الجمعة، ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

ضبط معنى مبادئ الشريعة بين دستوري (2012م) و(2013م)

التفسير الصحيح لـ"مجموع الأحكام" سوف يسد الثغرات الموجودة في هذا الحكم؛ ليصبح بالفعل "حكما رائعًا"

ضبط معنى مبادئ الشريعة بين دستوري (2012م) و(2013م)
عبد المنعم الشحات
الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠١٣ - ١٩:١٢ م
8380

ضبط معنى مبادئ الشريعة بين دستوري (2012م) و(2013م)

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

تمهيد:

لا تتعرض المحكمة الدستورية إلى تفسير مواد الدستور هكذا مِن تلقاء نفسها، ولكن عندما يُعرَض عليها طعن بعدم دستورية قانون ما لمخالفته لمادة دستورية معينة تتصدى لمعنى النص الدستوري إن احتاج إلى تفسير، ثم تنظر في مدى موافقة القانون محل الطعن لهذا النص الدستوري.

ومن الطبيعي أن تنظر المحكمة قضايا تتعلق بنص دستوري محوري "كمادة الشريعة" عشرات المرات عبر تاريخها، وعادة ما تبحث المحكمة المادة الدستورية في أول مرة ثم تنقل أو تقتبس منه في كل مرة تتعرض فيها لهذه المادة الدستورية؛ إلا إذا رأت أن النص في حاجة إلى مزيد بيان، مما يتعين على مَن يريد تتبع تفسير المحكمة لمادة ما أن يبحث عن الأحكام المرجعية التي صارت أصلاً لما وراءها؛ ليعرف الخط العام لتفسير المادة لدى المحكمة.

وبخصوص تفسير مبادئ الشريعة سنجد أن هناك حكمين مرجعيين في تاريخ المحكمة الدستورية:

الأول: التفسير الذي تكرر في عدة قضايا، منها -على سبيل المثال-: القضية رقم 20 لسنة 1 قضائية الصادر في (4-5-1985م)، والقضية رقم 47 لسنة 4 قضائية الصادر في (21-12-1985م)، والقضية رقم 141 لسنة 4 قضائية الصادر في (4-4-1987م).

الثاني: التفسير الوارد في الدعوى رقم 8 لسنة 17 قضائية، والصادر في تاريخ 18 مايو 1996م، وما تلا هذا التاريخ من أحكام (الأدق أن هناك أحكامًا ورد فيها هذا التفسير قبل هذا التاريخ، مثل: الحكم في القضية رقم 29 لسنة 11 قضائية دستورية، والصادر في "26-3-1994م"، وإن كان المشهور بين العامة والخاصة هو حكم 96).

وبطبيعة الحال تعامل عامة المتناولين للمسألة مع حكم (96)، وما في معناه باعتباره هو الحكم المستقر منذ ذلك التاريخ، بل مع تفسيرات كتفسير مبادئ الشريعة بأنها: "الحرية - والعدالة - والمساواة"؛ مما يفرغها تمامًا من معناها، ولكن لنترك هذا التخوف الآن جانبًا ونتعامل مع واقع، وهو: أن المادة الثانية كانت تُطبَّق دستوريًّا وفق التفسير الوارد في حكم سنة (96)، بينما لم يكن يُشار إلى حكم (85) إلا باعتبار أنه حكم قرر عدم سريان المنع من مخالفة الشريعة إلا على القوانين التي تلت التعديل الدستوري سنة (80).

وفي واقع الأمر: إن هذا المعنى منصوص عليه في حكم (96) وما تفرع عنه من أحكام، ومِن ثَمَّ دخل حكم (85) في طي النسيان (حتى يسر الله بجعله مخرجًا مناسبًا من الأزمة في تعديلات 2013م).

ولكن لنبدأ بحكم (96) وسبب اعتراضنا عليه، وهو الحال الذي كان قائما إبان تأسيسية (2012م):

أولاً: تفسير مبادئ الشريعة في حكم (96):

وإليك الفقرة المفسِّرة لمبادئ الشريعة من الحكم في القضية رقم 8 لسنة 17 قضائية دستورية، والصادر في (18-5-96): "وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا مطرد على أن ما نص عليه الدستور في مادته ‏الثانية -بعد تعديلها في سنة 1980م- من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي ‏للتشريع، إنما يتمحض عن قيد يجب على كل مِن السلطتين: التشريعية والتنفيذية أن تتحراه وتنزل ‏عليه في تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل -ومن بينها أحكام القرار رقم 113 لسنة 1994م، ‏المفسَّر بالقرار رقم 208 لسنة 1994م المطعون عليهما- فلا يجوز لنص تشريعي أن يناقض ‏الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يكون ‏الاجتهاد فيها ممتنعًا؛ لأنها تمثِّل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة التي ‏لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً.

ومن غير المتصور بالتالي أن يتغير مفهومها تبعًا لتغير الزمان والمكان، إذ هي عصية ‏على التعديل، ولا يجوز الخروج عليها، أو الالتواء بها عن معناها!

وتنصب ولاية المحكمة ‏الدستورية العليا في شأنها على مراقبة التقيد بها، وتغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها؛ ذلك ‏أن المادة الثانية من الدستور تقدِّم على هذه القواعد أحكام الشريعة الإسلامية في أصولها ‏ومبادئها الكلية؛ إذ هي إطارها العام وركائزها الأصيلة التي تفرض متطلباتها دومًا بما يحول دون ‏إقرار أية قاعدة قانونية على خلافها؛ وإلا اُعتبر ذلك تشهيًا وإنكارًا لما علم من الدين بالضرورة.

ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معًا؛ ذلك أن دائرة الاجتهاد ‏تنحصر فيها ولا تمتد لسواها، وهي بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان، لضمان مرونتها ‏وحيويتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها؛ تنظيمًا لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة ‏شرعًا، ولا يعطل بالتالي حركتهم في الحياة، على أن يكون الاجتهاد دومًا واقعًا في إطار الأصول ‏الكلية للشريعة بما لا يجاوزها، ملتزمًا ضوابطها الثابتة، متحريًا مناهج الاستدلال على الأحكام ‏العملية، والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد العامة للشريعة بما تقوم عليه من حفاظ ‏على: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال. ‏

وحيث إن إعمال حكم العقل فيما لا نص فيه، تطويرًا لقواعد عملية تكون في مضمونها ‏أرفق بالعباد وأحفل بشئونهم، وأكفل لمصالحهم الحقيقية التي تشرع الأحكام لتحقيقها، وبما ‏يلائمها - مرده أن شريعة الله جوهرها الحق والعدل، والتقيد بها خير من فساد عريض، وانغلاقها ‏على نفسها ليس مقبولاً ولا مطلوبًا؛ ذلك أنها لا تمنح أقوال أحد من الفقهاء في شأن من شئونها، ‏قدسية تحول دون مراجعتها وإعادة النظر فيها، بل وإبدالها بغيرها.

فالآراء الاجتهادية في المسائل ‏المختلف عليها ليس لها في ذاتها قوة متعدية لغير القائلين بها، ولا يجوز بالتالي اعتبارها شرعًا ‏ثابتًا متقررًا لا يجوز أن ينقض، وإلا كان ذلك نهيًا عن التأمل والتبصر في دين الله -تعالى-، وإنكارًا ‏لحقيقة أن الخطأ محتمل في كل اجتهاد، بل إن من الصحابة من تردد في الفتيا تهيبًا، ومِن ثَمَّ ‏صح القول بأن اجتهاد أحد من الفقهاء ليس أحق بالاتباع من اجتهاد غيره، وربما كان أضعف ‏الآراء سندًا، أكثرها ملاءمة للأوضاع المتغيرة، ولو كان مخالفًا لآراء استقر عليها العمل زمنًا.

‏وتلك هي الشريعة الإسلامية في أصولها ومنابتها، متطورة بالضرورة، نابذة الجمود، لا يتقيد ‏الاجتهاد فيها -وفيما لا نص عليه- بغير ضوابطها الكلية، وبما لا يعطـِّل مقاصدها التي ينافيها أن ‏يتقيد ولي الأمر في شأن الأحكام الفرعية والعملية المستجيبة بطبيعتها للتطور - لآراء بذاتها لا يريم ‏عنها، أو أن يقعد باجتهاده عند لحظة زمنية معينة تكون المصالح المعتبرة شرعًا قد جاوزتها.

وحيث إن من المقرر -على ضوء ما تقدم- أن لولي الأمر أن يُشرِّع بما يرد الأمر المتنازع ‏عليه إلى الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، مستلهمًا في ذلك أن المصالح المعتبرة هي تلك التي تكون مناسبة لمقاصد ‏الشريعة، متلاقية معها، وهي بعد مصالح لا تتناهى جزئياتها، أو تنحصر تطبيقاتها، ولكنها تتحدد -مضمونًا ونطاقًا- على ضوء أوضاعها المتغيرة، يؤيد ذلك أن الصحابة والتابعين والأئمة ‏المجتهدين كثيرًا ما قرروا أحكامًا متوخين بها مطلق مصالح العباد؛ طلبًا لنفعهم أو دفعًا لضرر ‏عنهم أو رفعًا لحرجهم، باعتبار أن مصالحهم هذه تتطور على ضوء أوضاع مجتمعاتهم، وليس ‏ثمة دليل شرعي على اعتبارها أو إلغائها.

وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال ‏تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتكون ‏تخومًا لها لا يجوز اقتحام آفاقها أو تخطيها سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها، ذلك أن إهدار ‏الحقوق التي كفلها الدستور أو تهميشها، عدوان على مجالاتها الحيوية التي لا تتنفس إلا من خلالها، ولا يجوز بالتالي أن يكون تنظيم هذه الحقوق مناقضًا لفحواها، بل يتعين أن يكون منصفًا ‏ومبررًا".

التعليق على حكم (96):

رغم تضمن الحكم لعبارات جيدة جدًّا في باب ضوابط الاجتهاد؛ إلا أن هناك مشكلتين كبيرتين في هذا الحكم:

الأولى: استعمال "لا كذلك" في التفريع مما يحتمل أمرين:

الأول: أن ما بعدها خارج عن حد المبادئ بالكلية.

الثاني: أنه داخل في المبادئ، ولكنه خارج عن القطعيات.

والمشكلة كانت تكمن في تبني الكنيسة والتيار العالماني للتفسير الأول، ويدفعون في سبيله بقوة، وكان الإخوان يوافقونهم على حمل كلام المحكمة على هذا المعنى، بل والموافقة عليه أيضًا كما في (المقطع المرئي للدكتور "مرسي"، ومقال: "هل باع الإخوان والدعوة السلفية الشريعة؟" على موقع بحيرة أون لاين).

المشكلة الثانية: أنه حتى مع حمل ذلك التفسير على أحسن محامله "الاحتمال الثاني"، فيبقى هذا التفسير قاصرًا؛ لكونه اقتصر من قطعيات الشريعة على قطعي الثبوت والدلالة معًا وأدخل جميع الباقي في الظنيات، رغم أن القطعيات "التي لا تقبل الخلاف" تستفاد من أمور كثيرة، منها: الإجماع، وقياس الأولى، وأحاديث الآحاد المتلقاة بالقبول (وسوف نفرد لذلك مقالة خاصة -إن شاء الله-).

وثمة مشكلة ثالثة ليست من هذا التفسير، وإنما من التفسير الآخر الذي كان يمهد له، لا سيما وأن أحكام المحكمة الدستورية كانت قد بدأت في نقل تفسير (96) مع التخفيف من ضوابط الاجتهاد.

المادة (219):

في دستور (2012م) حاولنا في بداية الأمر تعديل المادة الثانية ذاتها، فلم يمكن، واستقر الأمر على تفسير المبادئ في مادة مستقلة، فكانت المادة (219)، ونصها: "مبادئ الشريعة الإسلامية: تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة".

وهذا حقق الحل للأمور الآتية:

1- تثبيت التفسير بما يقطع الطريق أمام التفسيرات التي كانت في الطريق، وهو غرض هام حتى ولو كان تفسير المحكمة مقبول في ذاته.

2- النفي التام لاحتمالات حمل المادة على قطعي الثبوت والدلالة.

3- ذكر مصادر الشريعة في المادة يثبت حجية الإجماع الذي سقط في تفسير (96).

تعديلات (2013م):

في بداية العمل في دستور (2013م) تم عمل ورش عمل مع "الأزهر"، وتم الاتفاق خلالها على أهمية وجود تفسير لكلمة مبادئ، ولكن هل يكون هذا التفسير هو المادة (219) ذاتها؟ أم يجب البحث عن بديل آخر؟

فوجدنا أن هناك اعتراضاتٍ على هذه المادة، يمكن تلخيصها فيما يأتي:

- عدم اعتياد مبدأ وجود مادة مفسِّرة في صلب الدستور.

- أن تعريف المبادئ بالمصادر عكس للقضية، فالمصادر يُستنبط منها الأحكام والمبادئ.

- تمرير المادة بالطريقة التي مرت بها فيه انتقاص من المحكمة الدستورية العليا.

ومِن ثَمَّ تم الاتفاق على البحث عن بديل، ونصح بعض الخبراء الدستوريين التعاونيين مع اللجنة بأن نحاول أن نبحث عن عبارات نقتبسها من أحكام المحكمة الدستورية، بحيث يكون أدعى لقبول الجميع بها.

ومن هنا جاء البحث في جميع أحكام المحكمة الدستورية حتى ما كان منها سابقًا على حكم (96)؛ لأنك إن أتيت به ووضعته في الدستور الجديد يكون له مرجعية، بخلاف كونه مجرد تفسير عدلت عنه المحكمة إلى غيره؛ فكانت القراءة المتأنية الفاحصة لجميع الأحكام منذ تعديل المادة الثانية في (سنة 80)، ووجدنا أن الأحكام الصادرة في عام 1985م وحتى عام 1994م في غاية القوة في بيان لزوم عدم مخالفة الشريعة، كما وجدنا أحكامًا أبطلت فيها المحكمة الدستورية قوانين لمخالفتها للإجماع؛ مما يعالج أحدى الثغرات الموجودة في تفسير (96).

وبدأ الخلاف يحتدم داخل اللجنة، فالكنيسة تريد تفسير (96) بأضيق معانيه، وهو الاقتصار على قطعي الثبوت والدلالة، ونحن نتمسك بأن نضع تعريفًا جامعًا مستدلين بأن مجموع الأحكام "أحكام المحكمة الدستورية" يعطينا ذلك التعريف الجامع.

ودافع كثير من أهل الديانة في اللجنة عن تفسير (96) بشقيه وأنه كافٍ، واحتدم النقاش، وجاء الحل بالإحالة على مجموع أحكام المحكمة الدستورية مع وضع  مضبطة فيها بعض هذه الأحكام تتضمن حكمي: 85 و87، والأحكام الخاصة بالإجماع، بالإضافة إلى حكم (96) وبعض الأحكام الموافقة له في المعنى، وبدراسة ما ورد في هذه الأحكام يتبين كفايتها -بإذن الله-.

وقبل أن أعرض لها أريد أن أذكِّر بالأمور الآتية:

1- بعض الإسلاميين منهم د."مرسي" شخصيًّا قَبِل بقطعي الثبوت والدلالة.

2- عامة الإسلاميين قبلوا بحكم (96)، ووصفه الأستاذ "سمير العركي" أحد قيادات الجماعة الإسلامية بالحكم الرائع، وذكر الأستاذ "جمعة أمين" معناه في مقام التنظير والتقعيد وليس التجاذب السياسي، وهو أبلغ في قبوله له.

تفسير مبادئ الشريعة في حكم (1985م):

إليك الفقرة الخاص بشرح مبادئ الشريعة الإسلامية من الدعوى رقم 47 لسنة 4 قضائية بتاريخ 21 ديسمبر 1985م: "وحيث إنه يبين من صيغة العبارة الأخيرة من المادة الثانية من الدستور -بعد تعديلها على نحو ما سلف- أن المشرع الدستوري أتى بقيد على السلطة المختصة بالتشريع قوامه إلزام هذه السلطة -وهي بصدد وضع التشريعات- بالالتجاء إلى مبادئ الشريعة؛ لاستمداد الأحكام المنظمة للمجتمع، وهو ما أشارتْ إليه اللجنة الخاصة بالإعداد لتعديل الدستور في تقريرها إلى مجلس الشعب، والذي أقره المجلس بجلسة 19 يولية سنة 1979م، وأكدته اللجنة التي أعدت مشروع التعديل وقدمته إلى المجلس، فناقشه ووافق عليه بجلسة 30 أبريل سنة 1980م؛ إذ جاء في تقريرها عن مقاصد تعديل الدستور بالنسبة للعبارة الأخيرة من المادة الثانية بأنها: "تلزِم المشرع بالالتجاء إلى أحكام الشريعة الإسلامية للبحث عن بغيته فيها مع إلزامه بعدم الالتجاء إلى غيرها، فإذا لم يجد في الشريعة الإسلامية حكمًا صريحًا، فإن وسائل استنباط الأحكام من المصادر الاجتهادية في الشريعة الإسلامية تمكِّن المشرع من التوصل إلى الأحكام اللازمة، والتي لا تخالف الأصول والمبادئ العامة للشريعة... ".

ولما كان مفاد ما تقدم أن سلطة التشريع اعتبارًا من تاريخ العمل بتعديل العبارة الأخيرة من المادة الثانية من الدستور في 22 مايو سنة 1980م أصبحت مقيدة فيما تسنه من تشريعات مستحدثة أو معدلة لتشريعات سابقة على هذا التاريخ بمراعاة أن تكون هذه التشريعات متفقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية وبحيث لا تخرج -في الوقت ذاته- عن الضوابط والقيود التي تفرضها النصوص الدستورية الأخرى على سلطة التشريع في صدد الممارسة التشريعية فهي التي يتحدد بها -مع ذلك القيد المستحدث- النطاق الذي تباشر من خلاله المحكمة الدستورية العليا رقابتها القضائية على دستورية التشريعات - لما كان ذلك، وكان إلزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع على ما سلف بيانه لا ينصرف سوى إلى التشريعات التي تصدر بعد التاريخ الذي فرض فيه الإلزام بحيث إذا انطوى أي منها على ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية.

أما التشريعات السابقة على ذلك التاريخ، فلا يتأتى إنفاذ حكم الإلزام المشار إليه بالنسبة لها؛ لصدورها فعلاً من قبله -أي في وقت لم يكن القيد المتضمن هذا الإلزام قائمًا واجب الإعمال- ومِن ثَمَّ، فإن هذه التشريعات تكون بمنأى عن إعمال هذا القيد، وهو مناط الرقابة الدستورية.

ويؤيد هذا النظر ما أوردته اللجنة العامة في مجلس الشعب بتقريرها المقدم بجلسة 15 سبتمبر سنة 1981م، والذي وافق عليه المجلس من أنه "كان دستور سنة 1971م أول دستور في تاريخنا الحديث ينص صراحة على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، ثم عدل الدستور عام 1980م لتكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وهذا يعني عدم جواز إصدار أي تشريع في المستقبل يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، كما يعني ضرورة إعادة النظر في القوانين القائمة قبل العمل بدستور سنة 1971م وتعديلها بما يجعلها متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية".

واستطرد تقرير اللجنة إلى أن: "الانتقال من النظام القانوني القائم حاليًا في مصر والذي يرجع إلى أكثر من مائة سنة إلى النظام القانوني الإسلامي المتكامل يقتضي الأناة والتدقيق العملي، ومن هنا: فإن تقنين المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي لم تكن مألوفة أو معروفة، وكذلك ما جد في عالمنا المعاصر وما يقتضيه الوجود في المجتمع الدولي من صلات وعلاقات ومعاملات - كل ذلك يستأهل الروية ويتطلب جهودًا، ومِن ثَمَّ فإن تغيير النظام القانوني جميعه ينبغي أن يتاح لواضعيه والقائمين عليه الفترة الزمنية المناسبة حتى تجمع هذه القوانين متكاملة في إطار القرآن والسنة، وأحكام المجتهدين من الأئمة والعلماء".

وحيث إن إعمال المادة الثانية من الدستور -بعد تعديلها- على ما تقدم بيانه وإن كان مؤداه: إلزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي لما يضعه من تشريعات بعد التاريخ الذي فرض فيه هذا الإلزام بما يترتب عليه من اعتباره مخالفًا للدستور إذا لم يلتزم بذلك القيد، إلا أن قصر هذا الإلزام على تلك التشريعات لا يعني إعفاء المشرع من تبعة الإبقاء على التشريعات السابقة رغم ما قد يشوبها من تعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وإنما يلقي على عاتقه من الناحية السياسية مسئولية المبادرة إلى تنقية نصوص هذه التشريعات من أية مخالفة للمبادئ سالفة الذكر، تحقيقًا للاتساق بينها وبين التشريعات اللاحقة في وجوب اتفاقها جميعًا مع هذه المبادئ وعدم الخروج عليها".

الحكم بإبطال القوانين المخالفة للإجماع:

هذه فقرة من الحكم في القضية رقم 6 لسنة 9 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية" الصادر في 18 مارس 1995م: "وحيث إن المدعين ينعون على النص المطعون فيه في النطاق المتقدم مخالفته لحكم المادة الثانية من الدستور التي تقضي بأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي  للتشريع.

وذلك من عدة وجوه:

أولها: أن الشريعة الإسلامية وإن حثت على صلة الرحم، إلا أنها لا تعتبر أقارب أحد الزوجين أقرباءً للآخر، ومِن ثَمَّ يكون اعتداد النص المطعون عليه بقرابة المصاهرة مخالفًا للدستور.

ثانيها: أن إجماع فقهاء الشريعة الإسلامية منعقد على أن عقد الإيجار ينصب على استئجار منفعة لمدة مؤقتة يحق للمؤجر بانتهائها أن يطلب إخلاء العين من مستأجرها بما مؤداه امتناع تأبيد هذا العقد.

ثالثها: أن عقد الإيجار ينقلب بالنص المطعون فيه، من عقد يقوم على التراضي إلى عقد يُحمل فيه المؤجر على تأجير العين بعد انتهاء إجارتها إلى شخص لم يكن طرفًا في الإجارة، بل يعد غريبًا عنها، ولا يتصور أن يُقحم عليها".

ثم قال في نهاية الحكم: "وحيث إن الدعوى الموضوعية كانت قد أقيمت في ظل العمل بأحكام القانون رقم 136 سنة 1981م المشار إليه، الصادر بعد تعديل الدستور في 22 مايو سنة 1980م، ويصم النص المطعون فيه بإهدار أحكام المواد 2 ، 7 ، 23،  34 من الدستور".

دلالة الإلزام بمجموع أحكام المحكمة الدستورية:

أن النص على الالتزام بمجموع أحكام المحكمة الدستورية يلزم الجمع بينها، ويجمع جميع فوائدها، فيستفاد من الأحكام التي على شاكلة حكم 85 الآتي:

- لزوم رجوع المشرع إلى أحكام الشريعة.

- يلتزم المشرع بالحكم الصريح إذا وُجد، وبقواعد الاجتهاد في غيره.

- لا يجوز الرجوع لمصدر آخر غير الشريعة.

- يجب تغيير منظومة القوانين في مصر لتكون في إطار القرآن والسنة، وأحكام المجتهدين من الأئمة والعلماء.

كما يفيد حكم (96) وما على شاكلته:

- امتناع الاجتهاد في قطعي الثبوت قطعي الدلالة.

- بيان قواعد الاجتهاد في غيره.

كما تبين الأحكام الأخرى المتعلقة بالإجماع: أن المحكمة تجعله هو الآخر مما لا تجوز مخالفته، فيكون الاجتهاد مقبولاً في المسائل التي دليلها ظني في الثبوت أو الدلالة أو فيهما معًا؛ ما لم يجمع عليه، وبالنص على مجموع أحكام المحكمة الدستورية مع إيداع حكم أو أكثر من كل نوع منها في المضبطة يكون تفسير المبادئ قد عُبِّر عنه بأفضل ما يكون، ولكن في المقابل ونتيجة حساسيات وضغوط وموازنات، ورفض كل صور التلخيص التي قدمناها لهذه الأحكام "لا سيما من قِبَل الكنيسة"، كان الحل هو ما ذكرنا، وهو رغم طول مسار الإحالة فيه إلا أنها إحالة ملزمة على النحو الآتي:

- توجد مادة في الدستور تؤكد حجية الديباجة.

- والديباجة تؤكد أن التفسير بمجموع أحكام المحكمة الدستورية.

- وهامش الديباجة يبيِّن أن هذه الأحكام موضوعة في مضبطة (الجلسة الختامية).

- ومضبطة الجلسة الختامية فيها هذه الأحكام التي بيناها.

مواد الهوية بين دستور (2012م)، وتعديلات (2013م):

لعله من المفيد في هذه النقطة أن نلخص الكلام على مواد الهوية الأربعة في دستور (2012م)، وبدائلها في تعديل (2013م).

وبيان ذلك كالآتي:

1- المادة الثانية بقيتْ كما هي.

2- المادة (219) حل محلها مجموع أحكام المحكمة الدستورية -كما بينا-.

3- المادة (81) تم الاستغناء عنها بالمادة (227) التي تنص على أن الدستور بديباجته ونصوصه يمثِّل وحدة موضوعية واحدة.

4- مادة مرجعية "الأزهر" تم تغيير صياغتها من "يُؤخذ رأي هيئة كبار العلماء في الأزهر في شئون الشريعة" إلى أن: "الأزهر هو المرجع الأساسي في الشئون الدينية".

وبالرجوع إلى ما كنا نود تقديمه في (2012م) نجد أننا كنا نرغب في أن تكون الصياغة: "يؤخذ برأي هيئة كبار العلماء"، وتم تغييرها بناءً على اعتراض الكنيسة، وإذا حاولنا ترتيب هذه الصياغات الثلاث؛ سنجد أن أقواها هي: "يؤخذ برأي هيئة كبار العلماء" حيث تلزم سلطات الدولة بالرجوع إلى هيئة كبار العلماء، ثم تلزم بالأخذ بما قررته.

وأما صياغة (2012م) فتلزم بالرجوع دون أن تلزم بما قررته، وصياغة (2013م) لا تلزم بالرجوع إلى "الأزهر"، ولكن تلزم بما يقرره متى استند أحد الخصوم إلى رأيه، والذي يمثِّل الأزهر وفق لائحته الداخلية هو: "هيئة كبار العلماء"، ومن هنا تدرك أن ادعاء البعض أن مرجعية الأزهر ليس لها أثر بالصياغة الجديدة هو ادعاء في غير موضعه.

شبهات وجوابها:

1- وهنا يدور سؤال يتردد في هذه المسألة -وفي غيرها-: إذا كانت الصياغة الجديدة مساوية أو أجود؛ فلماذا قَبِل بها الطرف الآخر؟!

ج- في الواقع هذا السؤال غير موضوعي، ومؤداه: غل اليدين عن تحقيق أي إنجاز! لأنه سوف يُعترض عليه بمثل هذا الاعتراض.

والصياغة الجديدة لابد أنها حققت لكل طرف شيئًا مما يريد، والموضوعية أن تقيم ما حصلتَ عليه: هل هو يفي بالغرض المطلوب؟ وإلى أي مدى؟ فمثلاً في "مادة الأزهر": الصياغة الجديدة حققت للمعترضين على الصياغة الأولى جزءًا مما يريدون، وهو عدم وجود جهة تكون من الناحية الإجرائية فوق المحكمة "لا سيما المحكمة الدستورية"، بينما في المقابل أعطت لكلام الأزهر قوة أكبر "متى لجَأ إليه" أحد الخصوم، وحصل على موقفه وأدرجه كدليل؛ اعتمادًا على نص الدستور.

2- موافقة القوى الأخرى سبب كافٍ لرفض الدستور؟

ج- قائل هذا الكلام يتناسى أنه توافق مع "البرادعي"، و"يحيى الجمل"، و"ساويرس" على "وثيقة الأزهر"، ويتناسى أن مجموع الإسلاميين في لجنة (2012م) حرصوا على التوافق وتنازلوا طلبًا له، ولكنهم لم يدركوه في نهاية الأمر، فقد تم العدول عن مطلب تعديل "المادة الثانية" إلى إضافة مادة مفسِّرة، وتم العدول عن الإلزام برأي هيئة كبار العلماء إلى جعله استشاريًّا.

وبعد هذه التنازلات وقَّعت الكنيسة والقوى المدنية على هذه المواد؛ إلا أن الخلاف تجدد بشأن مادة استكمال الرئيس لمدته كما نقلنا ذلك عن موقع "البحيرة أون لاين" في مقال: "موقف الإسلاميين من المادة الثانية بعد ثورة 25 يناير".

3- وثمة سؤال آخر يبدو وجيهًا وهو: أننا نزعم أن بعض البدائل كانت أفضل مما هو موجود في دستور (2012م)، وهذا:

أولاً: يصعب تصوره؛ إذ كيف تحصل بنسبة تمثيل 2% على أفضل مما حصلت عليه مع نسبة تمثيل 70%؟!

ثانيًا: هذا يستوجب أننا في (2012م) قصَّرنا، وحصلنا على أقل مما كان يمكن الحصول عليه "كما ردد ذلك الأستاذ عصام دربالة"، وسوف نجيب على هذه الشبهة مع سائر الشُّبَه الموجهة على موضوع مجموع أحكام المحكمة الدستورية.

والإجابة على الأمر الثاني أن القوى الإسلامية في تأسيسية (2012م) كانت:

1- قوى أعلنت رأيها مرارًا أن "المادة الثانية" كافية وهم الإخوان والجماعة الإسلامية (لا سيما الأستاذ عصام دربالة).

2- قوى طالبتْ بتجويد المادة الثانية وعدد آخر من المواد، وهي "الدعوة السلفية".

3- الأزهر الذي دافع عن بقاء "المادة الثانية" كما هي مع مساندتها بمواد أخرى، مثل: المادة المفسرة، ومادة مرجعية الأزهر.

وكان التيار المدني يستعين بآراء وكتابات الإخوان والجماعة الإسلامية؛ لإثبات أن السلفيين يغالون في مطالبهم (وقد سبق أن أشرت إلى بعض هذه المقالات في مقال: موقف الإسلاميين من المادة الثانية).

وأما مسألة الوصول إلى بديل أفضل؛ فتوفيق مِن الله حيث تجري الأمور بسماع اعتراضات الطرف الآخر، ومحاولة الوصول إلى صياغة تحقق المقصود وتتفادى الاعتراضات، فجاءت أفضل في "مادة الأزهر" من حيث لزومها، وجاءت أفضل في "تفسير المادة الثانية" من حيث وضوحها، وفي المقابل: فقد أصبح الرجوع إلى "الأزهر" غير لازم بذاته (وهو تنازل إجرائي)، وصار إسناد تفسير المادة الثانية عبر خطوات، وليس عبر خطوة واحدة (وهو تنازل شكلي).

4- القضية ليست المواد الأربعة فقط، فقد تم التنازل عن تجويد صياغة بعض المواد الفرعية من الناحية الشرعية؟

ج- كلام صحيح، ولكن هذه المواد تبقى في كل الأحوال مشكلة ما لم تقيد بـ"المادة الثانية"، فمادة السيادة للشعب تظل في حاجة إلى تفسير وفق "المادة الثانية"؛ سواء قلنا: "السيادة للشعب وحده" كما في دستور (71) وتعديلات (2013م) أو قلنا: "السيادة للشعب" كما في دستور (2012م).

5- اتسم موقفكم بالمرونة في (2013م) بينما تمسكتم برأيكم في عهد الدكتور "مرسي" طلبًا لإحراجه!

ج- هذا الكلام مبني على عددٍ من المغالطات:

أولها: أننا أبدينا مرونة عالية في (2012م)، فتنازلنا عن تعديل "المادة الثانية"، ورضينا بإحالة غير ملزمة لهيئة كبار العلماء تحت ضغط الإخوان والجماعة الإسلامية داخل التأسيسية، ثم قامت الجماعة الإسلامية بقيادة "عاصم عبد الماجد" بالتظاهر ضدنا متهمة إيانا بالتخاذل، ثم عادت قيادات الجماعة الإسلامية الآن تسأل: لماذا لم تكونوا مرنين في عهد "مرسي"؟!

المغالطة الثانية: أن الجمعية التأسيسية بدأت قبل أن يصبح د."مرسي" رئيسًا، بل يمكن القول بأن وجوده رئيسًا فرض بالفعل علينا الكثير من المرونة.

6- لماذا لم تلجئوا وقتها لحكم (1985م)؟

ج- لم يكن حكم (85) هو الذي استقر عليه عمل المحكمة الدستورية، وكان حكم (96) فيه ما بيناه من مشكلات، وهذه المشكلة طرحنا لها حلاً، وهو حذف كلمة مبادئ، فلما عجزنا عنه "بتوازنات لعب فيها الأزهر والإخوان والجماعة الإسلامية دورًا كبيرًا"؛ لجأنا لحل المادة المفسِّرة "وبينهما كان هناك عدد كبير من الاقتراحات لم يُكتب لها النجاح".

7- الإحالة على مجموع أحكام المحكمة الدستورية ألا يعد تحصيل حاصل، وهو حق المحكمة الدستورية في تفسير المبادئ؟

ج- ليس صحيحًا، فبدون هذا الإلزام كانت المحكمة ستعمل بتفسير (96) مع إمكانية تغييره، وأما الآن فملزمة بمجموع الأحكام، وعلى رأسها: حكم (85).

8- ألا يمكن للمحكمة اختيار أي حكم من هذه الأحكام منفردًا أو تضيف حكمًا جديدًا يناقضها؟

ج- كلمة مجموع لا تحتمل التأويل، وإذا احتملته فستحتمله المادة (219) بدرجة أكبر وأوضح، كما أن أي حكم جديد يجب أن يلتزم بمجموع الأحكام السابقة.

9- التفسير الوارد للمبادئ في حكم (85) ليس مِن عند المحكمة، ولكنها نقلته من مضابط مجلس الشعب بدليل أنها امتنعت عن القضاء بعدم دستورية الربا.

ج- أدعو قائل هذا الكلام أن يقرأ الحكم من أول الفقرة: "وحيث إنه يبين من صيغة العبارة الأخيرة من المادة الثانية من الدستور... وهو ما أشارتْ إليه اللجنة الخاصة بالإعداد لتعديل الدستور في تقريرها إلى مجلس الشعب، والذي أقره المجلس بجلسة 19 يولية سنة 1979م، وأكدته اللجنة التي أعدت مشروع التعديل وقدمته إلى المجلس فناقشه ووافق عليه بجلسة 30 أبريل سنة 1980م، إذ جاء في تقريرها عن مقاصد تعديل الدستور بالنسبة للعبارة الأخيرة من المادة الثانية بأنها: "تلزم المشرع بالالتجاء إلى أحكام الشريعة الإسلامية للبحث عن بغيته فيها مع إلزامه بعدم الالتجاء إلى غيرها، فإذا لم يجد في الشريعة الإسلامية حكمًا صريحًا، فإن وسائل استنباط الأحكام من المصادر الاجتهادية في الشريعة الإسلامية تمكِّن المشرع من التوصل إلى الأحكام اللازمة، والتي لا تخالف الأصول والمبادئ العامة للشريعة... ".

فهل يُتصور في مثل هذا النقل إلا أن يكون نقل المُقِرِّ الذي لم يلجئه أحد إلى هذا النقل، وإنما لجأ هو إليه مِن تلقاء نفسه وهو بصدد شرح المادة؟!

ثم لمْ يذكر شرحًا غيره، وإن بيَّن (مانعًا) من تطبيقه على بعض النصوص، وهذا المانع هو الذي أشار إليه بقوله: "بمراعاة أن تكون هذه التشريعات متفقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وبحيث لا تخرج -في الوقت ذاته- عن الضوابط والقيود التي تفرضها النصوص الدستورية الأخرى على سلطة التشريع في صدد الممارسة التشريعية".

وهو بذلك يعني المواد التي تقرِّر أن الدستور خطاب للمشرع وليس للقاضي، وأن القوانين المخالفة للشريعة تحتاج إلى تدخل من البرلمان، وتبقى نافذة إلى أن يغيرها البرلمان.

بيد أن هذا الحكم قد تجاوز هذا المانع الدستوري ليذكر لنا المانع الشرعي، فقال: "ومِن ثَمَّ فإن تغيير النظام القانوني جميعه، ينبغي أن يتاح لواضعيه والقائمين عليه الفترة الزمنية المناسبة حتى تجمع هذه القوانين متكاملة في إطار القرآن والسنة، وأحكام المجتهدين من الأئمة والعلماء".

ولا ندري: هل يقول المعترض على هذا الحكم غير هذا الكلام؟ وإذا كان كذلك؛ فلماذا وقد كان البرلمان بأغلبية إسلامية ومع هذا لمْ يُنقـَّى قانون واحد؟! بل لما طالبنا أن يمتنع البرلمان مِن الموافقة على اتفاقيات ربوية "دون التعرض للقانون الذي يبيحها" شنَّ أعضاء الإخوان والجماعة الإسلامية هجومًا علينا؛ بدعوى أن هذا جزء من المؤامرة على الدكتور "مرسي"!

وعندما طالبنا بعرض اتفاقيات القروض على "هيئة كبار العلماء"؛ لتقرر مدى الضرورة فيها وإعمالاً لمادة "مرجعية الأزهر"؛ وقف الدكتور "عصام العريان" ليقول: "السيادة هنا للشعب وحده، وأن تطبيق المادة (4) من الدستور يدخلنا في الدولة الدينية!"، ولم يبكِ أو يتباكى حينئذٍ أحد؛ لا سيما ممن يعترض الآن!

10- في حكم الإجماع كان الكلام من حثييات الطاعن وليس من كلام المحكمة، والمحكمة أهملته؛ بدليل أنها لم تعتبر أحد حثييات بطلان الحكم أنه مخالف للمادة الثانية.

ج- لقد أرفقنا أرقام حكمين فيهما بطلان قانون ذُكِر في أسباب الطعن أنهما مخالفان للإجماع، وفي أحدهما حكت المحكمة الطعن دون أن تتعرض له، ثم قضت ببطلان القانون؛ لمخالفته عدة مواد من الدستور "ليس منها المادة الثانية"، وهو الحكم في قضية رقم 116 لسنة 18 قضائية  المحكمة الدستورية العليا "دستورية"، ولكن أرفقنا حكم آخر ذكرت المحكمة في حثييات بطلان القانون مخالفات للمادة الثانية كما نقلناه في الأعلى، على أن حكم (85) كان يمكن أن يغني عن هذا.

ومما ينبغي أن يُنتبه إليه أن المسلك الرشيد يقتضي أن تتشدد في حمل اللفظ على أسوأ محامله طالما كنت في مرحلة الصياغة؛ لتحصل على أفضل نص ممكن، فإذا أُقر النص وجب أن تدفع الرأي العام لحمله على أفضل محامله، ولكننا نجد من كثير من إخواننا غير ذلك! فكانوا ينادون في مرحلة الصياغة في (2012م) بحمل تفسير المحكمة الدستورية لسنة (96) على أحسن محامله، والآن يعترضون على مجموع أحكام المحكمة الدستورية، والذي أسوأ فروض التعسف في تفسيره أن يؤول لحكم (96) الذي كان في حسِّهم "حكمًا رائعًا!"؛ بيد أن التفسير الصحيح لـ"مجموع الأحكام" سوف يسد الثغرات الموجودة في هذا الحكم؛ ليصبح بالفعل "حكما رائعًا".

والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي