أعظم نعم الله
(من لم ير من الله نعمة فى
غير مطعم أو مشربفقد قل علمه وحضر عذابه )
هذة الخاطرة من كلام
الحسن البصرى رحمه الله الذى كان يشبه الأنبياء فى هديه وسمته وكلامه ، وهو يشير
بها رحمة الله إلى التنبيه على النعم التى هى أجل وأعظم من نعمة الشراب والطعام ،
فإن الكافر ينال من هذة النعمة ، وقد يكون حظه منها أكثر من المؤمن
(كُلاًّ
نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ
مَحْظُورًا ) [ الأسراء : 20 ] . وقال عز وجل :
( قُلْ مَنْ
حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ
الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً
يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) [ الأعراف : 32 ]
فزينة الدنيا
الطيبات من الرزق ليست وقفاً على أهل الإيمان ، وإن كانت وقفاً عليهم فى الآخرة ،
لا يشاركهم غيرهم ، كما قال تعالى :
(وَنَادَى
أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء
أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى
الْكَافِرِينَ ) [ الأعراف : 50 ] .
فالحسن رحمه
الله لا يحقر نعمة الطعام والشراب ، ولكنه ينبه إلى النعم التى هى أعظم قدراً ،
وقد لا ينتبه إليها الكثير من الناس ، كما ينتبهون إلى نعمة الطعام والشراب قال
تعالى : ( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا ) [ إبراهيم :
34 ] .فالعباد عاجزون عن عد نعم
الله عز وجل عليهم فضلاً عن القيام بواجب شكرها ، قال بعضهم : حق الله أثقل من أن
يقوم به العباد ، ونعم الله أكثر من أن يحصها العباد ، ولكن أصبحوا تائبين ،
وأمسوا تائبين .
وهذة النعم بعضها أفضل
من بعض ، فإين نعمة الشراب والطعام من نعمة الهداية للإسلام ، وشرح الصدر به قال
تعالى :
(فَمَن يُرِدِ
اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ
يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء ) [ الأنعام :
125 ] .
وقال تعالى : (أَفَمَن شَرَحَ
اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ
لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ) [ الزمر : 22 ] .
وأين نعمة
الطعام والشراب من نعمة التوفيق لمنهج أهل السنة والجماعة ، وقد قال النبى صلى الله عليه
وسلم : [ وَسَتَفْتَرقُ أُمَّتى إلى ثلاث و سَبْعيْنَ فِرقَةً كُلُّهُمْ
فى النَّار إلَّ وَاحِدَةَ قالوا : مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ الله ؟ قال : هُمُ
الجماعةُ ] . وفى رواية : [ هُمْ مَنْ
كَانَ عَلَى مِثْلِ ما أنا عليْه اليوْمَ وَأصحابى ] .
وأين نعمة الطعام
والشراب من نعمة شرح الصدر لقيام الليل ، وصيام النهار .ثم أين نعمة الطعام
والشراب من التوفيق لمناجاة ربَّ الأرض والسماوات ، والرضا به ربا ، وبالأسلام ديناً
وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً .
وأين هذة النعمة من
استشعار الأنس بالله عز وجل ، ومحبته ، واللهج بذكره ، والشوق إلى لقائه .
رحم الله الحسن البصرى
ما كان أبصره وأفقهه ، من لم ير لله عليه نعمة فى غير مطعم أو مشرب ، فقد قلَّ
علمه ، وحضر عذابه .