الأربعاء، ١ ذو القعدة ١٤٤٥ هـ ، ٠٨ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

اتخاذ القبور مساجد...شرح المنة (21)

اتخاذ القبور مساجد...شرح المنة (21)
الثلاثاء ٠٥ يونيو ٢٠٠٧ - ١٣:٠٥ م
16

اتخاذ القبور مساجد...شرح المنة (21)

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

وأعظم أسباب البلاء هو الغلو في الصالحين ، وبناء المشاهد والقباب والمساجد على قبورهم ، والتمسح بها والطواف حولها ، والطواف عبادة لذا كان الطواف حول هذه القبور على سبيل التعظيم والتقرب لهم ـ كما يتقرب المسلمون لله - عز وجل- بالطواف حول بيته الحرام ـ شركاً أكبر ، وإن كان على سبيل النظر في جوانب القبر مثلاً كما يطوف السائحون للمشاهدة ، فهذا ليس من الشرك ، لكن فيه إقراراً بالمنكر أو سكوتاً عنه .

والتمسح قد يكون شركاً أكبر أو أصغر حسب الاعتقاد ، فمن تمسح بالحديد الذي في القبر أو حوله ـ ولو كان قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ـ كما يفعل كثير من الناس ، أو تمسح بقبور الأولياء ونحو هذا معتقداً أنه ينفع ويضر بذاته من دون الله أي استقلالاً من دون الله أو مع الله ، أي مع الله على سبيل الشركة [1]<1> ، كان ذلك شركاً أكبر ، وإن اعتقد أنها سبب ، وأن الله هو النافع الضار بسببها ـ أي بسبب هذه الأقمشة أو الحديد ـ ، فنقول : هذا كذبٌ على الله ، لأن الله لم يشْرَعِ التمسح بذلك ، ولم يَقُلْ لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنها سبب ، فهذا جَعْلُ سبب فيما لا سبب فيه ، فهذا شركٌ أصغر ، لأنه ذريعة للشرك الأكبر .

فصل في اتخاذ القبور مساجد:[2]<2>

وقد سدَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بابَ الغلو في الصالحين وبناء المساجد على قبورهم ، بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَلا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلا فَلَا تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ) [3]<3>.

وهذا نصٌّ واضح في تحريم بناء المساجد على القبور ، وقَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ : (لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) ، قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: ( يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا) ، وفي رواية أخرى قالت: ( فَلَوْلَا ذَلِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا)[4]<4>.

إذاً فلماذا دفن الصحابةُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- في حجرته إلى جوار مسجده، في حجرة عائشة ـ-رضي الله عنها- التي عاشت فيها سنين بعده -صلى الله عليه وسلم- ؟ [5]<5>

وذلك لكي يأتي من أراد زيارته إلى المسجد أولاً فيقصده للصلاة ويزور القبر تبعاً ، وخشوا لو أنهم أبرزوا القبر أن يأتي الناس إلى القبر للصلاة عنده فيكون المصلي قاصداً للقبر ، فقالوا : لا بد أن يقصد المسجد أولاً ، فلا يستطيع أحدٌ الوصول إلا إذا دخل المسجد أولاً.

لذلك نقول: إن قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي صار كأنه في المسجد بعد اتساع المسجد ، هذا وضعٌ خاصٌ استثنائي ، لعدم جواز نقل المسجد ، وعدم جواز نقل القبر ، والحقيقة أن المسجد مبنيٌ قبل القبر قطعاً ، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الذي بنى هذا المسجد ، ولم يزدد المسجد فضيلة بالتوسعة التي أَدْخَلَت القبرَ فيه حتى صار القبر كأنه داخل المسجد ، والحقيقة أن القبر حتى بعد هذه التوسعة لا يستطيع أحد أن يتخذه مسجداً إلا بأن يدخل إلى داخل الحجرة ، فيصلي بداخلها ، وهذا بحمد الله ـ تبارك و-تعالى- ـ لا يقع ، استجابةً من الله - عز وجل- لدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ) [6]<6> وهذا ليس في أي مسجد آخر.

والمسجد الذي يُبنَى بجوار قبر، حتى ولو كان هذا القبر منفصلاً عن المسجد ، فإنه إنما بني تعظيماً للقبر ولكي يُقصد المسجد من أجل القبر تبركاً بصاحب القبر، فهذا مما يدخل في النهي وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( ... يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ) .

وكذا من قصد القبر ولو كان بلا بناء ليصلي عنده ـ إليه أو بجواره ـ لكان ممن اتخذ القبر مسجداً. [7]<7>

أما مَن صلى بجوار قبر اتفاقاً ، كمسجدٍ بجوار المقابر منفصل عنها بطريق ، لكنه قريب منها ، فهذا لا يضر ، لأنه منفصل عنها ، بخلاف ما إذا كان القبر مقصوداً ليصلَّي عنده .

فالخطر في اعتقاد كثير من الناس في قبور وبطلانها:له عليه وسلم- أن الصلاة في مسجده لأجل قبره ، فيزورون قبره -صلى الله عليه وسلم- ظناً منهم أن الصلاة في مسجده لأجل قبره ، فهم يذهبون إلى المدينة ليُصلوا بجوار قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا جهلٌ عظيمٌ ، بل هذا من اتخاذ القبور مساجد ، وإنما يجب أن ينوي المسافر بالسفر زيارة مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، لا أن يزور القبر ليصلي بجوار القبر في المسجد ، فإن المسجد مقصودٌ للصلاة فيه قبل وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، حيث قال: (لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَمَسْجِدِ الأَقْصَى) [8]<8>.

فإنما يُسافَر لأجل المسجد قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعده ، ولا يُسَافَر لأجل الصلاة بجوار القبر ، فالزيارة الشرعية لقبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- تكون بأن ينوي الإنسان بالسفر أصلاً زيارة المسجد النبوي لا القبر ، وإذا صلى في المسجد أتى القبر فسلَّم على النبي -صلى الله عليه وسلم- كما كان يفعل ابن عمر رضي الله عنهما ، والله أعلى وأعلم .

وكما ذكرنا ، هذا الأمر له تعلق بخصوصية المسجد النبوي وعدم إمكان نقله ، وعدم إمكان نقل القبر ، وكان الأولى أن يظل القبر خارج المسجد ، منعاً للشبهات ، كما كان في عهد الصحابة -رضي الله عنهم-، لكن مع وجوده الآن داخل المسجد لا أعلم أحداً من أهل العلم يمنع من الصلاة فيه بدعوى عدم اتخاذ القبر مسجداً ، بل إجماع العلماء على مشروعية الصلاة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- على حاله الذي هو عليه الآن ، لا أعلم فيه خلافاً ، أما في أي مسجد آخر فلا ، فإن كان القبر أمامه فالحرمة أغلظ وأشد ، وإذا كان داخل المسجد أو ملتصقاً به أو في حجرة مستقلة أو خلفه فكل ذلك من تعظيم القبر إذا كان قد بُنِيَ من أجله [9]<9>.

أما صحة الصلاة في المساجد التي بها قبور وبطلانها:

ففيها قولان للعلماء :

1- منهم من يرى بطلانها مطلقاً سواء أكانت في مسجد أم لم يكن هناك مسجد بل ذهب إلى القبر ليصلي بجواره ، كأن يكون القبر داخل بيت مثلاً أو حديقة ، فيذهب الناس إلى ذلك المنزل ليصلوا عند القبر ، فهؤلاء قد اتخذوا هذا القبر مسجداً وإن لم يكن عليه مسجد ، فمن العلماء من يقول : الصلاة باطلة ، سواء أكان قاصداً أم لم يقصد .

2- ومنهم من يقول : الصلاة مكروهة كراهة تحريم ، ومن المتأخرين من يطلق الكراهة ، لكن كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ينبغي أن يحمل على كراهة التحريم ، بلا شك ، لأنه من إحسان الظن بالعلماء ، أنهم لا يقولون عن شيء لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- فاعلَه أنه مكروهٌ كراهة تنزيه ، فكيف يلعن النبي -صلى الله عليه وسلم- من فعل شيئاً ، ثم يقولون عنه مكروه تنزيهاً ؟! فهذا لا يمكن ، إنما يلعن من أتى كبيرة من الكبائر.

ولذلك نقول : الصحيح في ذلك التفصيل :

1- فمن كان قاصداً القبر لأجل الصلاة عنده، أو قصد المسجد تبركاً وتعظيماً لصاحب القبر ، فصلاته باطلة .

2- وأما من صلى اتفاقاً لأجل أنه يريد أن يحضر درس علم لشيخ يظنه عالماً، أو هو عالم ببعض فنون العلم كالتجويد مثلاً ،[10]<10> فهذا صلاته صحيحة مع الإثم.[11]<11>

3- وأما من صلى وهو لا يعلم بوجود القبر، فصلاته صحيحة ، ولا يأثم لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ، والعلم شرط من شروط التكليف ، فقد روى البخاري معلقاً في صحيحه ، أن عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ -رضي الله عنه- رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ ، فَقَالَ عُمَرُ :القَبْرَ القَبْرَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإِعَادَةِ[12]<12>، فدل على أن صلاته صحيحة .

وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بهدم كل قبر مرتفع مشرف ، فالمسلم الحريص على التوحيد يتجنب الصلاة في المساجد التي بُنيت على القبور سداً لذريعة الشرك . 



[1]<1> قال -تعالى-: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) (سـبأ:22)

 < سبأ : 22 > ، (لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ( مِلكاً مستقلاً من دون الله -تعالى-،( وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ) أي على سبيل المشاركة مع الله -تعالى- ، (وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ): أي مِن مُعِيِن ، (وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) < سبأ : 23 >، لم يَبْقَ إلا الشفاعة ، فأثبت سبحانه الشفاعة الشرعية ونفى الشفاعة الشركية .

[2]<2> قول بعض المشايخ المعاصرين : ( إن عدم جواز الصلاة في المساجد التي بها قبور هو مذهب بعض المتأخرين والأمر يسير ) هذا كلامٌ منكرٌ وباطلٌ ، فكيف يَلعن النبيُ -صلى الله عليه وسلم- شيئاً أو فعلاً ، ثم نقول عنه : أمر يسير.

 وقد نبه عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس ، كما في حديث سَمُرَة بن جُنْدَب ، بل هذا الأمر شِبه متواتر في الحقيقة كما ذكر الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في كتاب ( تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ) ، فقد ذكر ثلاثة عشر حديثاً صحيحاً عن ثلاثة عشر صحابياً أو أكثر في النهي عن اتخاذ القبور مساجد، فهذا مستفيضٌ وشِبه متواتر، والنبي -صلى الله عليه وسلم- حذر من ذلك لأن فيه فتنةً عظيمةً جداً.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته حَذَّرَ من أعظم البدع التي سوف تؤثر على أمته، حيث قال قبل وفاته بخمس: (إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى الله أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ اتَّخَذَنِي خَلِيلا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلا لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلا، أَلا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ ، أَلا فَلا تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ) < رواه مسلم (532) > .

وفي رواية أخرى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ألا إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خِلٍّ مِنْ خِلِّهِ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلا وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللهِ) < رواه مسلم (2383) ، والترمذي (3655 ، 3661) ، وابن ماجة (93) ، وأحمد (3570 ، 3681 ، 3742 ، 27908 ، 17396) > ، وهذه الخطبة فيها ردٌ على ثلاثة من أخطر البدع :

1- الجهمية المعطلة للصفات ، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال : ( وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللهِ ) ، والخُلَّةُ شدة المحبة ، فالله -تعالى- يحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أشد الحب .

2- الرافضة الذين يَسُبُّون أبا بكر -رضي الله عنه- ويقولون : ليس بخليفة ، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- أشار إلى خلافته بقوله -صلى الله عليه وسلم-: ( إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ ، لا تُبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ خَوْخَةٌ < أي : فتحةٌ أو بابٌ في المسْجدِ > إِلا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ ) < رواه البخاري (467 ، 3904) ، ومسلم (2233 ، 2382) ، والترمذي (3660) ، وأحمد (2428) > .

3- الصوفية الذين يتخذون القبور مساجد ، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ( أَلا فَلا تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ ).

[3]<3> سبق تخريجه ص (133).

[4]<4> رواه البخاري(1390 ، 3454) ، ومسلم (529) ، والنسائي (703) ، وأحمد (23540 ، 24374 ، 25646) ، والدارمي (1367).

[5]<5> بالنسبة لأم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ فالذي يظهر أنها كانت تصلي في حجرتها بعد دفن النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد دفن أبي بكر -رضي الله عنه- وهذا ليس بممنوع ، فإذا دُفِنَ إنسان في منزله ـ مع كون ذلك خلاف الأولى والأفضل ، وقال بعض أهل العلم بعدم الجواز ، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا) < رواه أبو داود (2042) ، وأحمد (7762 ، 8238 ، 8586) ، وصححه الألباني في الصحيحة (545) > ، ويحمل الحديث على ظاهره أنه ينهى عن الدفن في البيوت ـ فهذا المكان يمكن أن يصلي المصلي فيه دون قصد القبر بالصلاة ، فعائشة رضي الله عنها لم تكن تقصد إلى القبر فتصلي ـ فهذا قطعاً لم يحدث ـ بل كانت تصلي في بيتها ، فمثل ذلك لا يُمنع منه ، ولم تكن تأتي للقبر قصداً ، فلو أن إنساناً دُفِنَ في بيته لم تحرم الصلاة فيه ، بل يحرم أن يأتيه الناس من بعيد قاصدين الصلاة هناك لأجل القبر ، ويحرم أن يُتَّخَذَ حوله بناء ويجعل وقفاً مسجداً يقصد للصلاة ، فلو بُنِيَ مسجد بجوار قبر ، أو بُني من أجل قصد القبر فهذا يدخل في النهي ، لكن لو أن أُناساً بيوتهم بجوار المقابر وملتصقة بها مباشرةً فليس بمُحَرمٍ أن يُصلوا في هذه البيوت لأنها بيوتهم ولم يقصدوا القبور من أجلها، فهكذا عائشة -رضي الله عنها- بعد دفن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه.

[6]<6> رواه مالك (416) ، وصححه الألباني في المشكاة برقم (750) .

[7]<7> فالمكان الذي يُتخذ للصلاة يصير بذلك مسجداً ، والمسجد إنما سُمِّىَ مسجداً للصلاة والسجود فيه ، وفي الحديث المرفوع: (وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا) < رواه البخاري (335) ، ومسلم (521) ، والنسائي (432 ، 736) ، وأحمد (13852) ، والدارمي (1353) > ، فجعل كل مكان هو صالحٌ للسجود فيه ، يُسمى عند الصلاة فيه مسجداً .

[8]<8> رواه البخاري (1197 ، 1189) ، ومسلم (827 ، 1397) ، والنسائي (700) ، وأبو داود (2033) ، والترمذي (326) ، وابن ماجة (1410) ، وأحمد (27922 ، 27925) ومواضع أخرى في المسند .

[9]<9> أما لو افترضنا على سبيل المثال أن المسجد كان بجوار المقابر فاحتيج إلى التوسعة مثلاً ، فوسَّعوا وصارت المقابر خلف المسجد أو على يمينه أو شماله مع وجود فاصل ، فهذا هو الذي يمكن أن تكون الصلاة فيه جائزة ، مع أن فيه من الشبهة وذريعة اتخاذ القبور مساجد ما فيه ، وكذلك لو وسَّعوا المسجد حتى صار الفاصل بينه وبين القبور جدارً أو طريقاً صغيراً ، فهذا لا يُنهى عن الصلاة فيه ، طالما أن القبور ليست في القبلة مباشرةً ، وكان هناك فاصلٌ كما ذكرنا .

وراجع كتاب تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للإمام الألباني ـ رحمه الله ـ فله كلام نفيس في هذه المسألة .

[10]<10> ولا عبرة بأن يكون الشيخ الفلاني فعل ذلك وإنما العبرة بكلام الله -تعالى- وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- وإجماع السلف .

[11]<11> الصلاة في المسجد الذي فيه قبر لا تجوز، ولو لم يجد الإنسان غير الصلاة في الطريق ، فليصل في الطريق ولا يصلِّ في ذلك المسجد ، لأن هذه البقعة منهي عن الصلاة فيها.

[12]<12> رواه البخاري : بَاب هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي الجَاهِلِيَّةِ وَيُتَّخَذُ مَكَانُهَا مَسَاجِدَ.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة