اتخاذ القبور
مساجد...شرح المنة (21)
كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول
الله، أما بعد،
وأعظم أسباب البلاء هو الغلو في
الصالحين ، وبناء المشاهد والقباب والمساجد على قبورهم ، والتمسح بها
والطواف حولها ، والطواف عبادة لذا كان الطواف حول هذه القبور على سبيل
التعظيم والتقرب لهم ـ كما يتقرب المسلمون لله - عز وجل- بالطواف حول بيته الحرام
ـ شركاً أكبر ، وإن كان على سبيل النظر في جوانب القبر مثلاً كما يطوف
السائحون للمشاهدة ، فهذا ليس من الشرك ، لكن فيه إقراراً بالمنكر أو
سكوتاً عنه .
والتمسح قد يكون شركاً أكبر أو أصغر
حسب الاعتقاد ، فمن تمسح بالحديد الذي في القبر أو حوله ـ ولو كان قبر النبي
-صلى الله عليه وسلم- ـ كما يفعل كثير من الناس ، أو تمسح بقبور الأولياء
ونحو هذا معتقداً أنه ينفع ويضر بذاته من دون الله أي استقلالاً من دون الله أو مع
الله ، أي مع الله على سبيل الشركة [1]<1> ، كان ذلك شركاً أكبر ، وإن اعتقد
أنها سبب ، وأن الله هو النافع الضار بسببها ـ أي بسبب هذه الأقمشة أو
الحديد ـ ، فنقول : هذا كذبٌ على الله ، لأن الله لم يشْرَعِ
التمسح بذلك ، ولم يَقُلْ لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنها سبب ،
فهذا جَعْلُ سبب فيما لا سبب فيه ، فهذا شركٌ أصغر ، لأنه ذريعة للشرك
الأكبر .
فصل في اتخاذ القبور
مساجد:[2]<2>
وقد سدَّ النبيُّ -صلى الله عليه
وسلم- بابَ الغلو في الصالحين وبناء المساجد على قبورهم ، بقوله -صلى الله
عليه وسلم-: (أَلا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا
يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلا فَلَا
تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ) [3]<3>.
وهذا نصٌّ واضح في تحريم بناء المساجد
على القبور ، وقَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فِي مَرَضِهِ الَّذِي
لَمْ يَقُمْ مِنْهُ : (لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ
وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) ،
قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: ( يُحَذِّرُ مَا
صَنَعُوا) ، وفي رواية أخرى قالت: ( فَلَوْلَا
ذَلِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا)[4]<4>.
إذاً فلماذا دفن الصحابةُ النبيَّ
-صلى الله عليه وسلم- في حجرته إلى جوار مسجده، في حجرة عائشة ـ-رضي الله عنها-
التي عاشت فيها سنين بعده -صلى الله عليه وسلم- ؟ [5]<5>
وذلك لكي يأتي من أراد زيارته إلى
المسجد أولاً فيقصده للصلاة ويزور القبر تبعاً ، وخشوا لو أنهم أبرزوا القبر
أن يأتي الناس إلى القبر للصلاة عنده فيكون المصلي قاصداً للقبر ،
فقالوا : لا بد أن يقصد المسجد أولاً ، فلا يستطيع أحدٌ الوصول إلا إذا
دخل المسجد أولاً.
لذلك نقول: إن قبر النبي -صلى الله
عليه وسلم- الذي صار كأنه في المسجد بعد اتساع المسجد ، هذا وضعٌ خاصٌ
استثنائي ، لعدم جواز نقل المسجد ، وعدم جواز نقل القبر ، والحقيقة
أن المسجد مبنيٌ قبل القبر قطعاً ، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الذي
بنى هذا المسجد ، ولم يزدد المسجد فضيلة بالتوسعة التي أَدْخَلَت القبرَ فيه
حتى صار القبر كأنه داخل المسجد ، والحقيقة أن القبر حتى بعد هذه التوسعة لا
يستطيع أحد أن يتخذه مسجداً إلا بأن يدخل إلى داخل الحجرة ، فيصلي
بداخلها ، وهذا بحمد الله ـ تبارك و-تعالى- ـ لا يقع ، استجابةً من الله
- عز وجل- لدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-: (
اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ)
[6]<6> وهذا ليس في أي مسجد آخر.
والمسجد الذي يُبنَى بجوار قبر، حتى
ولو كان هذا القبر منفصلاً عن المسجد ، فإنه إنما بني تعظيماً للقبر ولكي
يُقصد المسجد من أجل القبر تبركاً بصاحب القبر، فهذا مما يدخل في النهي وقول النبي
-صلى الله عليه وسلم-: ( ... يَتَّخِذُونَ قُبُورَ
أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ) .
وكذا من قصد القبر ولو كان بلا بناء
ليصلي عنده ـ إليه أو بجواره ـ لكان ممن اتخذ القبر مسجداً. [7]<7>
أما مَن صلى بجوار قبر اتفاقاً ،
كمسجدٍ بجوار المقابر منفصل عنها بطريق ، لكنه قريب منها ، فهذا لا
يضر ، لأنه منفصل عنها ، بخلاف ما إذا كان القبر مقصوداً ليصلَّي
عنده .
فالخطر في اعتقاد كثير من الناس في
قبور وبطلانها:له عليه وسلم- أن الصلاة في مسجده لأجل قبره ، فيزورون
قبره -صلى الله عليه وسلم- ظناً منهم أن الصلاة في مسجده لأجل قبره ، فهم يذهبون
إلى المدينة ليُصلوا بجوار قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا جهلٌ عظيمٌ ،
بل هذا من اتخاذ القبور مساجد ، وإنما يجب أن ينوي المسافر بالسفر زيارة مسجد
الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، لا أن يزور القبر ليصلي بجوار القبر في
المسجد ، فإن المسجد مقصودٌ للصلاة فيه قبل وفاة الرسول -صلى الله عليه
وسلم- ، حيث قال: (لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى
ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَمَسْجِدِ الأَقْصَى) [8]<8>.
فإنما يُسافَر لأجل المسجد قبل وفاة
النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعده ، ولا يُسَافَر لأجل الصلاة بجوار
القبر ، فالزيارة الشرعية لقبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- تكون بأن ينوي
الإنسان بالسفر أصلاً زيارة المسجد النبوي لا القبر ، وإذا صلى في المسجد أتى
القبر فسلَّم على النبي -صلى الله عليه وسلم- كما كان يفعل ابن عمر رضي الله عنهما ،
والله أعلى وأعلم .
وكما ذكرنا ، هذا الأمر له تعلق
بخصوصية المسجد النبوي وعدم إمكان نقله ، وعدم إمكان نقل القبر ، وكان
الأولى أن يظل القبر خارج المسجد ، منعاً للشبهات ، كما كان في عهد
الصحابة -رضي الله عنهم-، لكن مع وجوده الآن داخل المسجد لا أعلم أحداً من أهل
العلم يمنع من الصلاة فيه بدعوى عدم اتخاذ القبر مسجداً ، بل إجماع العلماء
على مشروعية الصلاة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- على حاله الذي هو عليه
الآن ، لا أعلم فيه خلافاً ، أما في أي مسجد آخر فلا ، فإن كان
القبر أمامه فالحرمة أغلظ وأشد ، وإذا كان داخل المسجد أو ملتصقاً به أو في
حجرة مستقلة أو خلفه فكل ذلك من تعظيم القبر إذا كان قد بُنِيَ من أجله [9]<9>.
أما صحة الصلاة في المساجد
التي بها قبور وبطلانها:
ففيها قولان
للعلماء :
1- منهم من يرى بطلانها
مطلقاً سواء
أكانت في مسجد أم لم يكن هناك مسجد بل ذهب إلى القبر ليصلي بجواره ، كأن يكون
القبر داخل بيت مثلاً أو حديقة ، فيذهب الناس إلى ذلك المنزل ليصلوا عند
القبر ، فهؤلاء قد اتخذوا هذا القبر مسجداً وإن لم يكن عليه مسجد ، فمن
العلماء من يقول : الصلاة باطلة ، سواء أكان قاصداً أم لم يقصد .
2- ومنهم من يقول :
الصلاة مكروهة كراهة تحريم ، ومن المتأخرين من يطلق
الكراهة ، لكن كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ينبغي أن يحمل على كراهة
التحريم ، بلا شك ، لأنه من إحسان الظن بالعلماء ، أنهم لا يقولون
عن شيء لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- فاعلَه أنه مكروهٌ كراهة تنزيه ، فكيف
يلعن النبي -صلى الله عليه وسلم- من فعل شيئاً ، ثم يقولون عنه مكروه تنزيهاً
؟! فهذا لا يمكن ، إنما يلعن من أتى كبيرة من الكبائر.
ولذلك نقول : الصحيح
في ذلك التفصيل :
1- فمن كان قاصداً القبر
لأجل الصلاة عنده،
أو قصد المسجد تبركاً وتعظيماً لصاحب القبر ، فصلاته باطلة .
2- وأما من صلى اتفاقاً
لأجل أنه يريد أن يحضر درس علم لشيخ يظنه عالماً، أو هو عالم ببعض فنون العلم كالتجويد
مثلاً ،[10]<10> فهذا صلاته صحيحة مع الإثم.[11]<11>
3- وأما من صلى وهو لا
يعلم بوجود القبر، فصلاته صحيحة ، ولا يأثم لأن الله لا يكلف نفساً
إلا وسعها ، والعلم شرط من شروط التكليف ، فقد روى البخاري معلقاً في
صحيحه ، أن عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ -رضي الله عنه-
رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ ، فَقَالَ
عُمَرُ :القَبْرَ القَبْرَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإِعَادَةِ[12]<12>، فدل على أن صلاته صحيحة .
وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بهدم
كل قبر مرتفع مشرف ، فالمسلم الحريص على التوحيد يتجنب الصلاة في المساجد
التي بُنيت على القبور سداً لذريعة الشرك .
[1]<1> قال -تعالى-: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ
دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي
الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ)
(سـبأ:22)
< سبأ : 22 > ،
(لا
يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ( مِلكاً مستقلاً من دون
الله -تعالى-،( وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ) أي على سبيل
المشاركة مع الله -تعالى- ، (وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ): أي مِن
مُعِيِن ، (وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ
إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا
قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) < سبأ
: 23 >، لم يَبْقَ إلا الشفاعة ، فأثبت سبحانه الشفاعة الشرعية ونفى
الشفاعة الشركية .
[2]<2> قول بعض المشايخ
المعاصرين : ( إن عدم جواز الصلاة في المساجد التي بها قبور هو مذهب بعض
المتأخرين والأمر يسير ) هذا كلامٌ منكرٌ وباطلٌ ، فكيف يَلعن النبيُ
-صلى الله عليه وسلم- شيئاً أو فعلاً ، ثم نقول عنه : أمر يسير.
وقد نبه عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن
يموت بخمس ، كما في حديث سَمُرَة بن جُنْدَب ، بل هذا الأمر شِبه متواتر
في الحقيقة كما ذكر الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في كتاب ( تحذير الساجد من
اتخاذ القبور مساجد ) ، فقد ذكر ثلاثة عشر حديثاً صحيحاً عن ثلاثة عشر
صحابياً أو أكثر في النهي عن اتخاذ القبور مساجد، فهذا مستفيضٌ وشِبه متواتر،
والنبي -صلى الله عليه وسلم- حذر من ذلك لأن فيه فتنةً عظيمةً جداً.
والنبي
-صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته حَذَّرَ من أعظم البدع التي سوف تؤثر على أمته،
حيث قال قبل وفاته بخمس: (إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى الله
أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ
اتَّخَذَنِي خَلِيلا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ، وَلَوْ كُنْتُ
مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلا لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلا، أَلا وَإِنَّ
مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ
وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ ، أَلا فَلا تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ
إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ) < رواه مسلم
(532) > .
وفي
رواية أخرى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ألا
إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خِلٍّ مِنْ خِلِّهِ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا
لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلا وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللهِ)
< رواه مسلم (2383) ، والترمذي (3655 ، 3661) ، وابن ماجة
(93) ، وأحمد (3570 ، 3681 ، 3742 ، 27908 ،
17396) > ، وهذه الخطبة فيها ردٌ على ثلاثة من أخطر البدع :
1-
الجهمية المعطلة للصفات ، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال : (
وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللهِ ) ، والخُلَّةُ شدة المحبة ، فالله
-تعالى- يحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أشد الحب .
2-
الرافضة الذين يَسُبُّون أبا بكر -رضي الله عنه- ويقولون : ليس بخليفة ،
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- أشار إلى خلافته بقوله -صلى الله عليه وسلم-: ( إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ
وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا لاتَّخَذْتُ
أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ ، لا تُبْقَيَنَّ فِي
المَسْجِدِ خَوْخَةٌ < أي : فتحةٌ أو بابٌ في المسْجدِ >
إِلا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ ) < رواه البخاري (467 ، 3904) ،
ومسلم (2233 ، 2382) ، والترمذي (3660) ، وأحمد
(2428) > .
3-
الصوفية الذين يتخذون القبور مساجد ، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ( أَلا فَلا تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي
أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ ).
[3]<3> سبق تخريجه ص
(133).
[4]<4> رواه
البخاري(1390 ، 3454) ، ومسلم (529) ، والنسائي (703) ، وأحمد
(23540 ، 24374 ، 25646) ، والدارمي (1367).
[5]<5> بالنسبة لأم المؤمنين
عائشة ـ رضي الله عنها ـ فالذي يظهر أنها كانت تصلي في حجرتها بعد دفن النبي -صلى
الله عليه وسلم- وبعد دفن أبي بكر -رضي الله عنه- وهذا ليس بممنوع ، فإذا
دُفِنَ إنسان في منزله ـ مع كون ذلك خلاف الأولى والأفضل ، وقال بعض أهل
العلم بعدم الجواز ، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا) < رواه
أبو داود (2042) ، وأحمد (7762 ، 8238 ، 8586) ، وصححه
الألباني في الصحيحة (545) > ، ويحمل الحديث على ظاهره أنه ينهى عن
الدفن في البيوت ـ فهذا المكان يمكن أن يصلي المصلي فيه دون قصد القبر
بالصلاة ، فعائشة رضي الله عنها لم تكن تقصد إلى القبر فتصلي ـ فهذا قطعاً لم
يحدث ـ بل كانت تصلي في بيتها ، فمثل ذلك لا يُمنع منه ، ولم تكن تأتي
للقبر قصداً ، فلو أن إنساناً دُفِنَ في بيته لم تحرم الصلاة فيه ، بل
يحرم أن يأتيه الناس من بعيد قاصدين الصلاة هناك لأجل القبر ، ويحرم أن
يُتَّخَذَ حوله بناء ويجعل وقفاً مسجداً يقصد للصلاة ، فلو بُنِيَ مسجد بجوار
قبر ، أو بُني من أجل قصد القبر فهذا يدخل في النهي ، لكن لو أن أُناساً
بيوتهم بجوار المقابر وملتصقة بها مباشرةً فليس بمُحَرمٍ أن يُصلوا في هذه البيوت
لأنها بيوتهم ولم يقصدوا القبور من أجلها، فهكذا عائشة -رضي الله عنها- بعد دفن
الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه.
[6]<6> رواه مالك
(416) ، وصححه الألباني في المشكاة برقم (750) .
[7]<7> فالمكان الذي يُتخذ
للصلاة يصير بذلك مسجداً ، والمسجد إنما سُمِّىَ مسجداً للصلاة والسجود
فيه ، وفي الحديث المرفوع: (وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ
مَسْجِدًا وَطَهُورًا) < رواه البخاري (335) ، ومسلم
(521) ، والنسائي (432 ، 736) ، وأحمد (13852) ، والدارمي
(1353) > ، فجعل كل مكان هو صالحٌ للسجود فيه ، يُسمى عند
الصلاة فيه مسجداً .
[8]<8> رواه البخاري
(1197 ، 1189) ، ومسلم (827 ، 1397) ، والنسائي (700) ،
وأبو داود (2033) ، والترمذي (326) ، وابن ماجة (1410) ، وأحمد
(27922 ، 27925) ومواضع أخرى في المسند .
[9]<9> أما لو افترضنا على سبيل
المثال أن المسجد كان بجوار المقابر فاحتيج إلى التوسعة مثلاً ، فوسَّعوا
وصارت المقابر خلف المسجد أو على يمينه أو شماله مع وجود فاصل ، فهذا هو الذي
يمكن أن تكون الصلاة فيه جائزة ، مع أن فيه من الشبهة وذريعة اتخاذ القبور
مساجد ما فيه ، وكذلك لو وسَّعوا المسجد حتى صار الفاصل بينه وبين القبور
جدارً أو طريقاً صغيراً ، فهذا لا يُنهى عن الصلاة فيه ، طالما أن
القبور ليست في القبلة مباشرةً ، وكان هناك فاصلٌ كما ذكرنا .
وراجع
كتاب تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للإمام الألباني ـ رحمه الله ـ فله كلام
نفيس في هذه المسألة .
[10]<10> ولا عبرة بأن يكون الشيخ
الفلاني فعل ذلك وإنما العبرة بكلام الله -تعالى- وكلام رسوله -صلى الله عليه
وسلم- وإجماع السلف .
[11]<11> الصلاة في المسجد الذي فيه
قبر لا تجوز، ولو لم يجد الإنسان غير الصلاة في الطريق ، فليصل في الطريق ولا
يصلِّ في ذلك المسجد ، لأن هذه البقعة منهي عن الصلاة فيها.
[12]<12> رواه البخاري : بَاب
هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي الجَاهِلِيَّةِ وَيُتَّخَذُ مَكَانُهَا
مَسَاجِدَ.
موقع أنا السلفي
www.anasalafy.com