الجمعة، ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

نصرة الإخوان الأولين لقضية الشريعة!

وإن الإخوان المسلمين حين يتقدمون بهذه الخطوط الرئيسية إنما يستوحونها من كتاب الله الذي يأمر بالعدل والإحسان

نصرة الإخوان الأولين لقضية الشريعة!
عصام حسنين
الأحد ١٥ سبتمبر ٢٠١٣ - ١٦:١٥ م
3250
11-ذو القعدة-1434هـ   15-سبتمبر-2013      

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلا يخفى على مسلم وكل عامل لدين الله -تعالى- أنه يجب عليه نصرة الشريعة وأن يكون الحكم لله، أي لكتابه كما قال -سبحانه-: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ(يوسف:40)، وقال: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ(الشورى:10).

والحاجة اليوم ماسة من كل مسلم أن يطالِب بذلك، وأن تكون الشريعة هي المرجعية العليا للقوانين في البلاد، ونذكِّر جماعة الإخوان في هذا المقال بمجهودات أوائلهم في نصرة الشريعة والسعي إلى إقامتها في الأرض؛ ليعملوا كعملهم سواء هنا أو في غزة أو في تونس أو غيرها من البلاد... لا هذا الموقف المخزي الذي يذكِّرنا بموقفهم نفسه في اللجنة التأسيسية "2012م" حيث خرج علينا الدكتور "ياسر حمزة" عضو اللجنة القانونية بالحزب يقول: "إن حزبه يؤيد إلغاء المادة (219) من الدستور المنتظر، مشيرًا إلى أن المادة الثانية من الدستور تؤدي نفس الغرض!" (شبكة مصرس الإخبارية).

وما المادة (219) إلا مادة مفسرة للمجمل في المادة الثانية، كما أنها ضمانة لعدم وجود تشريع يتعلق بالحلال والحرام يخالف شريعة الله -سبحانه وتعالى-، فلمَ الوقوف ضدها من حزب مرجعيته إسلامية؟! والله ما فعل أوائلكم ذلك، بل كان كلامهم واضحًا كالسيف في المطالبة بتحكيم الشريعة ككل متكامل دون تجزئة كما سنري! والله المستعان.

أقول: لن ينصرنا -تعالى- إلا إذا نصرنا دينه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ(محمد:7)، ولن يرفع الله البلاء عن البلاد والعباد إلا إذا تبنا إليه وأصلحنا ما بيننا وبينه؛ فما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة، وأحب أن أبيِّن في هذا المقام أننا نطالب بتطبيق متدرج، لكن بخطوات فعلية على أرض الواقع!

والآن إلى بيان هذه النصرة المشرفة والتي نسأل الله -تعالى- أن يجازيهم عنها خيرًا، وأن يجزي خيرًا كل مَن نصر الإسلام ولو بشطر كلمة!

كان (جمال عبد الناصر) من تشكيلات الإخوان، وكان هناك اتفاق على القيام بالثورة، وعندما جاء الموعد...

يقول الأستاذ (محمود): "جاءنا عبد الناصر وكمال الدين حسين واجتمعا بنا صلاح شادي وأنا والمرحوم حسن العشماوي وفريد عبد الخالق وعبد القادر حلمي، وأبلغنا اعتزامه القيام بالثورة خلال أيام فطلبنا منه الانتظار لحين استطلاع رأي المرشد (الأستاذ الهضيبي)، فطلب استطلاع رأيه أن يتولى الإخوان الحكم بعد نجاح الثورة، وكان المرشد في ذلك الوقت موجودًا بالإسكندرية ولكنه ألح لمعرفة رأيه بسرعة معلنًا أنه سيؤجل الحركة يومًا لهذا الغرض.

وفعلاً سافرت مع حسن العشماوي وعبد القادر حلمي وفريد عبد الخالق إلى الإسكندرية وقابلنا المرشد، فطلب منا إبلاغ جمال عبد الناصر موافقته وتأييده وحمايته للثورة، كما طلب إبلاغه أنه ليس من المصلحة أن تظهر للثورة علاقة بالإخوان؛ حتى لا يتدخل الانجليز لمقاومتها، واقترحت أن يتولى الحكم علي ماهر باشا على أساس أنه غير حزبي -"وهذا يُشبه موقف حزب النور تحقيقًا لمصلحة البلد العامة لا لمصلحة الحزب الخاصة"-، وكان رئيسًا للوزارة وقت وفاة الملك فؤاد، واستطاع أن يقوم بالبلاد وتطمئن له جميع الجهات.

وعدنا إلى القاهرة واتصل صلاح شادي بعبد الناصر، ودعاه للحضور إلى شقة عبد القادر حلمي في صباح اليوم التالي يوم 22 يوليو، وجاء عبد الناصر ومعه كمال الدين حسين وأبلغناه الرسالة، ويقول صلاح شادي مكملاً الواقعة: وقبل أن ينصرف جمال عبد الناصر انتحيت به جانبًا وطلبت أن يقرأ معي الفاتحة أن تكون الحركة لله ولإقامة شرع الله فقرأها معي وتعانقنا وانصرف! وقامت الثورة... ويستأنف صالح أبو رقيق حديثه عن الأيام الأولي للثورة ويقول: ونجحت الثورة وقام رجال الإخوان بحراسة المرافق ليلة الثورة.

وفي الأيام التالية اتصل كمال الدين حسين بصلاح شادي وأبلغه أن قوات بريطانية ستتحرك من السويس إلى القاهرة فأرسلنا مجموعة من الإخوان الفدائيين إلى الكيلو 96 لعرقلة تقدم الإنجليز، وظلوا يحرسون الطريق عدة أيام، وتم أول لقاء بين عبد الناصر والمرشد حسن الهضيبي، وفي يوم 28 يوليو حضر عبد الناصر إلى منزلي حيث كان ينتظره المرشد وعبد القادر حلمي وحسن العشماوي وصلاح شادي، وقال عبد الناصر ونحن نصعد درجات السلم: أنا خايف على الأولاد من نشوة النصر! ووجدتني أقول له بسرعة: نصر إيه ده لسه المشوار طويل عايزين ننظف البلد ونطهرها من الفساد وتقوم المشروعات.

وعندما وصلنا ودخل عبد الناصر وصافح المرشد فوجئتُ به يقول للمرشد: قد يقال لك إن إحنا اتفقنا على شيء، إحنا لم نتفق على شيء! وكانت مفاجأة؛ فقد كان اتفاقنا أن تكون الحركة إسلامية ولإقامة شرع الله، واستمرت المقابلة في مناقشات أنهاها المرشد بقوله لجمال عبد الناصر: "اسمع يا جمال، ما حصلش اتفاق وسنعتبركم حركة إصلاحية إن أحسنتم فأنتم تحسنون للبلد، وإن أخطأتم فسنوجه لكم النصيحة بما يرضي الله" -"وهذا أيضًا موقف حزب النور!"-.

وانصرف جمال وقال لنا المرشد وكأنه كان يستطلع الغيب: الراجل ده ما فهش خير، ويجب الاحتراس منه، وكانت الوزارة قد شكلت برياسة علي ماهر كما اقترحنا، لكن بعد شهور جاءنا جمال عبد الناصر يشكو من علي ماهر ومماطلته في إصدار قوانين الإصلاح الزراعي، وسأل المرشد عمن يتولي الحكم بعده، وكان رأينا أي شخص صالح.

ويضيف صلاح شادي قائلاً: وتم تشكيل وزارة برياسة محمد نجيب وطلب منا جمال عبد الناصر الاشتراك في الوزارة، استدعاني أنا وحسن وكان يوسف صدِّيق حاضرًا، وفاجأنا بقوله: أنا عايز ثلاثة من الإخوان يدخلون الوزارة، فرد يوسف صدِّيق: إحنا هنخليها فقهاء، فقال له حسن العشماوي: ما لهم الفقهاء، ما له واحد زي الشيخ الباقوري بغض النظر عن الموضوع.

وقال عبد الناصر: إنما كنت اقترحت أنك تدخل الوزارة -والكلام كان موجهًا لحسن العشماوي- أنت ومنير الدلة، ولكن الزملاء معترضين لصغر سنكم وإحنا عايزين ترشحوا لنا اثنين أو ثلاثة، وذهبنا إلى المرشد واجتمع مكتب الإرشاد واتخذوا قرارًا بعدم الاشتراك في الوزارة بعد مناقشات طويلة، فقد رأي البعض أن اشتراكنا في الوزارة سيجعلنا مبصرين بكل الخطوات التي تقوم بها الحكومة، ولكن المرشد كان له رأي آخر وهو أنه: لو حدثت أخطاء من الحكومة فإنها ستلقى على الإخوان فضلاً عن أن رسالة الإخوان كما كان يراها المكتب في تلك الآونة هي عدم الزج بأنفسهم في الحكم" (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ 3/24) "وهذا كان موقف حزب النور من ترشيح رئيس ينتمي للتيار الإسلامي ابتداءً، ولكنا أُكرهنا كالعادة من أطراف عديدة تتحمل ما ترتب عليه من نتائج كارثية!".

ويقول أيضًا: "فالثورة نبعت من هذه الدعوة، وكانت النتيجة الحتمية لها، والقائمون بالثورة كانوا من صفوفها، ومع ذلك فأكرر ما سبق أن قررته في هذه المذكرات من قبل وهو أن الوصول إلى كراسي الحكم لم يكن هدف الإخوان؛ وإلا لكان ذلك متاحًا لهم من قبل دون القيام بثورة، فقد توالى على دُسَّت الحكم في مصر مَن كان هو وشيعته أدني من شعبة واحدة من شعب الإخوان المسلمين علمًا ومواهب وثروة بالرجال، وإنما كانوا يؤثرون دائمًا أن يجدوا من أتباعهم أو من غير أتباعهم من يلتزم بالحكم بكتاب الله على أن يكونوا هم من ورائه يؤيدونه إذا صدق، وينصرونه إذا التبست عليه الأمور، ويذكرونه إذا نسي، ويسندونه إذا اختل توازنه، ويحمونه من نفسه ومن بطانة السوء، ويقفون حائلاً بينه وبين منحدر الغرور والانحراف.

هذا هو الموقف الذي كان الإخوان قد اختاروه لأنفسهم، وآثروه بما اختاره الإخوان لأنفسهم من موقف؛ ليتجنب كثيرًا مما وقع فيه من أخطاء، وليجد من ورائه من يسدده، ويقبل عثرته ويشير عليه ويبصره، ويحميه من نفسه ومن الانحدار الذي انتهي به وببلاده إلى الكوارث التي خلـَّفها من بعده" (3/59 وما بعدها).

واقعة طريفة:

وكان الإخوان المسلمون في ذلك الوقت هم مناط الأمل ومتجه الأنظار، صار المركز العام كعبة تأتي إليها الوفود من كل مكان، وأذكر في الأيام الأخيرة قبل الثورة بقليل أن جاء إلى المركز العام شابان أجنبيان يحمل كل منهما حقيبة صغيرة وكاميرا، فتقدمت إليهما مستغربًا فأخبراني بأنهما صحفيان من السويد قدما ليأخذا حديثًا من المرشد العام، وكان المرشد العام منشغلاً مع آخرين، فلما أخبرته بأمرهما طلب مني أن أجلس معهما؛ فجلست إليهما وكان أول سؤال وجهاه إليَّ هو: نحن نعرف أن الإخوان المسلمين يريدون أن يحكموا بالنظام الإسلامي، ولما أحسسنا أن هذا النوع من الحكم أوشك أن يقوم في مصر، فقد رأينا أن نستفسر عن الطريقة التي تنفذون بها الحكم الإسلامي في هذا العصر الذي نعيشه!

ولما طلبتُ منهما أن يحددا لي نواحي الحياة؛ لأشرح لهما تعامل الحكم الإسلامي معها، قال أحدهما: سنأخذ ناحية واحدة من نواحي الحياة مثلاً لذلك، وهي ناحية المواصلات كيف تتعاملون معها بالنظام الإسلامي؟ لقد أصبحت وسائل المواصلات بالترام والقطارات والسيارات، بل والطائرات ضرورة لازمة، فكيف تتعاملون إسلاميًّا مع هذه الوسائل والنظام الإسلامي وسيلة مواصلاته هي الجمال؟! فكان ما سمعته منهما مفاجأة لي اضطررت معها أن أشرح لهما النظام الإسلامي شرحًا مستفيضًا أخبراني بعده أنهما لأول مرة يعرفان هذه الصورة الرائعة عن الإسلام" (3/60).

وتحت عنوان: الحكم بكتاب الله يقول: "هذه قضية فات أوان أن يرفضها حاكم رفضًا صريحًا نعم، جاء على بلادنا وقت كان الناس يعتبرون مجرد إثارتها نوعًا من الهذيان والرجعية -"قلتُ: وبمجهود الإخوان وغيرهم"- حل محلها الاقتناع بأن الحكم بكتاب الله هو الحكم الأمثل، وأن الشريعة الإسلامية هي السماء التي لا تطاولها سماء في عالم التشريع أيًّا كان مصدر هذا التشريع، استقر هذا الشعور في نفس الحاكم والمحكوم على السواء؛ أما المحكوم فإنه يطالب بالحكم بالشريعة الإسلامية؛ لأنه سيعود بالخير عليه وعلى المجتمع، وأما الحاكم وإن كان مقتنعًا بها، فإن بريق السلطة المطلقة التي لا يحدها قيد، يتلألأ بين عينيه فيبهره ويزيغ بصره، وتتراءى له هذه الشريعة عائقـًا يحد من سلطته!

وقد تبيَّن للقارئ -مما سبق- أن الفئة من الإخوان الذين اشتركوا مع (جمال) في التحضير للقيام بالثورة كانت فئة محدودة العدد، وهذا هو التكتيك السليم في مثل هذه الأمور الخطيرة التي يكون عنصر السرية فيها أهم عناصر نجاحها، وهكذا فوجئ الإخوان في كل مكان بقيام الثورة، ثم اطمأنوا عقب ذلك في الحال إلى أنها ثورتهم، وأخذ الإخوان في جميع أنحاء العالم يستبشرون ويهنئ بعضهم بعضًا لا بأن الحكم قد آل إليهم، وإنما بأن الحكم بكتاب الله قد آن له أن يتحقق، وهو الأمل المنشود، والهدف الذي من أجل الوصول إليه اقتحم الإخوان الأهوال، واستعذبوا مرارة الموت!

كان الإخوان في شعور غامر من السعادة وخف كثير منهم إلى أعضاء مجلس الثورة يتبادلون العناق والقبلات، ولكن المرشد العام عرف كيف يستغل (جمال عبد الناصر) طبيعة تكتيك الثورات من ضآلة عدد المشتركين في الإعداد لها، كما استغل ما اتفق عليه من نفس المرشد علاقة الثورة بالإخوان حرصًا عليها، وبناءً على ذلك استطاع أن يتملص من العهود والمواثيق، وإزاء ذلك رأى المرشد العام نفسه أمام حكومة غير ملتزمة، وأن عليه أن يتعامل معها برفق، وأن يتقدم إليها -على أساس أنها مجرد حركة إصلاحية- داعيًا إلى الحكم بالقرآن، شارحًا لها مزايا ذلك الحكم وموضحًا لها أن هذا الحكم لا يتعارض مع وجود أجناس وأديان أخرى في البلاد، داعمًا شرحه بالحجج والأسانيد، ومزيلاً ما عسى أن يثار من شبه حول عدالة الحكم الإسلامي حيث يتمشى مع العقل وطبيعة الحياة.

ولقد انتهز المرشد فرصة حلول ذكرى المولد النبوي في عام 1952م فأقام حفلاً بهذه المناسبة بالمركز العام دعا إليه رجال الثورة، فحضر محمد نجيب، وجمال عبد الناصر، وعدد آخر، كما حضره الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر، وقد ألقي المرشد العام كلمة جامعة ضافية، جاء فيها: "ولسنا نطالب الأخذ بكتاب الله لنشتفي بالعقوبات الصارمة التي سنها الله -تعالى-، بل نطلب الأخذ به كُلاً لا يقبل التجزئة؛ لأنه ما من حكم فيه إلا وهو مترتب على أحكامه الأخرى، ولا تجد عقوبة إلا وقد سدت الذريعة إليها وأسقطت عذر الجاني في جنايتها، وأول ذلك: التعليم وهو واجب على كل مسلم ومسلمة، وحق لهما لا يجوز أن يحرما منه، وعلى ولي الأمر أن يهيئ لهما أسباب تعلم الإسلام وأحكامه وبلوغ دعوته إلى الناس، وهذا فرض عين على كل أحد، ويجب أن تكون مهمة التعليم الأولى وهي تعلم إقامة الوازع النفسي في الناس حتى يكون إقبالهم على طاعة الله والتخلق بالأخلاق الفاضلة مبنيًّا على هذا الوازع، فإذا غاب الوازع عن بعض الناس جاء دور العقوبة.

وقد ذكر الله -تعالى- العقوبات في آيات معدودات ولم يذكرها إلا مرة واحدة، ولكن القرآن مليء بمناجاة النفوس وحضها على الخير والبر والأخلاق الفاضلة، وعلى ولي الأمر كذلك أن يهيئ أسباب العلوم الأخرى التي تحتاج إليها الأمة في شئون حياتها من زراعة وتجارة، وطب وهندسة، وطيران وفنون حرب إلى غير ذلك، وهذا فرض على الكفاية يلزم المسلمين جميعًا، ولا يسقط عنهم إثم تركه؛ إلا حين يتعلم منهم من يسد حاجة الأمة في كل فن، والواجب الثاني على ولي الأمر هو أن يسهر على توفير الأرزاق للناس؛ فإن شريعة الله تقتضي بأن يكون لكل إنسان في الدولة مسلمًا كان أو غير مسلم الحق في منزل يرد عنه حر الصيف وبرد الشتاء، ويمنع عنه الأعداء والمتطفلين، والغذاء الذي لابد منه لحفظ كيانه وصحته، والكساء الذي لابد منه للشتاء والصيف، والعلاج الذي يلزمه إذا مرض.

هذه حقوق لازمة في عنق الدولة، وليست صدقات يأتيها الناس أو لا يأتونها، والسبيل إلى توفيرها لهم العمل، فكل إنسان عليه واجب الحصول على عيشه من طريق العمل الحلال بحسب ما تؤهله له مواهبه، وتهيئه له ظروف حياته، ويجبر على العمل إذا هو قعد عنه، فالإسلام لا يحب القاعدين، فإذا كان عمل العامل لا يكفيه أو لم يجد عملاً أو كان غير قادر على العمل أصلاً فهو في كفالة المسلمين عامة -في كفالة الدولة- تمده بما يحتاج إليه أو نقص من حاجاته الضرورية.

- الزكاة: وسبيل ذلك الزكاة التي يجب على كل مسلم أن يؤديها، ويجب على الحكومة أن تحصلها، وللفقراء حق معلوم فيها لا يجوز بحال من الأحوال أن يُحرموا منه، ولا أن ينتقص شيء منه قبل أن يستوفوا حقوقهم التي ذكرناها، فإذا لم تكفِ الزكاة فقد أصبح على كل من عنده فضل من المسلمين أن يعود به على إخوانه في الإنسانية بما يوفر لهم حاجاتهم، والحاكم مسئول أن يوفر له ذلك، والزكاة تصرف في المكان الذي جمعت فيه، ولا تنقل إلى جهة أخرى إلا إذا استغنى أهل الجهة التي جمعت فيها، وهو أحدث ما أخذ به في معالجة الفقر في الأزمنة الحديثة، أما تنظيم ذلك كله فهو من الأمور التي تخضع لظروف الزمان والمكان.

وهكذا أيها الإخوان، رفع الإسلام الحياة الاجتماعية للناس بالعلم وبلوغ الدعوة وإعطاء الفقير حقه، ويعالج الأمور من أساسها بطريقة عادلة ميسورة، ثم هو يطلق القوى والمواهب لتحصيل العيش كما يريد الإنسان؛ للمسلم أن يجمع من الثروة ما شاء بشرط أن تكون من حلال، وكل واحد من المسلمين له حق في أن يجمع من الثروة ما شاء بشرط أن يكسب ماله من حلال وينفقه في الحلال، فلا يباح لأحد أن يصرف في غير الأوجه التي أحلها الله -تعالى-، فلا خمر ولا ميسر ولا شيء مما تعارف الناس على عده من المباحات، فإذا فعل ذلك وأدى حق الله فيه فإن الإسلام يحمي ماله ويقطع اليد التي تمتد إليه.

- عقوبة السارق: إن عقوبة السرقة التي يرتجف منها الناس عقوبة فيها غاية الرحمة بالناس؛ لأنه لا يصح إنزالها بالسارق إلا إذا استوفى حقوقه التي ذكرناها كلها، ووفر له المجتمع تعليمه ولباسه وطعامه ومسكنه وعلاجه، بل وسد عنه دينه، وهي بعد عقوبة رادعة تمنع البغاة الذين نالوا حقوقهم من الجماعة من أن يفكروا في السرقة، ومن فعل منهم فعليه الجزاء (جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(المائدة:38).

- ست مرات: وتاريخ المسلمين الذي كان فيه هذا النوع من الحياة مستقرًا لم تنفذ فيه عقوبة القطع إلا نحو ست مرات، فلما نسي حكام المسلمين أن يهيئوا للناس تلك الحياة الاجتماعية النظيفة الراقية وجدوا أن عقوبة القطع لا تتفق مع أحوال المسلمين فمنعوها! وهم على حق في منعها، ولكنهم كانوا بغاة ظالمين في حرمانهم الناس من حقوقهم في التعليم وضروريات الحياة، وكانوا بذلك مسئولين عن تعطيل حدود الله.

- الربا: إن بعض علماء الإنجليز والألمان نقدوا نظام الفائدة، وردوا إليه الاضطرابات في أحوال العالم الاقتصادية واقترحوا إلغاءه بالتدرج، وهم في ذلك يعودون إلى أصول الأديان من عدم التعامل بالربا وإن كانوا يبنون آراءهم على فكرة تنمية الأعمال الاقتصادية في العالم، وما من شك في أن مقدور العقل الإنساني أن يحل من المعاملات الناجحة في الاقتصاد ما يغني عن الربا.

(ذكر الأستاذ محمود تحت عنوان: عرف الإنجليز عن ديننا ما لم نعرف 2/293 ما يلي: في خلال الفترة التي أقمتها بديروط وحدي في الفندق أشار علي بعض الأصدقاء أن أودع نقودي في صندوق توفير البريد حفظـًا لها، فذهبت إلي مكتب البريد وكان معاون البريد صديقًا لي وكان شابًا ظريفًا وكان مسيحيًّا، وقلت له إنني أرغب في إيداع ما معي من نقود في صندوق التوفير فسألني: هل تريد استمارة للمسلمين أم استمارة بفوائد؟ فلما سمعت هذا السؤال منه ظننته يمزح معي؛ لأنه يعرف أنني من الإخوان المسلمين فأراد أن يتندر بهذا الأسلوب فقد كنت أعرف أن البريد يخير المتعامل معه بين طريقتين: التعامل بالفوائد والتعامل بغير الفوائد، وكان اعتقادي أن استمارة التعامل بدون فوائد مطبوع عليه "استمارة التعامل بدون فوائد" حيث إن الأخرى مطبوع عليها استمارة للتعامل بفوائد: فقلت للمعاون: دعنا من المزاح وأعطني الاستمارة المطبوع عليها "التعامل بدون فوائد" فرد عليَّ قائلاً: إنك حملت كلامي علي محمل المزاح، إنه ليس مزاحًا وناولني الاستمارة فرأيت مطبوعًا عليها "استمارة للمسلمين"، كان لهذا الحادث العارض في نفسي تأثير عميق ودلالات مؤلمة... وقلت لنفسي إن الذي أسس مصلحة البريد في مصر هم الإنجليز، وهم الذين وضعوا نظمها وأسسها وأساليبها، ولا يزال العمل يدور بهذه المصلحة على نفس النظم والأساليب التي وضعوها، فالإنجليز إذن قد فهموا من ديننا أن المسلم بحكم أنه مسلم لا يجوز له أن يتعامل تعاملاً ماليًّا مع أحد -ولو كان هذا الأحد مصلحة حكومية- بفوائد؛ لأن الفوائد ربًا والربا حرمه الإسلام، وعلى هذا الأساس طبعوا نوعين من الاستمارات نوعًا بدون فوائد وسموه: "استمارة للمسلمين" ونوعًا آخر بفوائد، وفي نظرهم أنه لغير المسلمين، ثم يأتي أكثر المسلمين متنكرين لدينهم متناسين أنفسهم معرضين عن الاستمارات التي أعدت للمسلمين متعاملين بالاستمارات الربوية! لقد عرف الإنجليز عن ديننا ما لم نعرف، وقدرونا، ولكننا احتقرنا أنفسنا!).

- حركة الجيش: أيها الإخوان: إن حركة الجيش قد تمت بنجاح، ويجب أن تستمر بنجاح، ويجب أن يجد الناس في الإخوان المسلمين قومًا يعملون ولا يتكلمون، ويحقون الحق ويبطلون الباطل ولو كره الناس أجمعون، هذا ما اقتطعناه من كلمة المرشد العام أمام رجال الثورة، ولعل القارئ يلاحظ فيها ما أشرنا إليه من قبل أنها كلمة جمعت بين الحث على الأخذ بكتاب الله وبين الإقناع العقلي، الذي لو وجَّه إلى حاكم غير مسلم لتاقت نفسه أن يُسعِد شعبه بمزايا هذا النظام العادل الحكيم، ويذكرنا هذا بقول الحكيم الذي لما عُرض عليه الإسلام سأل عن عدة أمور معينة، فلما أجيب عليها بما جاء به الإسلام قال: "لو لم يكن هذا دينًا لكان في أخلاق الرجال حسنًا" (3/ 75 وما بعدها).

نصح ممزوج بتأييد:

بعد أسبوع واحد من قيام الثورة صدر بيان من المرشد ونشر في الصحف يوم 2-8-1952م، أجتزئ منه ما لم يرد في الكلمة السابقة: "الآن وقد وفـَّق الله جيش مصر العظيم لهذه الحركة المباركة، وفتح بجهاده المظفر أبواب الأمل في بعث هذه الأمة وإحياء مجدها التليد، وأزال عقبة كانت تصد عن سبيل الله والحق.

وسنة الإخوان المسلمين أن يتقدموا إلى الأمة وإلى أولي الأمر فيها -في مثل هذه المراحل المتميزة من تاريخها- بالرأي يستقونه من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي سوي بين المسلمين وغير المسلمين في حقوقهم وواجباتهم العامة، ولا يفرق بين جنس وجنس، ولا بين لون ولون.

أولاً: التطهير الشامل:

إلا أن أول ما ينبغي الالتفات إليه من ضروب الإصلاح، وما لا تظهر ثمرة العمل إلا به: أن يؤخذ كل من أعان الملك السابق على الشر، ويسر له سبيل الفساد والطغيان بما أخذ به الملك نفسه وما ينبغي أن يؤخذ به؛ فلا يستقيم ميدان العدالة في حماية أعوانه وأدواته آمنين لا تمتد إليهم يد القصاص.

ويستطرد بيان الإخوان فيطالب:

ثانيًا: الإصلاح الخلقي:

1- إعداد جيل جديد عن طريق التربية الدينية والخلقية والوطنية، وإعادة كتابة التاريخ الإسلامي والمصري، وتوفير التعليم للمواطنين جميعًا، وتدعيم معاهد العلم والجامعات على اختلافها وتزويدها بما تحتاج إليه من المكتبات والمعامل وأدوات البحث حتى تقوم بمصر نهضة علمية جديدة تساهم في بناء نهضتنا الاجتماعية والاقتصادية.

ولا شك أن التشريع مهما أحكمت صياغته واستقامت أهدافه وأصوله لا يبلغ غايته حتى يقوم على تنفيذه الفرد الصالح، الذي لا يتم إعداده إلا عن طريق التربية الدينية؛ إذ تغرس في نفسه من معاني الإنسانية السامية ما يعصمه من اتباع الهوى، ويهديه إلى أن يحب للناس ما يحب لنفسه، فإذا وُلَّيَ أمرًا أو تقلد سلطانًا كان المؤمن بربه الذي لا يزال ولا يتزلف، المستقيم في خلقه الذي لا يتكبر ولا يتغطرس، الرضي في أمانته الذي لا يختلس ولا يرتشي، والذي لا يقصي الفضيلة عن حياته الشخصية أو حياته العامة؛ فهو في بيته القدوة الصالحة، وفي مكتبه المثل الطيب.

2- ومن تمام هذا الباب أن تعمل الحكومة على تحريم ما حرم الله، وإلغاء مظاهر الحياة التي تخالِف ذلك، مثل: القمار، والخمر، ودور اللهو والمراقص، والأقلام والمجلات المثيرة للغرائز الدنية، وإن العاطفة الدينية لا تكفي وحدها لضمان التخلق بأخلاق الإسلام فينبغي أن يقترن غرسها وإنماؤها بمحاسبة الفرد حسابًا دقيقًا على اتخاذ الآداب والأخلاق القرآنية منهاجًا له في حياته الخاصة والعامة.

ثالثًا: الإصلاح الدستوري:

1- إن الفرد الصالح لا تطيب له الحياة في ظل دستور تم وضعه في عهد الاستعمار الانجليزي أولاً، والطغيان السياسي ثانيًا، وقد نشأ عن ذلك وجود ثغرات في نصوص الدستور سمحت بإحداث اضطرابات في حياتنا العامة، واستطاع الاحتلال أن ينفذ منها بين حين وآخر، كما سولت للملك التدخل المستمر وتجاوز حدود المبادئ الدستورية الأساسية، ولقد كان المظهر البارز لهذه المناسبات أن يجئ الدستور منحة من الملك لا نابعًا من إرادة الأمة!

ولما كان تصرف الحكام قد أهدر الدستور المصري نصًّا ومعنى، وكان من طبيعة الثورات الناجحة أن تسقط الدساتير التي تحكم الأوضاع السابقة عليها، فإن الدستور المصري يكون قد أصبح لا وجود له من ناحية الواقع ومن ناحية الفقه؛ مما يقتضي المسارعة إلى عقد جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد على أساس أنه تعبير عن عقيدة الأمة وإرادتها ورغبتها، وسياج لحماية مصالحها لا على أنه منحة من الملك.

وسيترتب على إعادة إصدار الدستور بطبيعة الحال اختفاء جميع نصوصه التي تصدر عن طبيعة كونه منحة، ويستمد مبادءه من مبادئ الإسلام الرشيدة في كافة شئون الحياة، وفي ظل هذه المبادئ تختفي من الدستور أسطورة الحكام الذين فوق القانون أو فوق المسئولية الجنائية، فالمبدأ الأساسي الذي يقره الإسلام المسئولية بمقدار السلطة، وأن الكل سواء أمام القانون، هذا وينبغي أيضًا أن نستفيد من التجارب الدستورية السابقة ليكون اتجاهنا إلى الإصلاح مؤسسًا على قواعد واقعية ملموسة.

2- تحديد العلاقة بين المالك والمستأجر: فمن الواضح أن عددًا كبيرًا من المشتغلين بالزراعة لن تتوفر له ملكية حتى بعد التحديد، وذلك نظرًا إلى قلة الأراضي الصالحة للزراعة بالقياس إلى المشتغلين بها، ولقد جرت العادة أن يُلزم المستأجر بأداء مبلغ نقدي أو قدر عيني من المحصول لقاء انتفاعه بكل فدان دون مراعاة للقصد والعدل، الأمر الذي يترتب عليه أن يحرم الفلاح ثمرة عمله طوال العام، بل يخرج في أكثر الأحيان مثقلاً بدين لا يستطيع أداءه، ولا علاج لهذه الحال بعد تحديد الملكية إلا بإصدار تشريع يقصر التأجير على المزارعة، بمعنى انقسام المحصول بنسبة يُتفق عليها كالنصف مثلاً؛ لأنها أقرب الصور إلى العدالة.

3- استكمال التشريعات العمالية: بإعادة النظر في التشريعات العمالية الحالية لتشمل جميع فئات العمال بما فيهم العمال والزراعيون، ولتكفل للعامل وأسرته التأمينات الكافية ضد البطالة والإصابات والعجز، والمرض والشيخوخة والوفاة، مع مراعاة جعل الانتساب إلى النقابات إجباريًّا، وإباحة تكوين الاتحادات النقابية، وتحديد أجور العمال وفق المبادئ الإسلامية على أسس اقتصادية سليمة، مع ضمان حصول العمال على نصيبهم من غلة الإنتاج، وإلغاء مكافآت أعضاء مجالس إدارة الشركات على أن يكون تقرير هذه الحقوق وحمايتها بنصوص قانونية صريحة.

4- إصلاح نظم التوظيف: على أساس تقريب الفوارق بين الحد الأعلى والحد الأدنى للمرتبات والأجور، وكفالة الضمانات القانونية والمالية في الخدمة والمعاش، وتأمين المرؤوسين ضد أهواء الرؤساء واستبدادهم، وتحديد التبعات، وتبسيط الإجراءات، وإلغاء المركزية.

5- إلغاء النياشين: وذلك تكملة لما تم من إلغاء الرتب، وتحقيقًا للمساواة الكاملة بين أبناء الوطن الواحد، وحتى تكون الأعمال خالصة لله، وكذلك العمل على القضاء على مظاهر البذخ والترف.

6- جعل المسجد مركزًا دينيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا: وقد كانت هذه وظيفة المسجد الرئيسية منذ نشأته، ولا يتم هذا إلا بتعيين رجال متدينين مثقفين للإشراف على المساجد، لا يكتفون بإقامة الصلوات، بل يحولون المسجد وبخاصة في القرى إلى ندوة حافلة بضروب النشاط والإصلاح ومكافحة الأمية.

خامسًا: الإصلاح الاقتصادي:

إن موارد الثروة في مصر بوضعها الحالي لا تكفي أن يعيش المواطنين معيشة طيبة، ولابد من فتح أبواب جديدة للثروة، وإصلاح الأوضاع القائمة على أسس سليمة.

ونقترح لذلك أمورًا، منها:

1- تحريم الربا، وتنظيم المصارف تنظيمًا يؤدي إلى هذه الغاية، وتكون الحكومة قدوة في ذلك بالتنازل عن الفوائد في مشروعاتها الخاصة.

2- تمصير البنك الأهلي وإنشاء مطبعة للإصدار في مصر، واستعجال إنشاء سك النقود المعدنية.

3- إلغاء بورصة العقود التي أدت المضاربات فيها إلى زعزعة الاقتصاد القومي، والعمل على إصلاح السياسة القطنية بما يحقق مصالح البلاد.

4- استكمال إصلاح الأراضي البور، والعناية باستغلال الصحاري المصرية زراعيًّا ومعدنيًّا.

5- تصنيع البلاد مع العناية بالصناعات المعتمدة على المواد الأولية المحلية والصناعات الحربية.

سادسًا: التربية العسكرية:

إن رجال الجيش البواسل هم أولى الناس بإصلاحه، ويجب على الدولة ألا تبخل عليه بالمال الذي يهيئه لتأدية واجباته، وأن تعتبر ذلك فريضة لا يؤخرها غيرها من الفرائض، ولو اقتضى الأمر الجور على أبواب الميزانية الأخرى.

ونود أن نشير إلى أمور في التربية العسكرية نجملها فيما يأتي:

1- أن تُراعى الآداب والشعائر الدينية في الجيش، وأن تقوم العلاقة بين أفراده على أساس الأخوة.

2- أن يوسع نطاق التجنيد بحيث لا يبقى في الأمة بعد فترة محدودة من يستطيع حمل السلاح دون أن يحمله؛ حتى يصبح الشعب كله جيشًا كامل الأهبة والعتاد.

3- أن تضاعف العناية بالتدريب العسكري في المدارس والجامعات، وأن تتسم بالجد والإنتاج، فيقرر إجباريًّا في مناهج التعليم، ويشمل فنون الحرب وأساليب القتال الصحيح.

4- إنشاء جيش إقليمي يتكون من كل من فاته الانتظام في الجيش العامل.

5- أن تبادر الحكومة إلى إنشاء مصانع الأسلحة والذخيرة لإمداد الجيش بحاجته منها؛ حتى يستطيع الجيش أن يحقق غاياته في العدد والعدة، ومستوى التدريب.

سابعًا: البوليس:

إن رجال البوليس هم حفظة الأمن الداخلي، وهم جزء من الأمة يجب أن تكون علاقاتهم معًا علاقة أخوية وقائمة على أساس من الخلق الفاضل الكريم؛ لذلك ينبغي أن يُطهر البوليس من العناصر الفاسدة التي عاونت الطغاة على إذلال الأمة، ومهدت السبيل لزج أبنائها الأبرياء في ظلمات السجون والمعتقلات، وأشاعت في البلاد جوًّا من الفزع والإرهاب ما زالت آثاره حية بيننا، وأن ينزه البوليس عن أن يكون أداة في يد الأحزاب تسخره في مآربها السياسية، مستغلة سيطرتها عليه حين تكون في الحكم.

ويجب إلغاء نظام البوليس السياسي الذي أساء إلى سمعة البوليس، ومد نفوذه بغير حق إلى كثير من مرافق الحياة، وهو في حقيقته أثر من آثار الاستعمار البغيضة.

ويجب أن يرفع مستوى رجال البوليس، وأن يأمنوا في حياتهم، وتوثيق روابط الود بينهم وبين رؤسائهم من ناحية وأفراد الأمة من الناحية الأخرى.

خاتمة:

هذه الخطوط الرئيسية في الإصلاح يحتاج كل منها إلى بيان، وإن المشكلة التي تقابلنا الآن ذات ثلاثة أطراف: "مظلومون - وظالمون - وأوضاع مكَّنت الظالم من أن يظلم".

ولابد لكي يستقيم أمر هذه الأمة مما يأتي:

1- أن تُرد المظالم إلى أهلها، وأن يعاد إلى كل ذي حق حقه، فترد إلى المسجونين السياسيين حريتهم، ولقد كانت هذه الصفوة من الشباب الطليعة الأولى التي ثارت في وجه الظلم والطغيان، ولا زالت ترسف في أغلالها بينما يتمتع المترفون والجلادون بأهوائهم.

كما ترد الأموال والأرض المغصوبة إلى أهلها، وأن تتوفر للمواطنين حياة يتحررون فيها من أغلال الإلحاد والفقر، وطغيان الحكام، وتجار السياسة.

2- أن يقتص من الظالمين، وأن يبعد من الميدان السياسي هؤلاء الذين استباحوا الحرمات، واعتدوا على الحريات، وداسوا على مقدسات الأمة، وجعلوا البلاد مزرعة لشهواتهم، واتخذوا العبث بمصالحها مادة للكسب الحرام لأنفسهم وأهلهم وأنصارهم.

3- أن تغير الأوضاع التي مكنت الظالم من أن يظلم، وأن يكون التغيير شاملاً لكل مرافق الحياة التي استطاع الطغاة أن ينفذوا منها إلى مآربهم.

أما قضية الاستقلال فليس لها إلا حل واحد، وهو أن يخرج الإنجليز من مصر والسودان، وأن يخرج كل مستعمر من بلاد الإسلام.

وإن الإخوان المسلمين حين يتقدمون بهذه الخطوط الرئيسية إنما يستوحونها من كتاب الله الذي يأمر بالعدل والإحسان، ويحض على الإخاء ورعاية أهل الذمة، ويدعون الله جلت قدرته أن يجمع القلوب على الهدى، وأن يحقق للأمة أهدافها، وأن يهدينا سواء السبيل" (3 /117 وما بعدها).


www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً