الجمعة، ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

حاكموا "بيشوي الكبير" أولاً

...والآن ونحن نرى "بيشوي الصغير" في أسيوط يَرسم النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- في رسوم مسيئة تكاد تشعل الوطن، والكنيسة مشغولة باحتفالات عيدها، ومَن سَتُوجِّه إليه الدعوة، ومَن لن توجِّه إليه

حاكموا "بيشوي الكبير" أولاً
عبد المنعم الشحات
الأحد ٠١ يناير ٢٠١٢ - ٢٣:٢٩ م
3911

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلن أكرر هنا ما ذكرتُه مِن أن الخيار الشرعي "الوحيد" في التعامل بين الأغلبية المسلمة وبين الأقلية النصرانية في مصر، هو: أن يتعلم أهل كل دين دينهم وعقائدهم، وأن يكون "التعايش السلمي" الذي جاء به الإسلام يوم أن كان "الكاثوليك الرومان" يلقون "الأرثوذكس المصريين" في الزيت المغلي! حتى أنقذهم "عمرو بن العاص" -رضي الله عنه-.

وعاش النصارى في مصر "أربعة عشر قرنًا" مِن الزمان بصفتهم "أسعد أقلية في العالم"؛ إلى أن أتتنا "المعونة الأمريكية"، وجاءت معها معاهدة السلام التي "قزَّمت مصر"، ونزلت بها مِن دور الدولة الإسلامية والعربية الكبرى إلى دولة منكفئة على نفسها لا تَرى إلا مصالحها -أو هكذا قال لنا المستبدون-!

ثم إذ بنا نفاجأ أن دور الدولة بدأ يتقلص داخليًا -ومِن آخر مظاهر ذلك: الإنذار الأمريكي شديد اللهجة بشأن اقتحام مقرات لمنظمات تتلقى دعمًا أمريكيًا، مع أن الأمر مبرر قانونيًا ومستوف لأركانه، ومع أن التحقيقات الأولية أثبتت كمًا كبيرًا مِن المخالفات!-.

وإذا كانت المعونة الأمريكية هي "فك الكماشة الأول" الذي أطبق على الدولة المصرية؛ فإن "كهنة التوريث" كانوا هم الفك الثاني؛ ولأن أمريكا تلاعب الحكومات بملف الأقليات بغض النظر عن موقفها هي مِن هؤلاء الأقليات؛ فإن "كهنة التوريث" قد التقطوا الخيط، وصاروا يقدِّمون تنازلات للأقليات؛ سواءً المعترف بوجودها في الشريعة الإسلامية والقانون المصري، والمجتمع المصري: كالنصارى، أو غير المعترف بهم: كالبهائيين!

وإن كان مِن المنطقي أن يحاول البهائيون وأمثالهم.. اختراق الدولة المصرية؛ أملاً في الحصول على وضع قانوني، وإن كان من المنطقي أن يسعى هؤلاء إلى التعاون مع جهات أجنبية؛ ولو كان على حساب قوة بلادهم؛ إلا أن الغريب حقًا أن يسعى "بعض رجال الكنيسة" ومعهم معظم نصارى المهجر، بالإضافة إلى "كهنة التوريث" مستغلين "مناورة أمريكا" بورقة الأقليات؛ ليحاولوا فرض واقع جديد على الشعب المصري، الذي لم يَعرف "مصطلح الفتنة الطائفية"؛ إلا على يد  هؤلاء!

وبدأ هؤلاء في تخويفنا مِن الفتنة الطائفية، وليكون الحل عندهم ليس "التعايش السلمي"، والأخذ على يد كل مكدِّر لهذا التعايش، وإنما بمسلسل يمكن تسميته: بالـ"تدليل الطائفي"، والذي بلغ أوجَّه في أواخر عصر "المخلوع".

ومِن أبرز أمثلته: قضية السيدة "وفاء قسطنطين" التي ما زال الناس لا يعرفون -حتى الآن- أين هي؟! أفي حياتنا أم غادرت إلى العالم الآخر؟!

"وفاء قسطنطين" لمن لا يعرف.. أو لمن نسي.. أو لمن تناسى.. امرأة عاقلة راشدة، كل مشكلتها في الحياة أنها "زوجة لكاهن"، وأنها اختارت بمحض إرادتها أن تدخل في الإسلام في ظل قرار جائر يمثِّل هو الآخر إحدى حلقات "التدليل الطائفي"؛ عندما أصدرت "الداخلية" قرارًا يجعل أن مِن ضمن شروط إشهار الإسلام: أن يتم ما يسمونه: "جلسة مناصحة" بيْن مَن يريد الإسلام وبيْن اثنين مِن القساوسة، على أن يتم هذا في مديرية الأمن -لاحظ أن هذا قرار مِن السلطة التنفيذية اغتصبت فيه السلطة التشريعية، ولكن كل هذا يهون من أجل التدليل الطائفي!-.

ذهبت "وفاء قسطنطين" بكامل إرادتها تطلب تحديد تلك الجلسة؛ فإذا بالمَثَل القائل: "رضينا بالظلم والظلم مش راضي بينا" ينطبق عليها؛ إذ أصرت "الكنيسة" على أن تُعدِّل هي هذا القرار؛ لتجعل "مناصحة زوجات الكهنة" يجب أن تتم في الكنيسة، وبلا سقف زمني! مما يعني أنها لن تستطيع أن تُشهر إسلامها قط، ورفضت الداخلية -من باب الالتزام بالأوامر-.

فقامت مظاهرات في الكاتدرائية تَعامل معها "أمن مبارك" بكل رفق حتى أصيب "ثلاثة لواءات"! ثم جاءت "الأوامر السيادية" بتسليم "وفاء قسطنطين" إلى بيت تابع للكنيسة لتخرج منه بعد أسبوعين، وتُسجِّل محضرًا في النيابة أنها تراجعت عن إشهار إسلامها، ولتختفي بعدها إلى تلك اللحظة!

ومع هذا.. لم تتحرك "أمريكا"؛ لتدافع عن إنسانة سُلبت كل حقوق الحياة، بما في ذلك أنْ تعرِف أحدًا أو أنْ يعرفها أحد، أو... أو... وطبيعي ألا تُحرك جمعيات حقوق الإنسان "الممولة أمريكيًا" ساكنًا؛ لأن التمويل فيه بوصلة خفية، ولكن عملها مرئي -"أود أن أسأل سؤالاً جانبيًا: هل توجد منظمة حقوق إنسان مصرية تدافِع عن إنسان غير مرضي عنه أمريكيًا: كوفاء قسطنطين على سبيل المثال؟!"-.

المهم.. تم مواراة "وفاء قسطنطين" خلف أسوار ما، ولا تسأل: هل تقع تلك الأسوار جغرافيًا داخل مصر أم في القطب الشمالي؛ لأن المحصلة واحدة؟!

وخلف أسوار أخرى، هي: "أسوار الحبس الاحتياطي" كان هناك مواطنون مصريون آخرون يُحاكَمون بتهمة الشغب، ومقاومة السلطات، وإتلاف الأموال العامة والخاصة، وإصابة عدد من أفراد الشرطة، وهي تُهم كما ترى وكما تنادي أمريكا -دائمًا-: يجب أن تُناقش بعيدًا عن ديانتهم، وعن حالتهم النفسية وقت ارتكابهم هذه الجرائم!

ولكن "رجل الكنيسة الأول" قرَّر آنذاك مبدأ قانونيًا هامًا، وهو: "أنهم شباب غاضبون، ويجب أن يُبرَؤوا مِن التهم الثابتة عليهم"؛ وإلا سوف تلغي الكنيسة احتفالات الأعياد!

وعلى الرغم مما يتشدق به النظام مِن استقلال القضاء، والمساواة بيْن المواطنين أمامه؛ تم ذلك! -"أظن أن الذين ينادون بالمساواة كان يزعجهم أن يتم التمييز ضد الأقلية، ولكن نظام مبارك وولده جمال، ومعهما زكريا عزمي، ومنير فخري عبد النور، ومِن وراء الجميع "المدام" تخطوا المساواة إلى تمييز الأقلية!"-.

وخرج "جميع" الجناة... وأقيمت احتفالات الأعياد، وتنفست مصر الصعداء!

ليتكرر المشهد مرة ثانية... وثالثة... ورابعة... ومِن آخر ذلك ما وقع للأخت "كاميليا شحاتة"، التي غُيِّبت عن الواقع؛ بغض النظر عن إسلامها مِن عدمه!

ولينتقل الأمر مع كل مذنب في أية جريمة سواء تعلقت بمنع إسلام أحد، أو بناء كنيسة بلا تصريح، أو تزوير في مستندات رسمية -أول قرار اتخذه عصام شرف هو الإفراج عن قس يقضي عقوبة الحبس على جريمة تزوير في أوراق رسمية!-؛ حتى بدا للبعض أن القانون الجنائي قد تم تعديله؛ ليرفع الحرج عن أي شاب نصراني غاضب، وتَمثَّل هذا واضحًا في اقتحام واحتلال مبنى محافظة الجيزة، والذي تم التعامل معه بنفس هذه القاعدة!

وفي هذه الأثناء بدا للرجل الثاني في الكنيسة أن يجرِّب حظه، ويختبر آخر تعديلات قانون العقوبات.. وهل امتد رفع الحرج إلى حالات الرضا؟! وهل تم توسيعه ليشمل كبار السن؟!

فارتكب ثلاثة جرائم بشعة يُعاقِب عليها القانون:

الأولى: التشكيك في صحة "القران الكريم"، وخاصة قوله -تعالى-: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) (المائدة:73).

الثانية: الزعم أن المسلمين ضيوف على مصر -"كررها ساويرس مؤخرًا في حديثه مع التلفزيون الكندي"-.

الثالثة: الدعوة إلى عصر استشهاد جديد.

ويبدو أن حدسه قد كان في محله، فلم يُحاسب قانونيًا؛ فقلنا: "لعله يُحاسب كنسيًا"، ولكن انقطاع الاتصال بينه وبيْن "بابا الكنيسة" -أيامها- حال دون ذلك! وأُشيع أن "بابا الكنيسة" قرَّر أن يعتذر للمسلمين عن تصريحات الرجل المُقرَّب منه.

وقلنا: "أخيرًا أراد الرجل أن يَرد قدرًا مِن التحيات التي يرسلها له المسلمون: بأزهرهم، وحكوماتهم، كلما أخطأ مسلم مهما كان سنه ودوافعه وعلمه يُحاسب -وهذا هو المطلوب-، ولكن، ورغم ذلك.. ورغم استعمال أقصى درجات الشدة -"حتى إن الشيخ أبا يحيى محبوس احتياطيًا حوالي عشرة أشهر إلى الآن؛ لأنه استدعى الشرطة؛ لنزع فتيل أزمة طائفية"-؛ إلا أنه بالإضافة إلى هذا كان جميع المسلمين يقدِّمون الاعتذار.

وعمومًا الاعتذار عن الخطأ يرفع صاحبه.

ولكننا لم نَرى مِن الكنيسة اعتذارًا على أي جريمة يرتكبها نصراني؛ فقلنا: "لعل فداحة الخطأ قد حَرَّكت الرجل ليعتذر"، ولكنه خرج علينا ليقول: إنه أسف؛ لأن كلام "الأنبا بيشوي" أحزن المسلمين. ثم أخذ يثني على "بيشوي"، ويصفه بالعقل والحكمة... إلى آخره!

والآن ونحن نرى "بيشوي الصغير" في أسيوط يَرسم النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- في رسوم مسيئة تكاد تشعل الوطن، والكنيسة مشغولة باحتفالات عيدها، ومَن سَتُوجِّه إليه الدعوة، ومَن لن توجِّه إليه، والإعلام يحاكم مَن لا يحضر، وكأن حضور المناسبات غير الدينية صار مِن الواجبات السياسية؛ وإن أباه الدين الذي يقول: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون:6)!

فيا عقلاء الإعلام..

ويا عقلاء النصارى..

دعوكم مِن سياسة النفاق، وأعمِلوا قاعدة: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ).

واحرصوا على "التعايش السلمي" قبل أن يحرقه "أبناء بيشوي"؛ ممن تربوا على إشعال الحرائق، وافتعال الأزمات.

نعلم أنكم تعتقدون أنه لا يوجد نبي صادق بعد عيسى -عليه السلام-، وأنكم تنتظرون عودته الثانية، ومِن ثمََّ فانتم لا تؤمنون بمحمد -صلى الله عليه وسلم-.

ومع هذا.. كان مِن تسامُح الإسلام معكم أن تعيشوا على هذه العقيدة معنا تعايشًا سلميًا، ولكن دون إظهار تلك العقيدة بيْن المسلمين؛ فضلاً عن إظهارها في صورة السب والطعن، والانحطاط، وسوء الأدب!

نحن نُجِلُّ عيسى وأمه -عليهما السلام-؛ لأن الله كرمهما؛ ولأنه في عقيدتنا نبي مِن أولي العزم مِن الرسل، وأمه صديقة، ومِن ثَمَّ فلا يَرد مطلقًا أن يسيء مسلم إلى عيسى -عليه السلام-؛ وإلا لخرج بذلك من الإسلام.

ونحن لن نُكرهكم على التصديق بمحمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الله قال: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة:256).

تُرى: هل يوجد مَن يخاف على مصلحة البلاد، فيضع حدًا لهذه الفتنة الشعواء أم تبقى دائمًا أمريكا هي الحَكَم؟!

ومِن ثَمَّ تبقى "الفوضى الهدامة" لا "الخلاقة" هي المنهج.

ويبقى الصراع الطائفي متصدرًا المشهد.

واسأل العراق تخبرك..

فهـل نـفـيق قـبـل فـوات الأوان؟!

 

موقع أنا السلفى

www.anasalafy.com