الثلاثاء، ٢٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٧ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

عقيدة السلف في الصفات شرح المنة (7)

عقيدة السلف في الصفات شرح المنة (7)
الأحد ٠١ أبريل ٢٠٠٧ - ١٤:٢٥ م
16

عقيدة السلف في الصفات شرح المنة (7)

التشبيه « التمثيل »

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

أما التشبيه: فهو اعتقاد أن الله -عز وجل- يشبه أحداً من خلقه، والصحيح تسميته بالتمثيل، قال -تعالى-: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)< الشورى: 11 > ، وقال: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) < الإخلاص: 4 >.

الفرق بين التكييف والتمثيل :

التمثيل نوع خاص من أنواع التكييف ، فقد يقول قائل : هو يشبه كذا ، فهذا تمثيل ، وقد يقول : هو لا يشبه أحداً ، لكن له كيفية خاصة في ذهني أنا ، لا أستطيع أن أشبهه بأحد ، وهذا تكييف ، فالتكييف أعم من التمثيل وهو أن تكون له كيفية في ذهن المكيِّف ، ليست في شيء من الموجودات ، كالذي يخترع شيئاً جديداً ، صورته النهائية غير موجودة في المشاهدات أمامه ، فالتمثيل نوع خاص من التكييف.

والتمثيل والتكييف كلاهما باطل، لكن الفرق أن نفي التكييف المقصود به نفي علمنا نحن به عنا لا نفيه مطلقاً ، فهناك كيفية لصفات الله لكن نحن لا نعلمها أما التمثيل فهو منفي مطلقاً لأنه ليس هناك مثيل لله ولا لصفاته ، فالتمثيل منفي وجوده على الإطلاق ، فالمثيل معدوم ، أما الكيفية فهناك كيفية لا نعلمها ، فالكيف ليس معدوماً بل هو موجود لكنه مجهول لنا .

هل آيات الصفات وأحاديثها من المحكم أم من المتشابه ؟

في البداية نريد أن نعرف: ما المقصود بالمحكم والمتشابه ؟ قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَاب) < آل عمران : 7 > ، فالمحكم : هو ما لا يحتمل إلا معنىً واحداً ، وقوله -تعالى-: (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) أي أصله الذي يُرجع إليه عند الاختلاف، (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) والمتشابه : هو ما يحتمل عدة معانٍ .

فماذا يفعل أهل الحق تجاه الآيات المتشابهة؟ يَرُدُّونها للآيات المحكمة فيتسق الكتاب كله، وليس بين الآيات المتشابهة والمحكمة اختلاف، ولكن المحكمة ليست لها احتمالات والمتشابهة لها احتمالات، فَنَرُدها إلى المحكمة فنفهم معناها.

وأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون المتشابه -الذي لا يعلم تأويله إلا الله -عز وجل- محاولين تحريفه وتأويله تأويلاتٍ باطلة ، وتفسيره تفسيراً خاطئاً ، ويتركون المحكم .

والغيبيات كلها من الآيات المتشابهة ومن ضمنها كيفية صفات الله -عز وجل-، وبعض المتأخرين قال : إن آيات الصفات من المتشابه، وهذا صواب وحق، لكن ليس ذلك معناه أنها حروف بلا معنى ، أو مجهولة المعاني، فيُظَن أنه لا يعلم تأويلها إلا الله، أي لا يعلم تفسيرها إلا الله، فيُقال إن قوله -تعالى-: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) < طه : 5 > ، عبارة عن « ا ل ر ح م ن ع ل ى ا ل ع ر ش ا س ت و ى »، وأنها لا تفيد أكثر من ذلك، فمن قال ذلك فهو ضال، لأنه يجعلها كالكلام الأعجمي أو الحروف المرصوصة بلا معنى، وقالوا إن لها تفسيراً مجهولاً لا نعلمه، غير التفسير الذي نعرفه من اللغة العربية، وهذا كلام باطل.

فالذين قالوا إن آيات الصفات من المتشابه بهذا الاعتبار وبهذا الفهم هم مخطئون، وفي الحقيقة ليس في القرآن كله متشابه بهذا المعنى، بل آيات الصفات وغيرها من الأمور الغيبية متشابهة بمعنى أنها معلومة المعنى مجهولة الكيفية.

وثبت عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قرأ حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصفات، فانتفض رجل عنده إنكاراً لذلك، فقال ابن عباس : « ما فَرَقُ هؤلاء ، يجدون رِقَّةً عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه؟! »، ما فرق هؤلاء : أي ما الذي جعلهم يخافون هذا الخوف؟! وما الذي أدى به إلى هذا الحال ، فيجد رقة عند المحكم ، وهو الأوامر والنواهي ، فيكون شديد الالتزام بالأمر والنهي ، ويأتي عند الأمور الغيبية فيهلك بردها وتكذيبها ؟! أما المؤمنون فحالهم عند الآيات المتشابهة أنهم (يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) <آل عمران : 7 >، ولا يردون المتشابه بتكذيبه، بل يردونه إلى المحكم، ويدركون أن الجزء المجهول بالنسبة لنا ـ وهو الكيفية ـ لا يستطيع أحد علمه ، فيتسق الكتاب كله ، فنقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)< الشورى : 11 >، فنثبت السمع والبصر ولكن بكيفية مجهولة لا نعلمها .

فالآيات المتشابهة تشتبه على أهل الزيغ والضلال، وأما كونها متشابهة عند أهل الإيمان فهي بمعنى مجهولة الكيفية، فالمتشابه الذي لا يعلمه إلا الله هو حقيقة الصفات، وكيفيتها، أما المعنى فهو مما قال الله فيه : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ)< ص : 29 > ، لم يستثن متشابهاً ولا غيره .

التفويض

أما التفويض فله معنيان:

1- تفويض المعنى.           2- تفويض الكيفية.

والتفويض هو: رد العلم إلى الله وحده، فهل السلف عندما يفوضون في باب الصفات ويقولون: « أمِرُّوها كما جاءت »، هل كانت عندهم بلا معانٍ ؟! وهل كانوا يفوضون المعنى ويُردُّون علم المعنى إلى الله -سبحانه وتعالى-؟! وبالتالي تكون الأسماء والصفات بمثابة حروفٍ مقطعة ملصقة بجانب بعضها البعض ، ونقول : الله أعلم بها ، كما قال من لم يعرف تفسير (الم) و (الر): الله أعلم بها ، ولا نتكلم فيها ؟!

فهل كان مقصد السلف هو هذا التفويض للمعنى في قوله -تعالى-: (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) < النساء : 134 >، و قوله -تعالى-: (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) < النساء : 148 >، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: « يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ كُلَّ لَيْلَةٍ ، فَيَقُولُ : مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟؟ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟؟ حَتَّى يَطْلُعَ الفَجْرُ »؟! فالجواب : لا ، فليس هذا مقصدهم ، بل قولهم « أمروها كما جاءت » أي دالةً على معانيها دون الخوض في الكيفية ، وبدون تفصيل .

مثال ذلك كلمة « يسمع » كلمة معلومة مفهومة لا تحتاج إلى تفسير ، ولذلك مَنْ قال : « لا كيف ولا معنى » يقصد أنه ليس هناك معان يُعَرَّفُ بها اللفظ ، وهو واضح لا يحتاج إلى تعريف ولا يحتاج أن يسأل عن معناه ، لأن طريقة المتكلمين وأصحاب الفلسفة أن لكل شيء تعريفاً ، فيقولون مثلاً : السمع صفة ثبوتية لله -عز وجل- قائمة بذاته بها يدرك المسموعات، وهذا التعريف في الحقيقة لا يفيد شيئاً فَشرْطُ التعريـف الصحيح ألا يعتمد على المُعَرِّف في البيان المُعَرِّف وهم يقولون إدراك المسموعات .

والحق أن كلمة السمع لا تحتاج لتفسير، فإن الطفل الصغير يدرك معناها إذا قلت له: هل تسمعني؟ سيقول: نعم، وهكذا كلمات البصر والنزول والصعود ، كلمات معلومة المعاني، لا تحتاج لتفسير، بخلاف ما إذا احتاجت الكلمة لتفسير فنفسرها حينئذ، مثل قوله -تعالى-: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا) < النساء: 85 > ، فقوله مقيتاً: أي شهيداً.

وكذلك « الصمد »: أي الذي يَصْمُد إليه الخلائق في حوائجهم أي يقصدونه، والذي لا يأكل ولا يشرب ، والذي لم يلد ولم يولد، لأن الكلمة غير مستعملة في اللغة المعتادة عند الناس فهي تحتاج إلى شرح وبيان خاصة عند غير العرب .

إذاً فما المتشابه من آيات الصفات وأحاديثها الذي لا يعلمه إلا الله ؟ هو الكيفية ، أما من يقول : معانيها مجهولة ، أو إنها بلا معانٍ نعرفها ، فقد أخطأ خطأً بيناً ، بل قد أتى بدعة وضلالة، كالذي يقول إنها حروف كالكلام الأعجمي مع نفي معانيها الحقيقية في اللغة العربية ، وكالذي يقرر أنه لا يجوز أن نصف الرب -سبحانه وتعالى- بأن له يدين ، ويقول في قوله -تعالى-: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) < المائدة : 64 > ، يقول إنها عبارة عن : « ب ل ي د ا ه م ب س و ط ت ا ن » ، فإن قلت له : فما تفسيرها ؟ قال : الله أعلم به ، لا نعلمه ، تفسيرها مجهول بالكلية .

لذلك فالسلف عندما قالوا : « الاستواء معلوم » ، قصدوا معلوم المعنى ، ولذلك فالذي قال بالتفويض في معاني أسماء الله وصفاته وأنها حروف لا تؤدي معنى كالكلام الأعجمي ، أو الحروف المقطعة في أوائل السور ـ مع أنه مثال غير صحيح لأن من قال فيها : الله أعلم بتفسيرها ، لم يمنع غيره من الكلام عليها ولم يقل لا يعلمها مخلوق، بل قال : أنا لا أعلم ـ والذي قال ذلك قد جمع بين التعطيل وبين الجهل بعقيدة السلف والكذب عليهم ، فالتفويض الواجب هو تفويض الكيف لا تفويض المعنى.

وفائدة هذا الفصل ـ التفويض ـ هو الرد على من قال من المتأخرين: إن السلف مُفَوِّضَة، وكلمة المفوضة عندهم يقصدون بها تفويض المعنى، وهذا كلام باطل لا يجوز.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة