حزب نور!

كتبه/ غريب أبو الحسن

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

- فحملة تشويه متعمدة تنال عددًا من الدعاة الأفاضل ممَّن لهم كبير الأثر في طبقة الشباب، وجعلهم الله سببًا في هداية العديد منهم، وهذا أمر معتاد لا غرابة فيه، فالفتن تعرض على القلوب فتنكرها القلوب النقية وتتقبلها القلوب المريضة، ولم يسلم أحد من الأذى؛ حتى خاتم الأنبياء والمرسلين قد أوذي في نفسه، واتهمت زوجته بالباطل، وتلك ضريبة الطريق أن يبتلى، ويبتلى المرء على قدر دينه.

- ولكن المزعج في الأمر أن أجيالًا لم تعاصر تلك الفتن والمزالق التي حدثت بعد ثورة يناير 2011، يراد لها أن تخوض في وحل قد سلَّمها الله منه، وبدلًا من الحرص على أن تتعلم من تجربة أليمة مرت بها التيارات الإسلامية يراد لها أن تسير في نفس الطريق، وتغوص بنفس الوحل، وتعاني نفس المعاناة.

ذكريات ثورة يناير:

- أجد نفسي مضطرًا أن أستعيد ذكريات تلك السنوات بما بها من معاناة؛ ليعلم الشباب ما حدث بها وآثاره الممتدة إلى يومنا هذا، حتى لا يكون بين شقي رحى يدفع ضريبة لا دخل له بها، ويكون وقود معركة قوم فشلوا ولا يزالون في فشل، وهم مصرون على السير في ذات طريق الفشل.

- قامت ثورة يناير في أجواء من الاحتقان كان يعاني منها المجتمع المصري في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وعلى كافة الأصعدة، قامت الثورة وتعددت التفسيرات حول مَن يقف خلفها؛ فأمريكا والدول الغربية تسعى نحو الفوضى الخلاقة، وتغيير الأنظمة، ورغبة بعض الدول الإقليمية في السيطرة على القرار في الشرق الأوسط.

"جماعة الإخوان" ترغب في أن تكون على رأس السلطة، وربما قوى داخلية كانت تكره فكرة التوريث التي كانت تجري على قدم وساق، وربما كل ذلك مجتمعًا أدَّى لنجاح ثورة يناير واقتلاع نظام حسني مبارك، والمفارقة أن الناس تترحم عليه الآن وتذكره عامتهم بالخير! وربما هم هم من شارك في المظاهرات ضده وهم هم مَن هتف: "الشعب يريد إسقاط النظام".

- قامت الثورة ولم تشارك فيها القوى الأساسية في المجتمع، بل أعلنت عدم مشاركتها؛ فلا الإخوان، ولا الدعوة السلفية، ولا حتى الكنيسة شاركت، بل أعلن الجميع أنه لن يشارك في مظاهرات 25 يناير، وأنه ضد الفوضى وضد عدم الاستقرار؛ أذكر ذلك لأن بعد الثورة مباشرة خرج علينا مئات الائتلافات الثورية، والتي تزعم قيادة الثورة تسب كل مَن لم يشارك في الشرارة الأولى للثورة، وتتهم الجميع بالتسلق وركوب الموجة الثورية.

- شاركت جماعة الإخوان المسلمين بعد ذلك في جمعة الغضب، وتم اقتحام أقسام الشرطة واقتحام الحدود الغربية للبلاد بمئات من العناصر المسلحة، واقتُحمت السجون وعمت حالة من الفوضى ونزل الجيش وانسحبت الشرطة، ووصلت الدولة لحافة الهاوية، ثم بادرت الدعوة السلفية ومعها قوى مجتمعية أخرى في تأمين الجبهة الداخلية فحمت المؤسسات الحكومية التي غفل الناس عنها وساهمت في إرجاع السلاح المنهوب من أقسام الشرطة والأموال المنهوبة من الدوائر الحكومية، وساهمت في إرجاع المسروقات للمحلات، وساهمت في كفِّ شر بعض الناس عن بعض.

بداية العملية السياسية:

- ثم انطلقت العملية السياسية في مجتمع لم يذق طعم العمل السياسي الحر من زمن بعيد، وبدأ ماراثون السباقات السياسية، من استفتاء على خارطة الطريق إلى استحقاقات انتخابية إلى انتخابات رئاسية ولم يشارك من التيار الإسلامي بشكل منظم؛ إلا مَن كان قادرًا فعلًا على ذلك، فشاركت جماعة الإخوان بعد تأسيس "حزب الحرية والعدالة"، وشاركت الدعوة السلفية بعد أن أسس عددٌ من أبنائها "حزب النور"، وشاركت الجماعة الإسلامية التي كانت تعاني أعراض الشيخوخة بتأسيس "حزب البناء والتنمية".

- كان استفتاء مارس 2011 بمثابة اختبار جاهزية، شارك فيه أبناء الدعوة السلفية بقوة، وكان لهم الأثر الكبير في نجاح هذا الاستفتاء؛ سواء من حيث تنظيم إقبال الناس، أو من حيث الموافقة على بنوده.

- وبعد أحداث وشد وجذب، جاءت انتخابات مجلس الشعب في ذلك الحين، وحاول حزب النور أن ينسق مع جماعة الإخوان المسلمين، ولكن بعد زيارة لوفد من الحزب لجماعة الإخوان جاء الرد الصادم من جماعة الإخوان: "لقد تأخرتم! لقد عقدنا التحالف بالفعل"؛ عقدت في ذلك الحين جماعة الإخوان التحالف مع كل القوى إلا القوى الإسلامية! يكفي أن تعرف أن من بين المرشحين على قائمة الإخوان والذي دخل مجلس الشعب بالفعل على قوائم الإخوان هو المرشح "أمين إسكندر"، وغيره من القوى الليبرالية واليسارية، وكل الأصناف التي تحالفوا معها إلا القوى الإسلامية.

- ثم عقد حزب النور تحالفه مع القوى الإسلامية والتي منها حزب البناء والتنمية المعبر عن الجماعة الإسلامية، وحزب الأصالة الذي كان يقوده شقيق د. محمد عبد المقصود، حصل تحالف حزب النور تقريبًا على ربع مقاعد مجلس الشعب، وحمل معه على قائمته أعضاء من حزب البناء والتنمية وحزب الأصالة، سارع كثير منهم للتحالف مع الإخوان بمجرد دخوله مجلس الشعب رغم أن الإخوان لم يسمحوا لهم بدخول التحالف الخاص بهم، ثم وضعوهم في ذيل القوائم؛ مما أدى لغضبهم وانضمامهم لحزب النور الذي وضعهم على رأس القوائم الخاصة به.

سلوكيات صادمة لأعضاء جماعة الإخوان في الانتخابات:

- وفوجئنا في انتخابات مجلس الشعب هذه بسلوكيات صادمة من المنتسبين لجماعة الإخوان المسلمين، حملة تشويه شديدة، عبارات منحوتة بعناية تردد في كل المحافظات تقريبا "حزب النور لا يفقهون إلا في بيع السبح والعسل"، وتحذير للفتيات بأن حزب النور لو نجح سوف يلبسكم النقاب، ولمن يكره الشريعة يكون الخطاب أن حزب النور متطرف وسوف يطبق الشريعة. ثم استخدام كل الحيل الانتخابات، منها على سبيل المثال لا الحصر: إذا دخل اللجنة من له سمت أنه من أنصار حزب النور، ولكنه قد يكون لا يحسن القراءة يقولون له: أن حزب النور هو رمز "الميزان"، رغم أن رمز الميزان هو رمز الإخوان في الانتخابات، استغلالًا أن بعض الناخبين يجهل القراءة أو قليل المعرفة، ومخالفات أخرى يندى لها الجبين!

كانت كل تلك الممارسات صادمة فلم نكن نتصور أن يقوم منتمٍ للتيار الإسلامي بكل هذا القدر من الكذب والتشويه، بل والتزوير، والصادم أكثر: أنها ممارسات لم تكن فردية، بل كانت ممتدة على مستوى المحافظات بنفس العبارات، وبنفس الأسلوب والطريقة، فهي خطة تعامل، ولم تكن مخالفات فردية! رأينا بأعيننا كيف أن المنهج القطبي الذي يرى أنهم هم جماعة المسلمين، وأن المجتمع من خلفهم هو مجتمع جاهلي يبيح لهم أن يتعامل مع المجتمع مستحلًا فيه الكذب والخداع، وربما ما هو أشد من ذلك، في الوقت الذي يحض فيه أتباعه على التحلي بأخلاق الإسلام، ولكن داخل الجماعة فقط!

وهذا ما يفسر لك: كيف يستخدم أتباع منهج الإخوان أقذر الألفاظ مع مَن يختلف معهم حتى في أبسط المواقف، وهم هم من يتحدثون عن الحب في الله والإيثار، والحياء، والأخوة الإيمانية عندما يتعاملون فيما بينهم. تخيل أن "وجدي غنيم" سليط اللسان على كل خصومه، والذي كفَّر مَن اختلف مع الإخوان سياسيًّا، ولم يترك حتى مَن سمع أغنية "تسلم الأيادي" حتى وصفه بالكفر في جرأة عجيبة، هو نفسه الذي له سلسة كاملة في سلوك المسلم الملتزم!

كانت هذه المواقف الصادمة وتلك السلوكيات المنحرفة مؤشرًا قويًّا على تغلغل الفكر القطبي ليس في القيادات فحسب، بل في المنتمين أيضًا، فالذي يقبل أن يشوه أخاه المسلم استجابة لقيادته لا يفعل ذلك؛ إلا بعد أن يستقر الفكر الذي يجعله يقبل هذا الانحراف السلوكي، بل يرى تلك البذاءات قربة لله -سبحانه وتعالى-.

فشل الإخوان في مجلس الشعب:

- وما إن دخل الإخوان البرلمان حتى سعوا في تشكيل لجان مجلس الشعب والشورى دون إشراك أي من القوى معهم لا إسلامية ولا غيرها، ثارت حالة من السخط من السلوك الإخواني المتوقع. 

وقف حزب النور وحذَّر الإخوان: إما تشكيل متوازن أو سيشكل حزب النور تحالفًا مع باقي القوى لتشكيل اللجان من دون الإخوان، وعندها رضخت جماعة الإخوان البراجماتية للواقع، وتم تشكيل اللجان بمشاركة كل القوى الموجودة في البرلمان، كان لهذا الموقف أثر في تغير نظرة كل القوى التي تشكل البرلمان لحزب النور الذي كانوا ينظرون لأعضائه بلحاهم الطويلة، وسمتهم الظاهر نظرة قلق، وذلك بسبب التناول الإعلامي الظالم لأصحاب الهدي الظاهر طيلة أعوام وأعوام.

- العجيب: أن جماعة الإخوان المسلمين رغم سيطرتهم على البرلمان وعلى القرار فيه، لكنها كانت فترة يغلب عليها التخبط وعشوائية التخطيط وضعف الإمكانات الظاهر. أسرَّ لي أحد الأصدقاء حينها: أن جماعة الإخوان ما هي إلا تنظيم كشافة كبير تستطيع أن تنظم بعض الفعاليات، وتستطيع أن تكون معارضة مزعجة لأي حكومة؛ أما أن تكون هي مَن تدير البلاد فهذا بعيد جدًّا. تستطيع جماعة الإخوان الحديث عن المظلومية وعن السجون والمعتقلات، وعن أيام المحنة؛ أما أن تنشئ هي العدل وتعامل الجميع كما تعامل أبناءها فهذا أمر مستبعد.

الانتخابات الرئاسية:

- اقتربت انتخابات الرئاسة لينصح الجميع جماعة الإخوان ألا تقدم على ترشيح أي من أبنائها حتى لا تزيد حالة الاحتقان في البلد، ودعونا نرشح مرشحًا تلتف عليه شرائح المجتمع، ويكون أقرب إلى الجميع، يستطيع أن يدير البلد في تلك المرحلة الحرجة والتي ما زالت قريبة عهد بثورة، والتي تشهد حالة من الاستقطاب بين قوى المجتمع تنذر بالخطر، بل إن بعض الأجهزة في الدولة صرحت للجماعة بذلك، وقالت لهم: اهضموا ما أخذتم أولًا، وانجحوا فيه، ثم فكروا في غيره. ثم خرج المرشد وخرج خيرت الشاطر ليؤكدا أن جماعة الإخوان لن تدفع بمرشح أبدًا، وأنها ترى أن هذه المرحلة لا بد أن يحكمها رئيس توافقي يتفق عليه الجميع في هذا الوقت العصيب التي تمر به البلاد.

- ثم فوجئ الجميع بظهور "أبو إسماعيل" على الساحة بخطاب عاطفي وحماسي إلى أبعد مدى، يجمع بين المظهر السلفي والخطاب الصدامي، والخلفية الإخوانية، دغدغ "أبو إسماعيل" أحلام الشباب الإسلامي، بل وبعض الشباب الثوري، وكانت الدعوة السلفية تعلم انتماء "أبو إسماعيل" لأسرة من أسر الإخوان المسلمين -أي: أسرة تنظيمية- ثم علاقته بالتيار القطبي.

التقت الدعوة السلفية تقريبًا بكل المرشحين للانتخابات الرئاسية، وفي جملة من قابلتْ كان "أبو إسماعيل"، وكانت اللقاءات موضوعية بعيدًا عن جو المبايعة والمزايدة، وتحية الجماهير، حين كان يلتقي "أبو إسماعيل" مع رموز التيار السلفي العام، ففي لقاءات الدعوة السلفية لـ"أبو إسماعيل" كانت توجِّه له الأسئلة حول الصعاب التي سيواجهها في الرئاسة، وكان يُسأل: كيف سيتعامل معها، وكانت ردود "أبو إسماعيل" عاطفية تخلو من أي حلٍّ منطقي؛ ماذا ستفعل مع التهديد الإسرائيلي في الشرق؟ فكان الرد سأرسل أربعة آلاف بلطجي لإغلاق خليج باب المندب فترضخ إسرائيل!

ماذا ستفعل في مشكلة المياه؟

سأمنع المياه عن حمامات السباحة، وملاعب الجولف، وسأوفر ملايين المترات لكي نسقي الأراضي الزراعية! وهكذا.. أدركت قيادات الدعوة السلفية مدى سطحية الطرح المقدَّم للجماهير، وأن الخطاب الثوري الحماسي لا يغني ولا يسمن من جوع، وأن من أوتي جدلًا في برامج "التوك شو" مع مذيعين محدودي الثقافة لا يصلح لإدارة شئون دولة في حجم مصر. 

رفضت الدعوة السلفية تأييد "أبو إسماعيل" في الوقت الذي هرول فيه العديد من رموز السلفية الفردية نحو التأييد والمبايعة فقط لسماعهم بعض الشعارات الرنانة.

والعجيب أن "أبو إسماعيل" كان يصطحب معه "عبد المجيد الشاذلي" في مؤتمراته وهو قائد جماعة "التوقف والتبين" وصاحب كتاب "حد الإسلام"، والذي يقسِّم فيه الناس ثلاثة أقسام: مسلم قد علم إسلامه، وكافر قد علم كفره، وباقي الناس عنده لا يحكم لهم بإسلام ولا كفر، بل هم مجهولي الحكم حتى يختبرهم في مسائل "الحكم والولاية والنسك"! فكان رد "أبو إسماعيل" عندما يلام أنه لا يعرفه! وأنكم في الدعوة السلفية تتركوني وحدي.

- طبعا بعد أن فشل "أبو إسماعيل" في دخول الانتخابات شنَّ هجمات تلو الهجمات على حزب النور، وعلى منهج حزب النور وعلى قيادات حزب النور، في إطار هجوم أتباع الإخوان على حزب النور، وكأنه اكتشف فجأة منهج حزب النور، وكأنه لم يجلس الساعات يحاول أن يحصل على دعم أصحاب ذلك المنهج وعلى دعم قيادات ذلك المنهج وعلى دعم أتباع ذلك المنهج.

- لم ندرك الهدف الحقيقي وراء ترشح "أبو إسماعيل" ولا ذلك الزخم وتلك اللجان الإلكترونية التي وقفت خلفه إلا عندما قرر الإخوان الدفع بمرشحهم نحو الانتخابات الرئاسية. فحاولت جماعة الإخوان دفع خيرت الشاطر ثم "محمد مرسي"، وأدركنا بعدها أن الإخوان كانت تقول للجميع: أذقناكم مر "أبو إسماعيل حتى تتقبلوا مر الإخوان!"؛ فكل أصحاب العقول بعيدًا عن "الألتراس" سوف يدركون أن "أبو إسماعيل" خيار كارثي، فلا خبرة إدارية ولا اقتصادية ولا سياسية، وغاية ما هنالك عبارات تلهب مشاعر الشباب، وتستخرج الآهات من صدور الجماهير.

الدعاة السلفيون الفرديون:

- كان الدعاة السلفيون الفرديون منقسمون بين منكفئ على نفسه لا يهتم بدفع الله الناس بعضهم ببعض حتى لا تفسد الأرض، ولا يلتفت للشأن العام الذي تنازعه العالمانيون والإسلاميون؛ كل يريد صبغ البلاد بوجهته. 

وبين فريق مال إلى الدعوة السلفية يدعمها سرًّا، وقليل منهم أعلن ذلك. 

وبين فريق انتقل من تخبط لآخر، ففي انتخابات مجلس الشعب عام 2012 لم يدعموا الحزب الذي يعبِّر عن السلفيين، وذلك تحت وطأة لجان الإخوان، ومحاولة ذلك الفريق للخروج بمتابعيهم دون خسارة، فمن سيخوض غمار المنافسة السياسية سيخسر بعض المتابعين ولا شك في ذلك؛ خاصة وقد تبنَّت جماعة الإخوان المسلمين سياسة تشويه كل مَن يخالف موقفًا من مواقفها، ولو كان عضو مكتب إرشاد سابق، مثل "أبو الفتوح"! بينما تمدح وتعظم كل من شاركها مواقفها، ولو كان رافضيًّا خبيثًا، مثل: "حسن نصر الله".

ولم يدعم هذا الفريق حزب النور في أي استحقاق انتخابي، بل وزع الإخوان منشورات عليها صور يعقوب وعبد المقصود، وغيرهم يروجون بها الدعاية لمرشحيهم، ولم نسمع نكيرًا من أولئك الدعاة. وحرص أغلبهم ألا يشارك مشاركة حقيقة في هذه الاستحقاقات، ثم وللغرابة بدأ بعض أولئك الدعاة رغم انضمامه لتحالف حزب النور، مثل حزب الأصالة، طالب بانتخاب قوائم حزب النور وانتخاب المقاعد الفردية لمرشحي جماعة الإخوان تحت دعوى أنهم هم رجال المرحلة!

"هم رجال المرحلة" تلك الدعاوى التي روَّج لها عددٌ من الدعاة الذين كنا نظنهم فرديين أو لا ينتمون لتنظيم بعينه، ثم أثبتت الأيام ولاءهم التام لجماعة الإخوان المسلمين، وترويجهم لعنف الإخوان في المرحلة التي تلت فض اعتصام رابعة، ثم ظهر "أبو إسماعيل" صاحب الفكر القطبي فهرول نحوه العديد من أولئك الدعاة دون تفكير، وتمر الأيام ويدعو الإخوان للنزول للاتحادية فهرول العديد من أولئك الدعاة نحو النزول، ثم دعا الإخوان للاعتصام في رابعة فهرول العديد من أولئك الدعاة نحو النزول، بل وأنشد بعضهم الأناشيد الجهادية على منصة رابعة وألهبوا عاطفة الشباب، وهيأوهم للصدام مع القوات الأمنية، وأن يكونوا قربانًا على مذبح اللهث الإخواني نحو السلطة.

خيرت الشاطر ينشئ الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح:

- رشح الإخوان د. "محمد مرسي" رغم كل الوعود بعدم الدفع بمرشح؛ لأن وضع البلد لم يكن يتحمل، وفي الوصول لقبول هذا الترشح دفعت جماعة الإخوان بـ "أبو إسماعيل" كفزاعة للعقلاء من أبناء البلد؛ إما نحن، وإما "أبو إسماعيل" وألتراس "أبو إسماعيل"، وتم الدفع بـ"محمد يسري إبراهيم" لينشئ "الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح" بدعوى التنسيق بين السلفيين، وهي في الحقيقة أداة الإخوان للسيطرة على التيار السلفي المزعج ليضعهم في جيب "خيرت الشاطر" الصغير، كما بيَّنت تسريبات كل من "خيرت الشاطر"، و"محمد بديع". 

فهكذا قرَّر "خيرت الشاطر" السيطرة على ذلك التيار الكبير عن طريق "الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح"، التي تحولت من مجرد هيئة للتنسيق، كما زعم "محمد يسري إبراهيم" حينما أراد أن يمررها حينما جاء لمجلس إدارة الدعوة السلفية يستأذن في الظاهر أنه يريد أن ينشئ هيئة للتنسيق بين الهيئات السلفية، وهو في الحقيقة يريد أن يكون بديلًا للدعوة السلفية، وأداة لـ"خيرت الشاطر" في توجيه التيار السلفي، حيث سعى بعد ذلك "محمد يسري إبراهيم" للتواصل مع أبناء الدعوة السلفية في المحافظات لإنشاء أفرع للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح لتكون بديلًا تنظيميًّا على الأرض يحل محل الدعوة السلفية، وليكون تابعًا في نهاية الأمر لجماعة الإخوان المسلمين، وتلك جناية لن تمحى من الذاكرة، ولكن الله سلَّم.

حزب النور يدعم "عبد المنعم أبو الفتوح" ثم "محمد مرسي":

- دفع الإخوان بـ"محمد مرسي" نحو الانتخابات الرئاسية، ووقع اختيار الدعوة السلفية على عبد المنعم أبو الفتوح لدعمه في الانتخابات، ورأت أنه الأقرب لحدوث بعض التوافق المجتمعي في تلك الظروف، ثم دعمت الدعوة السلفية وحزب النور د. "محمد مرسي" عندما تمت الإعادة بينه وبين الفريق أحمد شفيق. 

والمفارقة: أنه في اجتماع بين خيرت الشاطر، ورموز من حزب النور قبيل جولة الإعادة بين "محمد مرسي" وشفيق، وكان الإخوان قد أطلقوا في حملة "محمد مرسي" مشروع "النهضة"، وقالوا: إنه مشروع متكامل نحو النهوض بالبلد، ولكن أثناء اللقاء الذي سبق الحملة الانتخابية، قال خيرت الشاطر: لا يوجد مشروع للنهضة، لا نملك إمكاناته ولا الكفاءات التي تقوم به، وليس لنا بعد الله إلا أنتم! فقد كَرِهَنَا الناس في الشارع؛ فعليكم أنتم بالشارع، ونحن نتولى أمر اللجان من الداخل. وقد حصل بالفعل، ونجح "محمد مرسي" وتولى شئون البلاد، وكان من أول الفعاليات التي قام بها "محمد مرسي" أن دعا الأحزاب للقاء فدعا عامة الأحزاب ولم يدعُ حزب النور!

ثم شكَّل الحكومة، والتي خلت من أي ممثل لحزب النور، ثم عَيَّن مستشارًا للبيئة وتم التواصل معه؛ ليس عن طريق حزب النور، بل تواصلوا معه بشكل شخصي، ولم يلبث أن اتهمه الإخوان بالباطل لإزاحته من أمامهم ليتقدم باستقالته من منصبه خلال فترة وجيزة.

إرهاصات فشل الإخوان:

- خلال ستة أشهر من 6/2012 وحتى بداية عام 2013 كانت كفيلة أن تكتسب جماعة الإخوان عداوة الجميع؛ فقد حاولوا إصدار قانون خاص بالقضاء، وهو جعل سن تقاعد القضاة ستون سنة بعد أن كان تقريبا 72 سنة، لينتهي الأمر باستعداء القضاء، ثم دخل الإخوان في صدام مع شيخ الأزهر وأطلقوا المظاهرات الطلابية التي تطالب برحيله. 

ثم اصطدموا مع الشرطة والمؤسسات الأمنية، ثم السلك الدبلوماسي.

ثم بدأوا في زرع المنتمين للإخوان في الوزارات المختلفة، وتوالت الشكاوى من كل المحافظات تقريبًا.

استعداء الجهاز الإداري للدولة وملف الأخونة:

نعم، طبيعي أن يأتي الرئيس ومعه فريق عمله، وطبيعي أن يسعى أن تكون رؤوس مؤسسات الحكم معينة له، شرط أن يتم ذلك وفق معايير، وأن يكون مَن يتولى تلك المناصب أهلًا لها، مع الحفاظ على هيكل الدولة الإداري، والذي يتسم بالثبات، وأن يكون التغيير من داخل دولاب العمل، وليس الضرب بكل القواعد المنظمة عرض الحائط في سبيل تعيين الثقة، فربما عين الإخوان مدرسًا في منصب وكيل للأوقاف، وربما تجاوزوا من يستحق التعيين لمن هو أقل كفاءة أو أحدث في التعيين؛ لأنه منتمٍ للإخوان.

وحاول حزب النور نصحهم وتحذيرهم من خطر هذه التصرفات وسط قوى في المجتمع لن تسمح للإخوان بمحوهم، بل ستزداد عداءً، ولكنهم تعاملوا باستعلاء. وعندما دُعي رئيس النور د. "يونس مخيون" للقاء د. "مرسي" مع القوى السياسية للحوار، تم تأخير كلمة النور -الذي كان ثاني حزب بالبلاد- وإعطاء الكلمة لأحزاب تحت التأسيس، ثم أراد د. "مرسي" الانصراف قبل أن يسمع مقترح النور؛ مما دعا د. "يونس" لإعلان انسحابه من الحوار الوهمي، وإذا كانت هذه طريقتهم في التعامل مع أحرص الناس على النصح لهم؛ فلك أن تتخيل كيف كانوا يستعدون ويستفزون بقية أطياف المجتمع؟!

أعطوا د. "يونس" 5 دقائق يذكر فيها رأيه للخروج من الأزمة، فوجَّه عِدَّة نصائح، وكانت معه قائمة بـ 13 محافظة بها شكاوى من إسناد المناصب بدون معايير واستحقاق، وإنما عن طريق الانتماء لجماعة الإخوان، وكان ينوي تقديمها سرًّا، ولكنهم لم يتيحوا له الفرصة إلا خلال هذه الدقائق المعدودة، ولم يكن يعلم أن اللقاء يذاع مباشرة على الهواء، وأشاع الإخوان ساعتها أنه قدَّم قائمة بها 13 ألف اسم!

وصار الإخوان في صراع مع الزمن، وكلما مرَّ يوم دخلت قوة جديدة من قوى المجتمع في صراع مع الإخوان.

وفي بدايات عام 2013 كانت الأمور قد اتضحت وأصبحت جماعة الإخوان تعادي تقريبًا كل شرائح المجتمع، وكل مؤسسات الدولة، وكل يوم يمر تنعزل الجماعة عن المجتمع أكثر من اليوم السابق، وتستمر في حالة الاستعلاء، وصم الآذان عن كل ناصح، فكل الأمور عندها تحت السيطرة، وخصومها هم مجموعة قليلة من العالمانيين الذين لا وزن لهم في الشارع!

حزب النور أمام مفترق طرق:

- عندها كان حزب النور أمام مفترق طرق: 

1- إما الصمت وترك جماعة الإخوان تلقى مصيرها المحتوم؛ من ثورة قوى المجتمع عليها وعلى فشلها وعلى استعلائها عن سماع النصح، وعلى عدم الالتفات لميزان القوة في المجتمع الذي يبصره كل ذي عينين، وأن تلك القوى الموجودة في المجتمع لن تسمح لجماعة الإخوان بمحوها، وستدافع عن مصالحها ولا شك. 

2- وإما أن يكون في صف القوى التي تعادي جماعة الإخوان. 

ولم يأخذ حزب النور موقفا معاديا لجماعة الإخوان المسلمين، بل قرَّر أن يتبنى مبادرة يدعو فيها الرئيس المصري "محمد مرسي" في ذلك الوقت أن يتبناها، وهي مجموعة من الإجراءات لتخفيف حالة الاحتقان في البلاد: من تغيير النائب العام، وتشكيل وزارة بطيف أوسع، وغيرها من البنود المنطقية، والتي قَبِل بها بعد ذلك "محمد مرسي" قبيل عزله بأيام، ولكن بعد فوات الأوان، وبعد أن فارق السهم القوس.

مبادرة حزب النور ورد جبهة الإنقاذ وحملة التشوية الإخوانية:

- ردت جبهة الإنقاذ على مبادرة حزب النور بالتفهم والموافقة، وردت جماعة الإخوان المسلمين بأن جيَّشت ضد حزب النور كل من استطاعت من اللحى التابعة لها؛ لاتهام حزب النور بالخيانة والعمالة؛ فانطلق "محمد عبد المقصود" ليخرج يوميًّا على "قناة الناس" في حالة من الصياح والاتهامات التي لا تتوقف، وتحولت "قناة الحافظ" بإدارة "عاطف عبد الرشيد" لأكبر منفر للناس عن التيار الإسلامي؛ فقد حافظت "قناة الحافظ" على اختيار ضيوفها بعناية ليكونوا شر سفير للتيار الإسلامي، ولم تتوقف رسالات التخويف للمجتمع والإذعار له في نفس الوقت. 

وأرادت جماعة الإخوان من حملة التشويه المبكرة أن تضرب عدة عصافير في نفس الوقت؛ فهي تريد أن تتخلص من غريمها الذي نافسها في الانتخابات، وفوجئت أنه حصل على ربع مقاعد البرلمان، وهو في ذات الوقت يمثل لها حرجًا في مطالباته المستمرة بمرجعية الشريعة، وهو يزاحمها في تمثيل التيار الإسلامي الذي تريد أن تكون الممثل الوحيد له. 

ولكن عادت تلك الحجارة التي ألقتها لترتد لصدرها مرة أخرى، فقد خسرت جماعة الإخوان بالهجوم على حزب النور شريحة كبيرة من أبناء التيار الإسلامي لم تصدق تلك الدعاوى الكاذبة من أن حزب النور هو المسئول عن فشل جماعة الإخوان، ثم خسرت قيمة دعم أولئك الدعاة الذين استجابوا لتوجيه الإخوان بشن حملة تشويه على الدعوة السلفية وحزب النور، والذين كان لهم وزن بين أبناء التيار الإسلامي حين كانوا يتحدثون بلسان شرعي ويعلِّمون الناس الخير، فإذا بهم أفواه تصرخ وألسنة تسب؛ ففقدوا ذلك التأثير وتلك المرجعية. 

وفي حقيقة الأمر، فإن جماعة الإخوان تجيد اكتساب العداوات، وقد جعلت من حزب النور خصمًا جديدًا لها بعد تلك الحملات الممنهجة من التشويه.

- ورب ضارة نافعة، فكان لهذا الهجوم أن ترسخ في المجتمع شيئًا فشيئًا أن حزب النور يختلف عن جماعة الإخوان المسلمين؛ لأنه حتى ذلك الوقت كانت كثيرًا من القوى في المجتمع لا تدرك على وجه الدقة الفروق بين أبناء التيار الإسلامي، ولا تدرك أن التيار الإسلامي طيف واسع بين المدخلي الذي يعيش في عالم موازٍ، وبين القطبي الذي يعيش في عزلته الشعورية، وهناك أيضًا طيف متنوع من أصحاب السمت السلفي. فكانت تضعهم جميعًا في سلة واحدة، إلا قليلًا ممن يعرف التصنيف الدقيق لأبناء التيار الإسلامي، حتى تصاعدت الأزمات، وتصاعدت حملات تشويه الإخوان لحزب النور.

حملات تشويه بالوكالة:

- تحرص جماعة الإخوان دائمًا أن تجعل قياداتها الرسمية بعيدة عن السب واللعن، وإثارة الشائعات؛ لأنها تحب أن يكتب التاريخ عن قياداتها أنها كانت قيادات تقية نقية ورعة، فتجعل مَن يتبنى تلك الحملات من هم من الدوائر الأبعد؛ سواء الكتاب المستأجرين أو الدعاة القريبين أصحاب السمت السلفي.

- والمفارقة: أن الاتصال بين جماعة الإخوان المسلمين والدعوة السلفية على مستوى القيادات ظل حتى 16-6-2013م حين زار وفد من مكتب الإرشاد على رأسهم: "محمود عزت" إدارة الدعوة السلفية، وقدَّمت حينها الدعوة السلفية 12 نقطة عاجلة لا بد للرئيس د. "محمد مرسي" أن يقوم بها لعله يستطيع أن يتدارك ما سيحدث؛ لأن البلد مقدمة على تطورات خطيرة، وأن الأيام المقبلة ستشهد أمورًا يصعب السيطرة عليها. وقابلت قيادات مكتب الإرشاد تلك الاقتراحات بشيء من اللامبالاة، وقالت: إن الأمور تحت السيطرة، ومن سيخرج في 30-6 لا يتعدون خمسة آلاف، وأن المظاهرات سوف تمر، ونحن ليس لنا تواصل مباشر مع الرئيس فقدِّموا أنتم له تلك المقترحات! وعندما لامهم أعضاء مجلس إدارة الدعوة السلفية على حملات التشويه نفوا تمامًا علاقتهم بتلك الحملات، وأنهم لا علاقة لهم بها. 

بعد ذلك اللقاء، أيقن مجلس إدارة الدعوة السلفية أنه لا أمل في الإصلاح، وأن المصير المحتوم قادم إلا أن يشاء الله، حتى بعد أحداث 30/6/2013 كان هناك بعض التواصلات بين قيادات من جماعة الإخوان ونظرائهم من الدعوة السلفية، وكان هناك إصرار من قيادات الإخوان أن الأمر بسيط ولا يعدو مظاهرات وسوف تمر؛ في ذلك اليوم خرجت جموع لم نرَ مثلها في ثورة يناير، وفي أماكن لم تصل إليها ثورة يناير أصلًا، وكان النزول جارفا، عندها علمنا أن ما بعد 30/6 ليس كقبلها، نقطة ومن أول السطر.

مغيبون عن المشهد:

- كان هناك واقع جديد يتشكل، ليس للإخوان فيه وجود، نعلم ذلك ويعلم الإخوان ذلك، وتعلم القوى الأخرى في المجتمع ذلك، ولكن مَن المغيب عن المشهد؟ مَن الذي لا يملك المعلومات؟ من الذي يتلقى معلوماته من خلال الإخوان وفقط؟ هم أولئك المغيبون من أبناء التيار الإسلامي، والذي صوَّر لهم الإخوان أن مسألة عودة "مرسي" للقصر هي أيام معدودة، وأن أمريكا لن ترضى بهذا الأمر! وأننا قد أخذنا وعودًا من أمريكا أن الانقلاب لن ينجح. وكان "مرسي" رهن الإقامة الجبرية قبل الإعلان الرسمي لعزله في 3-7-2013، وحرص الإخوان على تجهيل كل مَن وثق بهم حتى يكونوا طوع أيديهم، ومن هؤلاء دعاة اشتهروا بالوعظ والدعوة واستغلت جماعة الإخوان محدودية الرؤية والاطلاع عند العديد منهم فكانوا يغذونهم بتلك المعلومات الكاذبة ثم يستخدمونهم أبواقا تجمع لهم الأتباع من أبناء التيار الإسلامي أصحاب العاطفة الصادقة والتي تريد نصرة الدين والشريعة!

قرار حزب النور المشاركة في خارطة الطريق:

- كان حزب النور أيضًا على مفترق طرق: 

1- فإما أن تشارك في تشكيل المرحلة المقبلة، والتي سوف يكون فيها واقع جديد ودستور جديد، وموازين جديدة، يتسابق فيها أصحاب الأفكار والأيديولوجيات أن تكون لهم بصمة في الواقع.

2- أو تعتزل المشهد، ولن تعتزل في حقيقة الأمر؛ غاية الأمر أنك سوف تعتزل حين توضع القواعد المنظمة للمجتمع، ثم ستسري عليك كل تلك القواعد شئت أم أبيت فيما سيأتي من أيام، وربما سنوات وعقود. 

3- أو ستفعل مثل ما فعل الإخوان ومَن وثق في الإخوان، وتسارع بدفن رأسك في رمال رابعة وأنت تأمل حين ترفع رأسك من تلك الرمال أن يكون ما حدث كابوسًا، وأنه قد ذهب بعيدًا، وتتمنى أن كل ما حدث لم يكن حقيقيًّا، أو تطلب فرصة أخرى تتعامل فيها بشكل مختلف، ولكن بعد أن يكون قد فات الأوان!

منصة رابعة وتشويه عابر للحدود:

- وأما منصة رابعة، فهي قصة منفصلة، وحدث شاهد على فشل جماعة الإخوان المسلمين، والتخبط وقلة الخبرة، وعدم التوفيق. 

حَشَد الإخوان أنصارهم لرابعة، وحاولت جاهدة أن يكون هناك حشد كبير في بادئ الأمر، ولكن بلا فائدة، وتواصل الإخوان مع بعض قيادات الدعوة السلفية، وأعربوا عن إرادتهم إنهاء الاعتصام، ولكن يخشون من تبعات ذلك وأن يتم اعتقالهم أثناء انصرافهم، وبعد وساطات جاءت الموافقة على الانصراف بأمان ولن يتعرض لهم أحد، ولكن في ذات الوقت كان هناك تدبير آخر؛ فقد حاول "صفوت حجازي" -عليه من الله ما يستحق- اقتحام الحرس الجمهوري، مع مجموعة من معتصمي رابعة، وكان إطلاق الرصاص شيئًا متوقعًا مع محاولات اقتحام مؤسسة عسكرية كالحرس الجمهوري، وكانت كاميرات الإخوان جاهزة للتصوير، وكان للإخوان ما أرادت، فقد أُطلقت النيران وسالت الدماء، وروَّج الإخوان: أن القوات قد أطلقت النار على المصلين الساجدين!

ونجح الإخوان في التسويق لتلك الدماء، وهاجت عاطفة الإسلاميين، بل وشرائح من غير الإسلاميين، وترتَّب على ذلك أن سحب الإخوان طلب إنهاء الاعتصام بعد أن امتلأ ميدان رابعة بالغاضبين من سيل هذه الدماء وأرسلوا رسالة لمن طلبوا منه التوسط لفض الاعتصام، نحن ننتظركم في ميدان رابعة!

كان أمل الإخوان أن يحدث تدخل خارجي بإعادة مرسي إلى سدة الحكم، حتى إن منصة رابعة قد أذاعت أن الأسطول الأمريكي قد اقترب من الشواطئ المصرية، ويا للعجب، تنفجر جنبات الميدان بالتكبير! تتعجب من تكبير ميدان قد امتلأ غضبا لسيطرة الجيش على السلطة، ثم هو يهلل بقدوم جيش أجنبي قد أتى لغزو بلاده!

مَرَّت الأيام على اعتصام رابعة، في كل يوم يخفت الأمل ويزداد المأزق؛ لقد راهنت جماعة الإخوان على الاعتصام ورفضت كل الوساطات التي جاءت لإيجاد مخرج، وأصبح هناك سيناريوهان لا ثالث لهما: إما فض الاعتصام بالطرق السلمية، وإما أن يفض الاعتصام بالقوة وتسيل الدماء!

- ولكن تفكر معي... "فض الاعتصام بالطرق السلمية" ماذا يعني؟ فكر قليلًا... فض الاعتصام بالطرق السلمية يعني اشتعال حرب داخل جماعة الإخوان، وموجات من التلاوم، بل تسونامي كفيل بأن يفتت الجماعة، وتنهار ثقة الأتباع في تلك القيادة التي تتقن الفشل بطريقة حيَّرت المتابعين، فما المخرج؟ المخرج هو أن تخرج المظاهرات اليومية من الاعتصام لتحاصر الوزارات، ولتقطع الشوارع ولتحاول أن تشل البلد دفعًا للسلطة في تلك المرحلة أن تعجل بالفض السريع والعنيف للاعتصام الذي يحاول أن يشل البلد؛ لأنه لو بقي المعتصمون داخل رابعة فلا معنى للتعجل بالفض، أما إذا حاولوا شل البلد، فطبيعي أن يفكر صانع القرار في حل لتلك الأزمة، ودفع ذلك الخطر مهما كلف الأمر.

الإخوان تقرر أن تخرج بصورة المظلوم على أن تكون فاشلة:

- وكان للإخوان ما أرادوا، فمع استمرار استفزاز السلطة قرَّرت السلطة فض الاعتصام، وعلم الإخوان أن السلطة قررت أن تفض الاعتصام قبل الفض بست ساعات، كما صرحت قيادات الإخوان.

ولكن ماذا عملت الإخوان حين علمت أن جحافل قوات الأمن قادمة لفض الاعتصام؟ هل سارعت وصارحت عموم أبناء التيار الإسلامي المغيبين الذين وثقوا في قيادة الإخوان؟ هل أطلعتهم على مغبة ما هم مقدمون إليه؟ بالطبع لا. 

فعموم أبناء التيار الإسلامي لا يعدون في نظر قيادات الإخوان إلا مجرد حطب تسعر بهم النار، أو قربانًا يقدم لتحسين شروط التفاوض بعد ذلك، كما صرحت قيادات الإخوان بكل تبجح. 

وكما هو متوقع من سلوك جماعة الإخوان، سارع الإخوان بسحب قياداتهم المهمة من ميدان رابعة، وأعدت الجماعة فرق التصوير وتوثيق وإخراج المشهد الدموي كما تريد، وأعدت فرقًا لحصر الجثث وأعدت الأكفان، وهيأت المكان لاستقبال المصابين، ولم تُعلم أحدًا من المعتصمين من خارج الجماعة بشأن تجهز قوات الأمن للفض وأن الجرافات قد بدأت بالتحرك. 

وكان للإخوان ما أرادت وسالت الدماء من الجانبين، وصورت كاميرات الإخوان الأحداث، وكان لمنظر الدماء الأثر الكبير في إثارة العاطفة، وفي لفت النظر عن دور قيادات الإخوان في تلك الدماء التي سالت، وكان هذا المخرج هو المناسب للحفاظ على تماسك الجماعة ولصرف طاقة الغضب بعيدًا عن تلك القيادات.

ولتعود جماعة الإخوان للذة المظلومية، ولمراحل المحنة التي تحسن الجماعة صناعتها بامتياز، ولينتعش الفكر القطبي ثم الفكر التكفيري، ولتنسج جماعة الإخوان الأساطير حول المحنة وغياهب السجون، ولتكتب الكتب حول توحش السلطة، وحول أهداف الجماعة النبيلة التي يحاربها الجميع! 

تفضِّل جماعة الإخوان أن تكتب عن نفسها أنها جماعة مظلومة قد قتلت منها السلطة المئات، على أن يكتب عنها التاريخ أنها جماعة لها قيادة فاشلة على رأي أحد قياداتها الذين تركوها: "أنها جماعة تفهم في كل شيء إلا الدين والسياسة".

- إذًا كان للجماعة ما أرادت، وغرق الناس في مشهد الدماء، ولعنوا مَن سفكها، ولكن ما زال هناك مزيد من الدراما لحبك مشهد المظلومية. إنه الابتزاز المعتاد والذي تحسنه جماعة الإخوان، فرفعت شعار: "لقد شاركت في دماء رابعة" لكل من خالف مواقفها السياسية! فمن شارك في المشهد السياسي فقد شارك في الدم، ومن شارك في كتابة الدستور فهو دستور الدم، ومن شارك في البرلمان فهو برلمان الدم!

حزب النور ودماء رابعة؟

- ما علاقة حزب النور بفض رابعة؟

هل شارك حزب النور في أي من مظاهرات الفريقين في حينها؟

- لم يحدث! 

هل دعا حزب النور لفض الاعتصام بالقوة؟

- على العكس فقد نصح حزب النور السلطة عدة مرات بعدم استخدام القوة في فض الاعتصام، وأصدر البيانات تلو البيانات تدعو لحفظ دماء المصريين جميعًا، بل أصدر بيانات رسمية بعد الفض تندد بما وقع من دماء، وكان الحزب الرسمي الوحيد في البلاد الذي رفض التفويض علنًا قبل الفض، وطالب الحكومة بالاستقالة بعد الفض.

- وحقيقة الأمر: إن المسئول عن تلك الدماء التي سالت هو مَن أمر بسفكها، ومَن باشَرَ، ومَن تسبب، ومَن رضي بذلك. 

فمَن هيأ الظروف لحدوث ذلك الصدام مسؤول، وقيادات الإخوان جزء أساسي من ذلك. قيادات الإخوان التي فشلت في إدارة المشهد ثم نجحت في تجييش كل القوى ضدها، وكانت جماعة الإخوان تصر على أن تحشد كل الاتجاهات الإسلامية معها، لتقدمهم قربانًا بين يدي تفاوضها مع السلطة بعد ذلك. 

تحب جماعة الإخوان أن تظهر في صورة المعتدل المتحضر، بينما تحب أن تظهر باقي الاتجاهات الإسلامية في صورة الهمج المتوحشين، ثم تقدِّم نفسها أنها من استطاعت ترويض تلك الوحوش، واستطاعت التعامل معهم!

- ومِن الحقائق أيضًا: أن حملة الإخوان على حزب النور كانت لها العديد من الأهداف، منها:

إزاحة حزب النور من المشهد، فلم تكن جماعة الإخوان في أسوأ كوابيسها أن تتخيل أن يصنّف الناس حزب النور في مقعد الاعتدال بعد حملات التخويف الجائرة، وأن يدعو لحفظ الدماء والحوار، بينما هي تدير اللجان النوعية التي مارست القتل والتفجير.

كان هذا الأمر أن تتجرعه جماعة الإخوان أصعب من أن تتجرع العلقم؛ لذلك كانت حملات التشويه الممنهجة لحزب النور الذي لم يشارك في حكومة لا في عهد الإخوان، ولا فيما بعد رحيل الإخوان، ولم يخرج في مظاهرة لا مع الإخوان ولا ضد الإخوان، ولم يدعُ لاستخدام العنف لا ضد الإخوان ولا معهم، بل خرج -بفضل الله-، ولم يشارك في اعتصام رابعة الذي كان بشهادة بعض عقلاء الإخوان أنفسهم من الموبقات التي ارتكبتها الجماعة في التاريخ المعاصر.

استخدام الإخوان لأبناء التيار الإسلامي:

- حشد الإخوان أبناء التيار الإسلامي في كل فعالياتهم ومواجهاتهم في الصدام مع الأجهزة الأمنية وقوى الشعب المعارضة لهم، ولكنهم حينما انسحبوا من اعتصام رابعة قبل الفض لم يخبروهم، بل انسحبوا في صمت قبل الفض بـ 6 ساعات ولم ينسوا أن يبقوا بعض القيادات الأقل درجة على المنصة حتى يحافظوا على حماسة الناس، ليحدث الصدام المحتوم ولتسيل الدماء التي ستذهب بالعقول، وتجعل قيادات الإخوان تهرب من لوم القريب والبعيد.

حملات تشويه الإخوان مفهومة السبب، فما بال من يشارك فيها من الإسلاميين؟!

- أتفهم حملات التشويه التي تعرض لها حزب النور من جماعة الإخوان المسلمين، فقد كانت جماعة الإخوان بحاجة لشماعة تضع عليها كل إخفاقاتها، وإخفاق مكتب الإرشاد الذي قاد الجماعة نحو تلك الكوارث المتعاقبة؛ فقد تسلم مكتب الإرشاد جماعة الإخوان وهي ملء العين، جماعة لها تنظيم قوي وموارد مالية وبشرية وصلت لما يقرب من نصف مجلس الشعب والشورى، وشكلت الحكومة ومعها الرياسة والمحافظين، واتحادات الطلاب والنقابات، وقبل كل ذلك قبول من شريحة كبيرة من الشعب. 

وخلال أقل من عام أصبحت الجماعة أثرًا بعد عين، فخسرت مجلس الشعب، ثم الشورى، ثم الرئاسة وما يتبعها، ثم التنظيم وانقسمت إلى ثلاث جماعات على الأقل، يتهم بعضها بعضا بالعمالة والخيانة، وقبل كل ذلك خسرت جماعة الإخوان شريحة كبيرة من مؤيديها وداعميها. 

ثم لم تكتفِ بذلك! بل كانت الثغرة التي نفذت منها بعض الدول الإقليمية للسيطرة على مقدرات الدولة المصرية، وأخيرًا: استقرت جماعة الإخوان في بريطانيا الاستعمارية صاحبة المخابرات التي لا زالت تعبث في دول الشرق الأوسط إلى الآن، لتبث الجماعة إعلامها من هناك؛ سواء إعلامها المنتمي بسماجته المعتادة، أو إعلامها المستأجر بكذبه المفضوح!

- أقول: أتفهم أن تشن الجماعة حملة تشويه لنقل سخط شباب الجماعة بعيدًا عن قياداتها الفاشلة، فنحتت العبارات التي ظلت ترددها لجانها الإلكترونية، وترسخ عند الجميع أن سبب فشلها هو خيانة حزب النور، وأنه قد أيد الانقلاب! 

هل كان حزب النور هو الذي أجبر جماعة الإخوان على الدفع بمرشح للرئاسة؟ أم من دفعها لذلك ضغوط من دول إقليمية كانت تريد أن تضع الدولة المصرية في جيبها؟ 

هل كان لحزب النور أي مشاركة مع الإخوان في حكومتها حتى يتهم بإفشالها في حل أي مشكلة من مشاكل الدولة؟

هل خرج حزب النور في أي مظاهرة ضد الإخوان؟!

ذات يوم خرج علينا المدعو "عمرو عبد الهادي" الذي كان يرتدي ثوب الليبرالي وينفي أي علاقة له بالإخوان، خرج علينا في وصلة من الاستظراف يقول: إن "نادر بكار" خرج وهو يشير بعلامة النصر، فقال له الناس: هل انتصرتم؟ قال: لا، ولكن لم يبقَ في الحزب إلا أنا، وفرد آخر (ثم ضحكات بلهاء)!

فكم رددوا على منصة رابعة أن أعضاء حزب النور قد تركوا قياداتهم وهم موجودون معنا في الميدان، ولك أن تعجب أن أتباع الإخوان كانوا يصدقون الخطابين معًا! خطاب أن حزب النور قد انفض الناس من حوله، وهو حزب لم يعد له وجود، وفي نفس الوقت لولا حزب النور لما نجح الانقلاب!

فكما أسلفت من عاقبة الاستماع الطويل للكذب الإخواني هو أن يفقد المستمع معايير التمييز بين الصواب والخطأ، فيتحول للسان ينطق بلا فهم، وينقل الشيء وعكسه!

- أقول: أتفهم حملات التشويه الإخوانية لحزب النور، وأتعجب أشد العجب ممن ينتمي للتيار السلفي ويدرس عقيدة ومنهج السلف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم يشارك في حملات الإخوان المغرضة ويصير بوقًا لهم، لا يترك فرصة إلا وقد ضرب بسهم في الغيبة والبهتان لإخوانه. 

فهل صرتم كما التيارات التكفيرية، تكفرون المسلمين؟ 

أم صرتم مثل تيارات العنف، تؤيدون إسالة دماء المسلمين؟ 

أم أن منهج الإصلاح المتدرج الذي يتبناه المنهج السلفي قد حولتموه إلى المنهج الثوري؟!

وإذا كان "اعتزال المشهد" هو المخرج الآمن الذي يحب أن يتذرع به بعض أبناء التيار السلفي؛ فلماذا لم تعتزل انتقاد حزب النور كجزء من حالة الاعتزال العام التي تدعيها؟

- استمعت بالأمس لأحد المشاهير يسأل عن الانتخابات، وبعد مقدمة عن أنه لا ينتمي لحزب، ولا يدعو للعمل الحزبي، وليس له علاقة بالسياسة، يقول: إذا نزل أحد المشهود لهم بالصلاح أمام من اشتهر بالفساد؛ فعليك أن ترشح من اشتهر بالصلاح. وأنا أقول له: فماذا لو كنت أنا أستطيع أن أترشح أمام أحد الفسدة كما يقول، وأستطيع أن أفوز: هل أرشح نفسي أم أترك الفاسد هو من يترشح ويضيع مصالح الناس؟

وماذا لو أردت أن أؤيد المرشح الصالح ولا أستطيع أن أؤيده إلا من خلال التعاون مع غيري ممن يؤيدونه بأن ننظم أنفسنا ونجمع جهودنا، ونجعل لنا من يدير شأننا؛ هل نأثم لذلك؟! 

فالانتخابات ليست هي أن يذهب رجل للصندوق، ولكنها أعقد من ذلك بكثير، وللأسف فكثير من الدعاة لا يتعب نفسه ليفهم الواقع، بل يكتفي بمعرفة سطحية يبني عليها فتاوى قد تؤثر في حياة من وثق في فتواه.

كيف تفكر جماعة الإخوان في المستقبل؟

- تمر السنون وتخرج أجيال لا تعلم شيئًا عن تلك الحقبة البائسة التي حكمت فيها جماعة الإخوان، ولكن تصرُّ جماعة الإخوان وأشياعها من التيار القطبي بجميع أطيافه من جماعات التوقف والسروريين والقطبيين أن تنشئ أتباعها على تلك الأكاذيب، من تعليق فشلهم على غيرهم؛ فها هي جماعة الإخوان وقد صارت مقسمة لجماعات يخوِّن بعضها بعضًا، ويتهم بعضها بعضًا في ذمته المالية، وهي هي في أحضان بريطانيا تناضل ضد بلادها كما تزعم من هناك! 

فلا هي اعترفت بخطأ واحد قد ارتكبته، ولا هي بالتي تبصر الطريق أمامها، ولا تدري ما الخطوة القادمة! إنها تعيش مرحلة المحنة التي تحلو لها، وتصمم أنها لم تخطئ في شيء، وأنها ستكتب التاريخ كما يحلو لها، وتصور نفسها أنها كانت تناضل من أجل الحرية والشريعة، وأن رموزها قد دفعوا ثمن نضالهم، وأن أي سلطة قد اختلفوا معها هي سلطات عميلة وخائنة، وأي قوة أو حزب أو هيئة اختلفت معهم فهي خائنة أيضًا، وأي عالم رفض طريقتهم وفكرهم وبدعهم، فهو من علماء السلطان. 

تفكر في المستقبل، ولكن بعد أن يرحل خصومها، تراهن على تكرار التاريخ وأن يوجد (تلمساني) جديد، و(سادات) جديد، وظروف مواتية! 

وتحاول أن تزيف التاريخ كما زيفته في عهد عبد الناصر، والعهد الذي بعده، حيث دفنت كل خطايا الإخوان، وكل خطايا التنظيم الخاص، وكل العجرفة التي تعاملت بها مع عبد الناصر، وكيف استطاعت أن تحوله لعدو لها لا يرحم.

- ولكن هناك فارق: فالتاريخ صار مكتوبًا ومقروءًا ومشاهدًا، ولن يستطيع الإخوان هذه المرة أن يشوهوا التاريخ كما فعلوا من قبل؛ إلا مع من يقبل أن يُستغفل، وأن ينصت للأكاذيب؛ فقد استثمرت جماعة الإخوان منذ سقوطها في 2013 في الحمق، وفي زيادة مساحات الحمق. ونشرت الإشاعات والأكاذيب عن خصومها، وروجت للشيء وعكسه، وحرصت على أن تضخم من أخطاء السلطة، وتخترع الأخطاء إن لم توجد، ثم حرصت على ألا تعترف بأي صواب تفعله السلطة فحتى لو فعلت السلطة الصواب، سوف تؤول الإخوان ذلك الصواب لمؤامرة؛ لأن أي سلطة ليس للإخوان فيها نصيب، هي سلطة عميلة وخائنة، وحليفة للصهاينة! 

وأفسدت عقول كل من سمع لها وأعطاها أُذُنه، حتى أوجدت جماعة الإخوان شريحة من الناس في حالة من الحنق الدائم يصدق أي شيء وأي شائعات، حتى لو حدثتهم أن السلطة قد استأجرت الغيلان والعنقاء لتخيف الناس؛ لوجدت هؤلاء القوم يصدقون وينقلون تلك الأخبار الكاذبة، وتلك عاقبة سماع الكذب وتصديقه ونقله؛ أن يستسيغ الإنسان سماع الباطل، وأن تختل معاييره، فلا يميز بين الصواب من الخطأ.

أقل اللوم على الإخوان، إنما اللوم على يقول: أنه يتبنى نهج الإصلاح!

- لا ألوم على جماعة الإخوان؛ فهذا دأبهم ولا جديد على مَن يرى أنهم هم جماعة المسلمين، ويرون المجتمع مجتمعًا جاهليًّا، ولا على المتفقين معهم في أصل المنهج، ويختلفون معهم في الهوامش، ولكن كل اللوم على مَن يدعي أنه سلفي ويرفض منهج العنف والتكفير، ويرى أن طريق الدعوة متدرج، وأن منهج الإصلاح هو المنهج القويم في التغيير، ومع ذلك للأسف شارك العديد من هؤلاء الإخوانَ في اعتصام رابعة، ودفعوا الناس نحو الصدام دفعًا، وسلموا رؤوسهم ورؤوس مَن وثق بهم لقيادات الإخوان!

وإني لأعجب لداعية يصعد منصة رابعة ويصيح بأعلى صوته ويطالب الجميع بالنزول، وعندما يحدث الفض لا تراه، بل هو في بيته آمن! بعد أن قاد الشباب وسلمهم لمن ليس بأمين عليهم! 

ثم ترى نفس الشخص لم يخرج مع الإخوان في مظاهراتهم التي تلت رابعة، فهو يحسن أن يضع نفسه في أماكن الأمان، ولكنه لم يتوقف عن سب واتهام حزب النور بالعمالة؛ لأنه لم ينكر الدماء!

ثم تجد هذا الداعية بعد أن زال الإخوان لا يشارك في قضايا المجتمع ويعزل نفسه عن إنكار المنكر، ولا يتكلم إلا في الأخلاق وفضائل الأعمال، ومسح من المواضيع التي يتناولها كل ما يحتمل أن يشكل عليه تهديدًا، ولكنه ظل ثابتًا على ما يردده من كذبٍ حول مواقف حزب النور!

وسائل مختلفة للابتزاز يرددها المتأثرون بالإخوان... لقد ركنتم للذين ظلموا!:

- تجد مَن يحاول ابتزازك من طريق آخر بعد أن تسد عليه مظلومية رابعة، ليقول لك: لقد ركنتم للذين ظلموا! وهذا والله من العجب!

ما معنى الركون للذين ظلموا؟ ثم ما الفارق بين السلطة وبين الإخوان ليكون هؤلاء ظالمين، والإخوان أولياء الله الصالحين؟!

ما الفارق فيما يتعلق بالشريعة؟ وما الفارق فيما يتعلق بالقدرة على إدارة البلاد؟

حَكَم الإخوان البلاد عامًا كاملًا، فهل طبقوا الشرع؟ وهل تغيرت القوانين أم وقف عصام العريان في مجلس الشعب وقد احمر وجهه غضبًا عندما أراد النواب رأي الأزهر في أحد القوانين، وعندها صدح بأن السيادة للشعب؟

ألم يحاول الإخوان تقديم قانون الدعوة، والذي كان الغرض منه تأميم المساجد، وإقامة مجالس إدارات لكل المساجد من أبناء الجماعة لسد الطريق أمام أي دعوة أخرى غير الإخوان وخاصة السلفية؟ 

وفيما يتعلق بإدارة شئون البلاد؛ فالسلطة الحالية هي أقدر على إدارة البلاد، وهذا من البديهيات؛ فرئيس تعارضه مؤسسات الدولة وتتصارع معه، غير رئيس يستطيع أن يديرها ويسيطر عليها!

ثم يا أخي... أليس أولى بك أن تواجه الظالمين بدلًا من أن تصب جام غضبك على الراكنين لهم؟ أم أن هؤلاء الظالمين -كما تزعم- رضي الله عنهم وأرضاهم!

اعتبار المشاركة السياسية عمالة وخيانة:

- المشاركة السياسية تحدث عنها العلماء كثيرًا، وهي من باب الاجتهاد، ولا نلزم أحدًا باجتهاد علماء الدعوة السلفية، وإن كنا نراه هو الصواب، والواقع خير شاهد؛ فالمشاركة في وضع الدستور الذي يقدم الشريعة ويجعلها مرجعيته، والمشاركة في القوانين بالتغيير والتأثير والإعذار، أفضل من الانعزال الصوري الشكلي، ثم السير وفق القواعد التي تفرضها القوانين والدساتير التي تنظم شئون البلاد. 

ألم يجوِّز الشيخ الألباني، وابن عثيمين للمسلمين في أمريكا اختيار أخف الرؤساء ضررًا على المسلمين؟ فكيف يا معشر السلفيين برئيس مسلم يُختار وفق دستور يعظم الشريعة؟ أليس هذا أخف من اختيار رئيس أمريكي ليس بمسلم، ولا يعظم الشريعة بطبيعة الحال؟!

أصله طلع "حزب نور!":

- وإلى الشباب والشابات الذين هم في بدايات الطلب وفي بدايات الالتزام... انتبه! فالطريق مليء بقطاع الطرق وأهل الزيغ، حتى لو خرج لك بكلام حماسي عاطفي، فراجع خطب الخوارج الذين قتلوا الصحابة تحت شعار: "أن الصحابة لم يطبِّقوا الشرع!"؛ فقد كانت خطب الخوارج مليئة بالعاطفة والحماسة وحماية الدين، وكان معسكرهم يدوي فيه القرآن كدوي النحل، وكانوا زهادًا في ثيابهم، وفي مطعمهم ومشربهم. وإني لأتألم حينما أرى شابًا أو شابة في بدايات الهداية يحذر من فلان أو علان لا لشيء؛ إلا لأنه أصله تبع حزب النور! ولو وقفت معه في التفاصيل لوجدت الأحداث قد وقعت وهو لم يناهز الحلم، ولكنه تشرَّب الأمر من لجان الإخوان وأشياعهم. 

كنت أنوي أن أكتب كلمات بسيطة حول محاولة اغتيال الدعاة والمصلحين تحت شعار: "أصله تبع حزب النور!"؛ فوجدت القلم رغمًا عني يعيدني لتلك المرحلة من التاريخ التي عايشنا تفاصيلها، ورأينا كيف تعاملت جماعة الإخوان المسلمين مع أعضائها وأتباعها ومع مَن وثق فيها، ورأينا كيف أن العاطفة وحدها لا تكفي للانتماء لهذا الدِّين، بل لا بد من ضبط القضايا الفكرية؛ كقضايا الإيمان والكفر، ومعرفة فقه الخلاف، ومناهج التغيير، والتشبث بالكتاب والسنة؛ فإنهما سفينة النجاة عند الفتن.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com